لا بُدّ لولي العهد من عروس قبل الجلوس على العرش. زواج ولي العهد من ابنة الشعب خطّ أحمر. تكسر حكاية ساندريلا هذه القاعدة العريقة، كما يكسرها الأمراء الشجعان. هذا ما يستعيده الاقتباس الألف لحكاية ساندريلا، في فيلم بالاسم نفسه، "ساندريلا" (2021)، للأميركية كاي كانون.
في هذا الاقتباس العصري لحكاية ساندريلا، أي الفتاة المطلية بالرماد، وللتلاؤم مع زمن قلّ فيه الشقاء المنزلي بفضل الثورة الصناعية، تمّ تغيير مجال كدح البطلة. صارت أقرب إلى فنانة منها إلى خادمة تقليدية.
يقدّم الفيلم شخصيتين رئيسيتين: بطلة جميلة شابّة فقيرة، وشاب وسيم ثري. شخصيتان يجمعهما الشكل والعمر، وتفرّقهما الطبقات. تعيشان سلسلة امتحانات. يوفّر الحبّ جسراً لجمعهما في مصير واحد. تنتصران في كلّ الاختبارات، وتحتفلان بقبلة طويلة. يُثبت الفيلم قوّة الحبّ، وقوّة الرغبة في تغيير مصير الأفراد. هذا حافز ضروري لمقاومة شكوك البشر في المستقبل.
أبرزت كاي كانون لمسة رومانسية في فيلم حركة استعراضية. فيلم بفسحة أمل كبيرة. فيلم يحثّ على الحلم، والحلم محاولة الوصول إلى أشياء لا نراها.
لتجنّب سرد حكاية معلومة التفاصيل، تمّ اعتماد مشاهد غنائية استعراضية. الملك يغنّي، والملكة والعشّاق أيضاً: "يُفترض بالحياة أنْ تكون ممتعة/ أنت لا تؤذين أحداً/ لا أحد يخسر/ لتطلق الموسيقى حريتك/ نحن جزء من أمّة الإيقاع".
الإيقاع يُبهج في فيلم خفيف، يقدّم نظرة متفائلة عن الحياة. الأغاني تحمل صدى مواقع التواصل الاجتماعي: الفتاة التي تبتسم تزداد حظوظها بالزواج. "العالم نائم، وسيستيقظ ويرى"، هكذا تعلّق الأغاني على الأحداث الجارية، وتفسّرها.
الفيلم كوميديا غنائية، تُبرز أنّ الزواج مشكلة كبيرة. لذا، يسهل على أيّ متفرّج أعزب أنْ يتسلّل إلى الحكاية، ويجد نفسه فيها، فيتماهى مع أبطالها. يصير الزواج مشكلة أعقد بالنسبة إلى الحالمين. الشابّة الجميلة تحت رحمة الأرملة الحقودة، التي تربّي بناتها على صيد رجل ثري للزواج به. هكذا يصير الطمع منهجاً. زوجٌ لديه فلسٌ أبيض ينفع لليوم الأسود. هذا مبرَّر تماماً في مملكةٍ يمنع قانونها النساء من ممارسة التجارة (النتيجة أنّ النساء فقيرات). حسابياً، هناك فائض عرائس لرجل واحد، لكنّ اختيار عروس واحدة مشكلة. هكذا يُكرّس الفيلم حاجة النساء إلى فارس الأحلام المُنقذ، وتزاحمهن على الظفر به.
قراءة الحكاية المقتبسة بعين الحاضر: ماذا يحصل لملكية عريقة في عصر الـ"بوب آرت"؟ تتساهل مع تقاليدها البروتوكولية كي تُحدِّث نفسها تدريجياً. بما أنّ أحداث الحكاية مشهورة، هل تُغامر المخرجة بمخالفتها؟ تجرّأت ومنحت الفيلم نهاية سعيدة، مُستلهمة من وقائع في البلاط البريطاني.
تنازل الأب الملك لولي عهده في الحكاية الشعبية. في كتاب سيرة حياته، استشهد شارلي شابلن بقول توماس كارلايل: "إن خلاص العالم سيأتي من الفكر الشعبي. لكنْ، لبلوغ ذلك، يجب أنْ تضغط على الإنسان ظروف خطيرة". الحكاية حمّالة الفكر الشعبي، تعرض خضوع البشر لمصائب تضطرهم إلى ابتكار الحلول الضرورية للخلاص.
ساندريلا حكاية عريقة، مرّت من التداول الشفهي إلى الكتابي، ثم التشكيلي، فالتصوير، لتُستهلك على الشاشة. إنّها نموذجٌ لقصص تصير أفلاماً، وتصير شخصياتها أسماء للسلع. هناك ملابس ساندريلا وباربي ودورا. اسم يوحِّد أفلاماً وملابس وأدوات مدرسية، تحمل أسماء شخصيات قصص مشهورة. هنا، يُستخدم الخيال لهندسة ذوق الناشئة، وذوق المتفرّجين ككلّ في أجيال متتابعة.
في الحكاية بُعدٌ عجائبي. هناك حيوانات تتكلّم، وفراشة عجيبة تُحلّق عالياً، وتُستخدم كقرينة لأحلام ساندريلا. حكي مُبسّط لبلوغ الجمهور الواسع. هذا المنطق التجاري ليس سُبَّة فنية.
"كان يا ما كان في عالمٍ قديم منظّم ذهبي". في الفيلم، راو خارجي يفتتح السرد ويختمه. هكذا احتُفظ بالطابع الشفهي للنصّ الأصلي.
لحكاية ساندريلا نهاية سعيدة لا تُنسى. لها خصائص الحكايات الشفهية التي تعبر القرون. حكاية كونية رحّالة على ضفاف البحر المتوسط. كُتبت الحكاية أول مرة في القرن الثالث الميلادي، ورسّخت صيغة شارل برّو المكتوبة عام 1697.
مقارنة أفلام ساندريلا بين نسخة عام 1998 بعنوان "إلى الأبد" لآندي تَننت، ونسخة 2015 لكينيث براناه (شركة ديزني)، ونسخة 2021 (شركة سوني) تكشف ما يلي: تبقى النسخة الأولى (1998) مُذهلة، بتجذيرها في سياق ثوري، فنياً وسياسياً، يعطي لزواج الأمير الفرنسي من ابنة الشعب كلّ مدلولها التحرري من تقاليد الإقطاع والفيودالية. زُرعت الحكاية المقتبسة في سياق سوسيوتاريخي متحوّل. ظهور ليوناردو دافينشي، عرّاب النهضة الفنية الأوروبية، في الفيلم، مؤثّر، على أساس أنّه ابن زنى، رفع الفن من شأنه. تبقى نسخة 2015 قويّة بالأداء العدواني لكايت بلانشيت، بينما النسخة الجديدة (2021) عبارة عن كوميديا غنائية رومانسية حالمة.
كيف يُمكن اقتباس قصّة، تكون درامية مرة، وكوميديا غنائية مرة أخرى؟
يُمكن للأحلام أنْ تفيد في زمن المصائب. من لا يحلم ولا يغنّي، يكن جثة. في زمن الشكوك هذا، يعيش البشر ما يكفي من البؤس. ليس ضرورياً، مؤقّتاً على الأقلّ، أنْ يعيد الفن تصوير وإنتاج العنف الدموي والبؤس الذي يغرق فيه البشر حالياً.