بيار: "لماذا ممنوعٌ على المريض أن يُحبّ المشرفة عليه؟".
إيمانويل ماكرون: "أعتقد أنّ الأمر ممكن".
بيار (يضحك): "هذا ممكن؟".
ماكرون: "من المُمكن أن يحدث. أعتقد أن في موضوع الحب كلّ شيء ممكن! (...) في الحب نحن لا نختار. الحب يقع علينا. لا شيء مستحيلٌ. ليست هناك قاعدة تفرض أن يكون الشخص الذي سنحبّه مثلنا تماماً، أو أن يكون من نفس عمرنا... هذا شيء أقوى منّا. وعندما يكون حباً متبادلاً بين شخصين، سيكون أكثر قوة ويُمكن مواجهة كل الصعوبات.
***
يتوجه المعالج النفسي المُشرف على المقابلة إلى أدريان، ويقول له إن دوره قد حان، وإنه لا يحتاج لقراءة السؤال من الورقة. أدريان مرتبك دائماً. يجول بنظره إلى الأمام. يحاول ماكرون تهدئته بالقول: "ليست لديّ أيّ مشكلة، هيا اطرح السؤال". أدريان لا يستجيب. يسأله ماكرون إن كان يفضل أن يقرأ السؤال بنفسه. ضاحكاً، يمدّ أدريان ورقته باتّجاه ماكرون. يقف الأخير، يأخذ الورقة ويستعدّ لقراءتها وقوفاً وسط المجموعة. يبدأ القراءة بالعينين. يشدّ طرف كنزته إلى أسفل. يضحك. يتلفّت يميناً ويساراً ويقول "هل أقرؤها بصوت عالٍ؟".
لا خيار أمامه. يبدأ تلاوة السؤال الموجّه إليه: "إنّه الرئيس. يجب أن يكون مثالاً وألّا يتزوّج من معلّمته!".
تتعالى أصوات الحاضرين والحاضرات المندهشين بالسؤال. تُسمع الـ"أوه" طويلة، واضحة ومتكرّرة. تذهب الكاميرا إلى وجه أدريان. خليط من ارتباك وخجل وسعادة بسؤاله. يحتار ماكرون في الإجابة عن السؤال: "لقد قلتها منذ قليل. أنت في جميع الأحوال لا تختار... عندما تحبّ لا تختار. هذا ليس بالأمر الجيد باعتقادك؟".
جواب أدريان بسيط، ولكنه يحتاج قليلاً من الوقت ليخرج كاملاً من فم الرجل: "هذا ليس سهلاً. هذه معلّمة في نهاية الأمر، سنكون... سنشعر ببعض الإحراج".
يجلس ماكرون على كرسيّه ويُكمل حديثه: "هي لم تكن فعلاً معلّمتي. لقد كانت أستاذة المسرح. إنّه ليس أمراً واحداً". يضحك ماكرون بمجرّد الانتهاء من جملته، ثمّ يحني رأسه نزولاً، قبل أن يفاجئه رجل إلى يساره بضحكة عالية وبإشارة بإصبع يده: "آه المحتال المحتال". يضحك الرجلان طويلاً، فماكرون يعرف أن جوابه لم يكن مقنعاً. لم يتوقف الرجل إلى يسار الرئيس من الضحك ومن تكرار كلمة محتال. يضحك ماكرون أكثر. يكرّر الرجل الجملة الأخيرة من جواب ماكرون، ويضحك أكثر وأعلى.
ما جرى أعلاه كان جزءاً من مقابلة أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتمّ عرضها يوم السبت الماضي على قناة فرانس 2. قرابة 50 صحافياً وصحافية غير نمطيين، أو يُمكن القول إنهم من غير المحترفين، يعانون جميعاً من التوحّد بدرجات مُتفاوتة، حاوروا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
32 دقيقة احتفت بها الصحافة الفرنسية، على عكس الكثير من مقابلات/ تصريحات الرئيس الفرنسي أخيراً. 32 دقيقة حملت الكثير من الصدق والعفويّة، التي ليس من السهل مواجهتها وليس من البديهيّ على رئيس جمهورية الموافقة على خوض تجربتها. لحظة تلفزيونية لا يُمكن الوقوع عليها يوميّاً.
إذاً، رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكرون حلّ ضيفاً على برنامج Rencontres du Papotin، حيث حاورته مجموعة صحافيين/ات مشخصين بمرض التوحّد ويعملون في صحيفة لو بابوتين الفرنسية.
انطلقت هذه الصحيفة في عام 1990، وأنشأها المدرّب في إحدى المستشفيات الباريسية دريس الكسري. في البداية، كانت الفكرة تحمل هدفاً علاجيّاً لمساعدة هؤلاء الأشخاص (تتراوح أعمارهم بين 15 و60 عاماً) في التعبير عن مشاعرهم بكلماتهم الخاصة. لكن سرعان ما قرّر المشاركون إصدار جريدة بالمعنى الحقيقي للكلمة. سبق وحاورت الصحيفة كلًّا من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك (2002)، والرئيس السابق أيضاً نيكولا ساركوزي (2015).
في سبتمبر/ أيلول من عام 2022، قرّرت شبكة تلفزيون فرنسا تقديم نسخة مُصوّرة من مقابلات الصحيفة، وعرضت حتّى الآن 3 حلقات إضافة إلى حلقة إيمانويل ماكرون. لكن الضيوف السابقين لم يكونوا من خلفيّات سياسية، بل من عالم الفن، الممثل جيل لولوش (حققت الحلقة 3,3 ملايين مشاهدة) والممثلة كاميي كوتان والمغني جوليان دوري.
تمّ تصوير هذه الحلقات في معهد العالم العربي في باريس، تحت إشراف معالج نفسي مرافق للفريق. خلال مقابلة ماكرون، ذابت الحواجز الرسمية بشكل شبه كامل. حافظ على ابتسامته على مدار الحلقة، وتحدّث ببطء كي يتمكّن الجميع من سماعه وفهمه. لا تفخيم في الكلام الموجّه إليه، غابت الـ"أنتم" وحضرت الـ"أنت". سأله كثير من الصحافيين في البداية عن اسمه، ومهنته وعن زوجته وأولاده. قليلٌ من السياسة، وكثيرٌ عن الحب والحميميّة والعائلة. أسئلة غير اعتيادية وعفوية من أشخاص غير مهتمين وغير معنيين بـ"صورة الرئيس" أو في التودّد إليه. ما الذي يُخيفك؟ هل لديك الكثير من الثروات؟ كيف يُمكن إيقاف الشر في العالم؟ وسؤال عن جدّة ماكرون، مانيت، وعن اشتياقه لها وعلاقته بها.
وكان منتج البرنامج تريستان كارنيه (وهو أيضاً منتج برنامج ذا فويس بنسخته الفرنسية)، قد كشف للصحافة عن كواليس التحضير للحلقة وكيفيّة إقناع الإليزيه بالمشاركة. كانت شروط الإنتاج واضحة منذ البداية: لا يجب توقّع انتهاء اللقاء سريعاً (استغرق التصوير ساعتين ونصفاً ومدّة العرض 32 دقيقة)، ممنوع على الإليزيه تحديد موعد العرض ولا إلقاء نظرة على المونتاج النهائي. تفاصيل كان لا بُدّ من إخراجها إلى العلن، لفهم السياق العام الذي تمّت فيه المقابلة. ولكن ما يبقى أكيداً، أن الضيف والبرنامج حققا معاً نجاحاً سيعود على كليهما بالفائدة.