يجد الإعلام التونسي نفسه في قلب الأحداث في البلاد، بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإعفاء رئيس الحكومة واستئثاره بالسلطتين التنفيذية والقضائية، فهو مَن يتعرض لتضييقات، وهو من عليه مسؤولية نقل الأحداث بأمان. لكن ليس ذلك فقط، إذ يعتبر الكثير من التونسيين أنّ ما حصل يوم 25 يوليو/ تموز 2021 من قرارات للرئيس سعيّد اعتبرها البعض انقلاباً على الدستور، ساهم فيه الإعلام التونسي بشكل كبير. إذ يرون أنّ الإعلام التونسي رغم ما يحظى به من حرية في التعبير، تعدّ من أهم مكتسبات الثورة، أساء توظيفها لينخرط بوعي منه أو دون وعي في لعبة التجاذبات السياسية وخطاب الكراهية والعنف بين الفرقاء السياسيين ولم يلعب دوراً تجميعياً للشتات السياسي التونسي بل وظف هذه الخلافات لزيادة نسب الاستماع والمشاهدة.
"العربي الجديد" كان لها لقاء مع فاعلين إعلاميين لتناول هذا الموضوع. تعتبر الإعلامية جيهان الخوني أنّ "الإعلام لعب دوراً سلبياً في المرحلة الانتقالية التي عاشتها تونس، فالإعلام العمومي (الرسمي) كان يفتقر إلى الإمكانيات المادية للقيام بدوره وتمّ تهميشه بشكل حوله إلى مؤسسات منتجة لمضامين لا ترتقي إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تعيشها تونس، في حين عمل الإعلام الخاص وفقاً لأجنداته الخاصة التي تتغير بتغير موازين القوى السياسية، وبالتالي أصبحت الكثير من وسائل الإعلام الخاصة رهينة التقلبات السياسية وحادت عن خطها التحريري الذي يُفترض أن يتميز بالمهنية والاستقلالية والبعد عن كلّ التجاذبات السياسية". الخوني لم تخفِ استغرابها من تعامل رئاسة الجمهورية التونسية مع الإعلام المحلي، إذ لا ناطق رسمياً في رئاسة الجمهورية التونسية، وهو ما يعسر عمل الإعلاميين في الحصول على المعلومة الدقيقة والآنيّة.
من جانبه، يرى الإعلامي عبد الخالق لزرق، في لقاء مع "العربي الجديد"، أنّ "الإعلام التونسي في السنوات الأخيرة فتح الباب أمام الشعبوية التي غزت المنابر الإذاعية والتلفزيونية بشكل جعل التونسي يطبع مع هذه الشعبوية التي أصبحت أمراً واقعاً، وهو ما فتح الباب أمام خطابات العنف والكراهية". ويفسر عبد الخالق ذلك بأنّ "الإعلام التونسي تعرض بعد 2011، تاريخ نجاح الثورة التونسية، إلى عملية شيطنة من قبل أطراف سياسية، من أبرزها حزب حركة النهضة، ما جعله يبحث عن مخارج للوضعية التي وجد نفسه فيها من خلال فتح فضاءاته الإعلامية لكلّ الفاعلين السياسيين والمجتمعيين من دون إيلاء اهتمام للمضامين التي يقدمها هؤلاء في البرامج التي يشاركون فيها، وهو ما استغله البعض ليحول هذه الفضاءات الإعلامية إلى منصات خطابية يقدم فيها أطروحاته السياسية من دون مراعاة لخصوصية المجتمع التونسي ولبثّ خطابات الكراهية والعنف".
الإعلام التونسي فتح الباب أمام الشعبوية التي غزت المنابر
في مقابل ذلك، يشدد الإعلامي محمد رمزي المنصوري على أنّه "لا يمكن تحميل الإعلام فقط تبعات ما يحصل في تونس، فالإعلام هو انعكاس لواقع فعلي ينقله ولا يخلقه، وإن كان يتحمل جزءاً من المسؤولية في مسألة الاختيارات في مجال صحافة الرأي. أما في مستوى النقل الإخباري الحيني، فلا يتحمل مسؤولية أيّ انحراف ممكن من قبل الفاعلين السياسيين والمجتمعيين". ويدعو المنصوري إلى "ضرورة احترام مدونة السلوك التي تنظم خط التحرير في كلّ مؤسسة إعلامية".
إثر هذه الانطباعات حول الإعلام التونسي، يتساءل البعض عن دور النقابة الوطنية للصحافيين في هذا المجال. لذلك، توجّهت "العربي الجديد" لعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين المكلفة بالعلاقات الخارجية فوزية الغيلوفي، التي تؤكّد أنّ "الإعلام التونسي ساهم في السنوات الأخيرة في نشر خطاب العنف والكراهية، وهو ما نبهت إليه لجنة أخلاقيات المهنة الصحافية - صلب النقابة - في أكثر من مناسبة وتمّ التركيز عليه في التقارير السنوية التي تصدرها النقابة، لكنّ هذه التقارير لم تجد الآذان الصاغية أمام رغبة البعض من الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في البحث عن الإثارة للرفع من نسب المشاهدة والاستماع وبالتالي ضمان أكبر عدد ممكن من الإعلانات التجارية دون مراعاة فعلية لأخلاقيات العمل الإعلامي الذي يُفترض فيه نبذ كلّ خطابات العنف والكراهية، مثلما تؤكده المدونة الصحافية التي أرستها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والتي تطالب كلّ المتدخلين في الإعلام التونسي بالالتزام بها تلافياً لكلّ الشوائب الممكنة".
ويعلّق البعض من الإعلاميين الأمل على الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، ومجلس الصحافة، للقيام بدور تعديلي لصناعة مضامين تستجيب لشروط جودة الصحافة.