الأردن: خبراء وسياسيون وحقوقيون ينتقدون قانون "الجرائم الإلكترونية"

31 يوليو 2023
"همم" تحالفٌ لمؤسسات المجتمع المدني الأردنية (العربي الجديد)
+ الخط -

انتقد مشاركون في أعمال الملتقى السنوي لهيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم"، الذي عُقد في العاصمة الأردنية عمان، اليوم الاثنين، بعنوان "حرية التعبير: متطلب للإصلاح"، مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي أقرّه مجلس النواب أخيراً، والمعروض على مجلس الأعيان حالياً، واصفين إياه بأنه "خطوة إلى الخلف، ولا يتناسب ولا ينسجم مع تحديث المنظومة السياسية".    

وقالت منسقة "همم"، هديل عبدالعزيز، خلال الملتقى الذي شارك به عدد من الخبراء الأجانب والمحليين المعنيين بشؤون حقوق الإنسان في الأردن، إلى جانب عدد من مؤسسات المجتمع المدني المحلية ومنظمات دولية، إن مساعي الإصلاح تبدأ من حماية حقوق الإنسان، ولا يمكن الحديث عن أي تطوّر وتقدم دون الحفاظ على الحق في التعبير.

وأكدت أهمية حماية حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني، مشيرةً إلى أن مجلس النواب أقرّ قانون الجرائم الإلكترونية من دون أي مشاورات حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني، فيما قانون حق الحصول على المعلومات ينتظر إدراج مجلس النواب منذ سنوات.

قانون الجرائم الإلكترونية يثير جدلا واسعا في الأردن ومسيرات لإسقاطه

بدورها، قالت كبيرة مستشاري حقوق الإنسان في المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، كريستينا مينيكي، إن تحديث التشريعات السياسية الرئيسية يحتاج إلى بيئة مناسبة من الحريات العامة والانفتاح ونظام شامل لحقوق الإنسان، للسماح بإنشاء فضاء عام تعددي.

وأشارت إلى أن الأردن صادَقَ على سبعٍ من أصل تسع معاهدات أساسية لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري، وحماية حرية التعبير، والوصول إلى المعلومات، وكذلك الحق في الخصوصية.

ودعت إلى الاسترشاد بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان لتطوير أو مراجعة التشريعات والسياسات والممارسات الوطنية، بموجب معاهدات حقوق الإنسان الدولية.

بدورها، أكّدت رئيسة مجلس إدارة المعهد الدولي للصحافة، خديجة باتيل، أهمية توفر بيئة قانونية وسياسية مناسبة لاستخدام التكنولوجيا من خلال الشركات الفاعلة في عالم الإنترنت، مضيفةً أنه يجب عدم قبول القوانين كما هي، بل السعي لتحسين التشريعات التي تقيّد تدفق المعلومات عبر الإنترنت.

وقال وزير الخارجية الأسبق، مروان المعشر، إنه "لا أمل لنا إلا في مؤسسات المجتمع المدني لمواجهة قانون الجرائم الإلكترونية، فلا مجال للتنمية المستدامة من دون إصلاحات سياسية، مشدداً على أهمية عدم تغوّل سلطة على سلطة، ومعتبراً أن الإصلاحات الاقتصادية عندما تكون منسلخة عن الإصلاحات السياسية وحرية التعبير، يتسلل إليها الفساد.

وأكد المعشّر ضرورة أن يستقيم ويتسق خطاب الدولة الأردنية المعلن مع أفعالها، مشدداً على أنه "لا يمكن الحديث عن تحديث سياسي أو تغيير حقيقي دون تغيير النهج بالتعامل مع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني".

ووافق وزير الشباب والثقافة الأسبق، محمد أبو رمان، المعشر بالقول "هناك تناقض بين رسائل الدولة وخطابها المعلن، وبين الممارسات والإجراءات التي يلمسها المواطن على أرض الواقع".

وأضاف أنه "إذا كان المطلوب هو أن تدور الأحزاب في الفلك الحكومي، فلا يوجد أي تغيير حقيقي، والمطلوب هو أن تعمل الأحزاب السياسة بحرية، دون مؤثرات".

ومضى أبو رمان قائلاً: "في الوقت الذي تذهب فيه الدولة لدعوة الشباب للانخراط في الحياة السياسية، وتضع أنظمة لممارسة الأنشطة الحزبية في الجامعات، وتعدّل المناهج لترسيخ الديمقراطية، يأتي قانون الجرائم الإلكترونية لنلمس التضييق على حرية التعبير، وهذه أحجية تحتاج إلى التفسير". 

واعتبر أبو رمان أن الآليات التي جرى تمرير قانون الجرائم الإلكترونية من خلالها تدعو إلى الخوف والخشية على مستقبل العملية السياسية.

أما مؤسس مركز حماية وحرية الصحافيين، نضال منصور، فقال إن قانون الجرائم الإلكترونية لا يُفترض أن يكون في دولة تتحدث عن الديمقراطية.

وأضاف أنه "اليوم مساحة صدر الحكومة للنقد تتراجع، والفضاء العام يضيق"، مشيراً إلى أن "لا أحد يستطيع اليوم الكتابة بربع السقف السابق، وهنالك تراجع كبير جداً". 

بدوره قال المحامي ومدير هيئة الإعلام الأسبق، محمد قطيشات، إن العقوبات التي وردت في قانون الجرائم الإلكترونية أكبر من تقييد الحريات، مضيفاً أن "المحاكمة العادلة تبدأ من نص قانوني عادل، وهذه الصياغة لقانون الجرائم الإلكترونية تحوّل سيادة القانون إلى السيادة بالقانون، وهذا القانون الهدف منه تخويف الناس".

وقال إن الفترة المقبلة هي للطعن بدستورية القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية، مضيفاً أن الأصل في وظيفة المشرّع الجزائي هو تجريم صور الأفعال وتعريف الركن المادي لأي جريمة، تماماً كما فعل قانون العقوبات عندما حدد عناصر جريمة الفتنة بأنها القيام بأفعال من شأنها التفرقة بين المواطنين، والحض على أعمال العنف بين المواطنين"، فهنا جرى تجريم الأفعال وتحديدها.

وقال الخبير الإقليمي في مجال حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني، فادي القاضي، إن "مواقع التواصل الاجتماعي أداة فاعلة ومناسبة للنشاط الديمقراطي، وقانون الجرائم الإلكترونية يهدف إلى إغلاق الفضاء العام أكثر مما هو حالياً".

ورأى أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تحل مكان الإعلام التقليدي، فوسائل الإعلام التقليدية تقول إنها ناقلة للأحداث فيما مواقع التواصل الاجتماعي هي مساحة للفعل والتنظيم، وتشكل منابر للأفراد للتحرك بها، ووصف حرية التعبير بأنها مفتاح التنمية الاقتصادية لما توفره من ضمانات للشفافية والمساءلة.

من جهته، قال عضو مجلس النواب الأردني، النائب عمر عياصرة، إن قانون الجرائم الإلكترونية نال من قيمة مشروع الإصلاح السياسي، وفيه تفاصيل رمادية وعقوبات شرسة، وثمة قرار من الدولة لدفع الجمهور إلى الخلف.

وتابع أن البرلمان أصبح امتداداً للسلطة التنفيذية، مضيفاً "أنا نائب كروموسومات عشائري تحالفت مع العشيرة على الكلأ والماء، وهذا يجعلنا نتقرب من الوزراء والحكومة لتقديم الخدمات لأبناء الدائرة الانتخابية".

بدوره قال المدير التنفيذي للجمعية الأردنية للمصدر المفتوح، عيسى محاسنة، إن المشاكل التي طبيعتها تقنية حلولها يجب أن تكون تقنية، لافتاً إلى أنه من السهل معرفة أن هاتفاً اختُرق، لكن من الصعب معرفة من المخترِق.

وقال إن التشفير وإخفاء الهوية أحياناً مهم لحماية حرية التعبير، وفي الكثير من الأحيان لعمل الصحافة.

كما تحدثت مفوّضة الحماية بالوكالة في المركز الوطني لحقوق الإنسان، نهلا المومني، عن "المدافعين عن حقوق الإنسان ومساحات التعبير المتاحة"، وتناول رئيس مركز عدالة لحقوق الإنسان، المحامي عاصم ربابعة، "المجتمع المدني ومساحة التعبير عن المواقف بين الواقع والقانون، أما مديرة قسم المشاريع في جمعية اتحاد المرأة الأردنية، ميساء فراج، فاستعرضت تجربة "المنظمات النسوية في الفضاء العام"، وبدوره تناول المدير العام لشبكة الإعلام المجتمعي، داوود كتاب، تجربة الإعلام المجتمعي في الأردن.

يذكر أن هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني (همم) هي تحالفٌ لمؤسسات المجتمع المدني الأردنية التي تتلاقى قيمياً في الرؤى والأهداف، وتلتقي بشكل دوري لتنسيق مواقفها وتحركاتها لإعلاء قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمع، ودفع دفة التنمية المستدامة إلى الأمام، ورفع قدرات المؤسسات المدنية ودعمها، وتأسست في مارس/آذار 2015 من قبل 13 مؤسسة مجتمع مدني.

المساهمون