استمع إلى الملخص
- تميز التينور بشارة مفرج بأداء مقطوعات أوبرالية لبوتشيني، مضيفاً عمقاً روحياً وداعياً للسلام الداخلي، مما جعل الحضور يعيشون تجربة موسيقية روحانية.
- اختتمت الأمسية بترانيم ميلادية وأداء جماعي، مما أضفى جواً من الفرح والتأمل، مع تفاعل الجمهور بحرارة وأمل في تعزيز السلام وحماية حقوق الضعفاء.
رفع مهرجان "بيروت ترنم" الخطاب الموسيقي لتعليقه على جدران مدينة بيروت، متفوقاً في تجربة نسخته الـ17 على الحرب والعنف الذي رافق التحضيرات لدورة هذا العام.
شقّت، مساء أمس الاثنين، الأمسية الموسيقية الأخيرة دربها إلينا، وجاءت في جزء منها تحية لملحن الأوبرا الإيطالي جاكومو بوتشيني في ذكرى مرور 100 عام على وفاته، علماً أنّه سبق للمهرجان أن ميّزه بلفتة خاصة في حفل افتتاح دورة العام الماضي.
كنا أمس في هذه الأمسية الختامية لمهرجان "بيروت ترنم"، الذي نُظّم بالتعاون مع السفارة الإيطالية في لبنان ومعهدها الثقافي، في سفر في الجزء الأول من الأمسية في قلب الأوبرا الإيطالية مع بوتشيني وبشارة مفرج التينور بصوته المخملي والرخيم الذي أضفى بغنائه المنفرد الكثير من الأمل والرجاء، وحررنا من واقع الكوابيس اليومية المرافقة لحياتنا المثقلة بتجارب إنسانية تختزل الماضي والمستقبل معاً.
في كنيسة مار مارون في شارع الجميزة في بيروت عازفون وعازفات من أوركسترا لبنانية، بعدتهم الخشبية والوترية، لفتوا انتباه المستمعين بإلمامهم بالشاردة والواردة، وهذا كله بإدارة عصا الأب المايسترو خليل رحمة، الذي عكس الإيحاءات الشاعرية الرائعة من خلال قيادته هذه الأوركسترا مع أصوات أوبرالية محترفة لمنشدين ومنشدات جوقة جامعة سيدة اللويزة، الشريكة الجوهرية في هذه الأمسية.
المحطة الأولى من الريبرتوار من بصمات بوتشيني وتعود إلى مؤلفات من مرحلة شبابه، وتحديداً من خلال مقطوعة أوبرالية هي صلاة وترتيلة للقديس باولينو، شفيع مدينة لوكا في إقليم توسكانا في إيطاليا، مسقط رأس بوتشيني.
غناء منفرد للتينور بشارة مفرج يطفئ ظمأنا للسكون، لعطش الموسيقى، حنجرة اجتاحت بمداها قاعة الكنيسة وتوغلت في نفوسنا برفقة موسيقى أوركسترالية من جودة عالية. دعا بشارة مفرج من خلال هذا النشيد الديني، إذا صحت التسمية، إلى تسبيح الله طبعاً والقديس باولينو العين الساهرة على البيوت وناسها.
ترك مفرج في صوته المديد مكاناً للتضرع إلى الخالق وقديسه، مناجياً معنا توقنا إلى السلام، إلى يد ممدودة كيد ذلك القديس، الذي أحبّه بوتشيني وخصّه بنشيد، لتعزيز السلام الداخلي في قلوبنا.
صمت وخشوع قبل أداء الجوقة مجتمعة لأداء مفعم بالإيمان لفصل "غلوريا"، وهو من فصول "قداس المجد"، تحفة بوتشيني دون منازع. هذه المشاركة بين رسل الموسيقى من الجيل الناشئ بمناشدة المجد أو الـ"غلوريا" على أقواس عزف الكمانات والآلات الموسيقية فرصة حقيقية لتجديد المجد الله في العلى وعلى الأرض السلام.
أعطى المنشدون والمنشدات أمثولة في صرخات متتالية لم تخل من مشاركة بشارة مفرج بصوته المخملي المرصع بالإيمان والتقوى لمناصرة السلام والأمل في هذا الزمن الموشح بخيباته وحروبه الشرسة.
في وليمة الموسيقى، الحلم الذهبي البوتشيني "آخر العنقود" في الأمسية يهرع إلينا. الوجوه تبتسم في سردية ترنم للعقل، للحقيقة، للذات البشرية، للأنا الحقيقية.
كنا نتوق إلى الجزء الثاني من أمسية "بيروت ترنم" الختامية، والذي انطلق على وقع ترنيمة "آفي ماريا" لشوبرت، وهي تحية أرادها بشارة مفرج لجهاد زيدان. رددنا معه هذه الترنيمة في محاولة متكررة ليزين صوت التينور بشارة مفرج حياتنا كما الحال في تضرعنا لأمنا العذراء بصفتها نور حياتنا وسراج الأمل في يومياتنا.
اكتملت وقائع الأمسية بموسيقى وغناء أناشيد وتراتيل ميلادية من رحم عيد الميلاد لكل من جون راتير وفرانز غروبير وسواهما علنا نتسلح بشيء من العمق في الإيمان، فيما يجتاحنا الفراغ والخواء والخيبة في هذا الوطن المشحون بالأزمات.
صفق الجميع ابتهالاً بولادة المسيح الآتي إلينا. صافحنا بعضنا في بيت الرب طامحين إلى أن تجدّد الولادة فرصة لمناصرة الباطل ولحماية حقوق الضعفاء، الذين باتوا مثقلين بكل ما تحمّلوه، وعاجزين كلياً عن تكبد أي مفاجأة في وطن يحتاج إلى أعجوبة ليخرج نفسه من مهزلة قدره الصعب ودرب جلجلته المثقل بالمطبات والمصائب.