يشكل الخط العربي أحد فنون كتابة الكلمات والجمل باستخدام حروف اللغة العربية الـ28، وما ساهم في تصميم الخط العربي بهذه الجمالية التي يشهد لها العالم أجمع، هو تشابك حروفه الذي أعطاه مرونة في التشكيل. من نشأته أثبت الخط العربي بلوحاته الزخرفية الهندسية أنه فن قائم بذاته، واستطاع أن يحقق انتشاراً عالمياً.
وفي إطار مبادرة هادفة إلى إحياء الثقافة العربية وفنون الخط العربي وصقل المواهب الشابة للإبداع في هذا المجال، نظمت مؤسسة خولة للفن والثقافة النسخة الأولى من المعرض الثقافي والفني بعنوان "مهرجان الخط" في بيروت التي تم اختيارها لاعتبارها كانت دوماً معقلاً للثقافة والفنون، على أن يُقام المعرض سنوياً بشكل تُحفَظ فيه أصول الخط العربي.
لم يأت اختيار بيروت وتحديداً درج الفن في منطقة الجميزة لإقامة هذا الحدث عن عبث. فلهذه المنطقة رمزية ثقافية وفنية جعلت منها الاختيار الأول للمنظمين، وفق ما توضحه في حديثها مع "العربي الجديد" مديرة مشروع خولة للفن والثقافة ريان عماد حقي. إذْ تقول: "اخترنا درج الفن التراثي لما له من رمزية ودلالات ثقافية عبر التاريخ، لإقامة المعرض فيه. وفي الوقت نفسه أردنا إحياء هذا الموقع وإنارته بعد انفجار المرفأ".
تنطلق المؤسسة في مساعيها لإحياء فنون الخط العربي من المحلي لتتوسع إلى النطاق العالمي، لاعتبار أن الخط العربي لا ينحصر في نطاق منطقة أو ثقافة معينة بل يمكن التوسع فيه ليخاطب مختلف شعوب العالم، خصوصاً أنه يشكل أحد ركائز ثقافتنا. وانطلاقاً من عشق مؤسِّسة مشروع خولة للفن والثقافية لهذا الفن، كخطاطة وشاعرة، أرادت إحياءه وتقديم كل الدعم للمواهب الشابة التي تبدع فيه على طريقتها. فكانت مشاركة لافتة في المعرض لأربعة فنانين محترفين هم فادي العويد وأفيريت باربي ورولا دليقان وغالب حويلا، من خلال مخطوطاتهم وأعمالهم الفنية التي تتضمن رسائل قوية وجريئة عن الأمل والحرية والإنسان.
وتوضِّح حقي أن الخط العربي بقي طويلاً محصوراً بالدين الإسلامي فيما هو فن قائم بذاته، وكان من الممكن إحياؤه من خلال الفنانين الشباب الذين يبدعون بطريقة عصرية ويبرزون تلك الجمالية التي تميز الخط العربي. وهؤلاء الفنانون الذين غاصوا في هذا الفن وجدوا أنفسهم ينجرون من خلاله إلى دراسة التاريخ والحضارات كونه عالما لا ينضب، ومنهم من هم أجانب جذبهم هذا الفن. "لم نتوقع أبداً هذا التجاوب اللافت الذي شهدناه، في ظل الأزمات التي تمر بها البلاد، خصوصاً عندما رسم الفنانون لوحاتهم مباشرة أمام الحاضرين كلٌّ بأسلوبه الخاص، فيتطلب رسم كل لوحة خمس ساعات وحصل عندها تواصل لا يوصف بين الفنانين ما خلق جواً رائعاً".
من سنوات عديدة، شعر الأميركي أفيريت باربي بالانجذاب إلى اللغة العربية فتعلّمها وأتقنها وسرعان ما وجد نفسه ينجذب أكثر فأكثر في هذا الاتجاه مع دراسة الخط العربي في دول عديدة. وقد وجد فيه الأداة للتوغّل في التاريخ والثقافة وتوسيع الآفاق. وها قد مرت 10 سنوات على انتقاله للعيش في لبنان حيث يعمل ويغوص أكثر في إطار هذا الفن الذي عشقه. يقول: "في الولايات المتحدة، رُسمت صورة في الأذهان تربط ما بين الإسلام والشرق الأوسط من جهة والخطر والإرهاب من جهة ثانية. لكني اكتشفت خلال أسفاري أن هذه الأفكار مغلوطة وساهم ذلك في تحفيزي على دراسة اللغة العربية والخط العربي العريق وتاريخ الحضارات".
اكتشف باربي شيئاً فشيئاً القوة التي تميّز الخط العربي الذي يجمع بين الفن والثقافة، وسرعان ما راح ينقل رسائل هادفة متنوعة من خلال لوحاته التي ترتكز على هذا الفن، فمنها تلك السياسية، ومنها تلك التي تعنى بحقوق الإنسان والفلسفة، ومنها رسائل خاصة بالأفلام الهوليوودية والموسيقى التي تجذبه أيضاً، خصوصاً ثقافة موسيقى البوب.