يذكر الكثير من متابعي الدراما السورية، من السوريين والعرب على حد سواء، المسلسل الاجتماعي "أشواك ناعمة". تناول المسلسل مرحلة الدراسة الثانوية لعدد من الفتيات، في إطار درامي لطيف عالج المشاكل والمواقف المفرحة والحزينة في حياة المراهقات في المنزل والمدرسة.
كان العمل من تأليف الكاتبة رانيا بيطار، التي ألفت عدداً من الأعمال قبل "أشواك ناعمة" وبعده، والتي أعلنت اعتزالها كتابة السيناريو بشكل مفاجئ قبل أيّام عبر "فيسبوك".
وعزت بيطار قرارها إلى عدم رغبتها بالتماشي مع الشروط التي تضعها شركات الإنتاج لقبول النصوص. وكتبت في منشور قائلة: "لن أسرق فكرة عمل تركي أو كوري أو مكسيكي لأرضي شركات الإنتاج، لن أكتب عن الخيانة الفجة والعلاقات المحرمة، فأبرر للخائن سبب خيانته مهما كان تقصير الطرف الآخر، أو للسارق ما دفعه للسرقة أو للعاهرة ما دفعها لتبيع جسدها برخص.. لا.. لن أفعلها".
وأضافت: "لن أماشي الموجة وأكتب عن القهر والفقر والعشوائيات وما يحصل وراء كواليس أي طبقة كانت، فقط على سبيل نشر الغسيل الوسخ على الملأ ليصفق لي الجمهور، لن أرضخ لكل شروط الإنتاج الحالية التي لا تقدّر قدراتي ككاتبة".
وتابعت: "ترفض معظم شركات الإنتاج كل ما أكتبه ولا تجيب حتى بعبارة لم يعجبنا (لن أخجل من قول ذلك أمام الجميع). ربما يعتبرني البعض كاتبة (راحت موضتي) وربما يعتبرونني لم أعد أمتلك موهبة الكتابة أو لم أطورها لتتماشى مع الوقت الحالي، ربما.. وربما.. وربما.. ما أثق به أنني منذ أول عمل كتبته من قلبي البيوت أسرار لآخر عمل كتبته النداء الأخير للحب لم أكتب لأصنع مجداً وشهرةً ولتلتمع حولي الأضواء فمن يعرفني جيداً يؤمن أنني لا أحب كل ما ذكرت، أنا فقط أحب الناس، أحب المرأة العربية ولن أقبل أن أظهرها فقط كجسد جميل مغرٍ رخيص دون عقل وهدف، هي أمي وأختي وصديقتي وابنتي.. هي أنا.. فكيف لي أن أشوهها بقلمي؟!".
وأشارت بيطار، التي عرفت بأعمالها التي عالجت قضايا المرأة: "أحب دفء العائلة.. أحب الرسائل الهادفة التي لا تجعلك وأنت تتابع عملي تشعر أنني أضعت وقتك.. أنا أعترف بالهزيمة أمام الدراما الحالية لكنها هزيمة شموخ.. لن أكتب إلا ما يشبهني.. وداعاً قلمي".
وذيلت بيطار منشورها بملاحظة توحي باعتزالها الكتابة قائلة: "من يتواجد على صفحتي لأنني كاتبة يمكنه الانسحاب، فلن تجد لي أي خبر يفيد عملك الإعلامي بعد اليوم".
أدّى ذلك إلى موجة تضامن كبيرةٍ من المتابعين، ومن زملاء لها في مهنة كتابة السيناريو. واعتبروا أنّ تراجع مستوى النصوص الدرامي، مسؤولية شركات الإنتاج التي تسعى لتحقيق مكاسب تجارية، بغضّ النظر عن المضمون.
كان لهذا التضامن الواسع أثرٌ ربّما على قرار بيطار العودة عن الاعتزال بعد يومٍ واحدٍ من الإعلان عنه، إذ كتبت على "فيسبوك": "من كل قلبي، شكراً لمن اهتم وعتب وحزن وصفق وابتهج وأكد وأعجب بخبر اعتزالي الكتابة الدرامية.. شكراً لكل من خطت أصابعه حرفاً واحداً تضامناً معي.. ما أجمل نبل المشاعر.. خلقنا لنحب بعضنا ونأخذ ونعطي لنسمو ونعلو لصفة (كائن بشري) أنا حقاً ممتنة وسعيدة بكل هذا الحب".
وأضافت: "لن أتوقف عن العطاء لأنني مليئة به، ولكن ربما أستخدم وسيلة جديدة لا يمسكني فيها أحد من رقبتي، أحتاج الحرية لأقدم ما أراه مناسباً برأيي ونظرتي وفكري". وكشفت: "مشروعي الجديد يُعد له وأنتظر فقط إشارة البدء.. دعواتكم".
وعادت بيطار في منشور منفصل لتكشف: "في الصباح اعتزلت الكتابة، وفي المساء علمت أن عملي الإماراتي الموضوع في الدرج منذ سبعة أعوام تصويره الشهر القادم في دبي!! أهي صدفة؟!!".
يوضح ما جرى مع رانيا بيطار أنّ الجمهور المتابع للدراما لا يزال معنياً بمشاهدة أعمال رصينة وقيّمة، في ظلّ تراجع مستوى المسلسلات بشكلٍ عام، وأنّه ربّما يكون له تأثيرٌ على شركات الإنتاج ويدفعها لمراجعة خياراتها الفنيّة.