إنستغرام في الجزائر: كل الطرق تؤدي إلى الاحتيال

21 يونيو 2022
يجني المؤثرون أموالاً طائلة مقابل الترويج لشركات ومستحضرات (Getty)
+ الخط -

أعاد صدور حكم بسجن 3 مؤثرين جزائريين الأسبوع الماضي بتهمة الاحتيال على متابعيهم، فتح ملف المحتوى المزيف الذي يقدّم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً إنستغرام، وانتشار عمليات الاحتيال والكذب بشكل واسع عبر هذا التطبيق.
الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة الدار البيضاء في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، حكماً بالسجن لمدة عام واحد على المؤثرين نوميديا لزول، وأبركان محمد المعروف باسم ستانلي، وفاروق بوجملين المعروف باسم ريفكا، بتهمة المشاركة في النصب والاحتيال، في قضية الشركة الوهمية التي مارست الاحتيال على طلاب لتسجيلهم في الجامعات في الخارج.
وكانت شركة وهمية قد قبضت من 75 طالباً جزائرياً مبالغ تتراوح بين 20 ألف يورو و40 ألفا عن كل واحد، مقابل تسجيلهم في جامعات أوكرانية وتركية وروسية، على أن يغطي هذا المبلغ أقساط الجامعة وشقة سكنية، ليتبيّن لحظة وصول الطلاب إلى جامعاتهم أن ما دفعته الشركة هو قسط 3 أشهر فقط، إلى جانب تأمين إقامتهم لليلتين فقط في فندق.
لكن كيف نجحت الشركة باستقطاب كل هؤلاء الشبان والشابات؟ ببساطة باستخدام المؤثرين على موقع إنستغرام. إذ لجأت إلى دفع مبالغ كبيرة لعدد من المؤثرين الجزائريين من الذين يتمتعون بمتابعة عالية، مقابل الترويج لخدماتها، وهو ما جذب عشرات الطلاب الذين لم تسعفهم الفرصة للتّسجيل في جامعات جزائرية، أو اختيار التخصّصات التي يريدونها.
وبالفعل وجه القضاء الجزائري تهم التحايل، ومخالفة التشريع المتعلق بالاتجار بالأشخاص، ومخالفة قانون حركة وصرف رؤوس الأموال من الجزائر وإلى الخارج وغسل الأموال، إلى المؤثرين الثلاثة إلى جانب صاحب الشركة ومعاونيه.
ورغم أن هذه القضية شغلت الرأي العام الجزائري ولاقت تغطية إعلامية واسعة، إلا أنها ليست الأولى من نوعها، وحتماً لن تكون الأخيرة. فقبل أيام نشرت مواطنة جزائرية تقيم في كندا مأساتها التي بدأت بعد مشاهدتها بفيديو ترويجي نشرته مؤثرة وناشطة جزائرية على إنستغرام عن مسشتفى في تركيا يجري عمليات لشفط الدهون وإنقاص الوزن في إسطنبول. لكن بعد خضوعها لهذه العملية في المستشفى إياه تقول السيدة إنها أصيبت بنزيف في الشرايين وتعيش حالياً حالة نفسية صعبة في أحد مستشفيات إسطنبول، بينما ترفض العيادة تقديم تقرير طبي للقنصلية الجزائرية حول وضعها الصحي.
تطرح هذه القضايا للمرة الأولى ملف مسؤولية المؤثّرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر، وصدقية الخدمات التي يروجون لها لصالح شركات ومؤسّسات، عبر فضاء افتراضي ما زال في طور التشكّل من الناحية التجارية والاقتصادية، في ظلّ غياب الرقابة وأي حماية قانونية في الجزائر.
يؤكد الخبير الاقتصادي من جامعة بومرداس قرب العاصمة الجزائرية إلياس مناصرة أن التسويق الإلكتروني، بات يعمل على عوامل عدة أبرزها التأثير والترويج والمنتج المعروض. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الخدمات المقدمة لا يمكن مراقبتها في خضم اقتصاد تقليدي ما زال يعاني من مشكلة التهرّب الضريبي، فما بالك بمتابعة ما يعرض يومياً في مواقع الشبكات الاجتماعية، والمكافآت الخيالية التي يستفيد منها المؤثّرون وحتى الوكالات التي فتحت لها حسابات عبر الشبكة العنكبوتية والمتوارية خلف صور ووجوه مؤثّرة بلا رقيب ولا حسيب".


في الإطار نفسه ترى أستاذة الاتصال من جامعة جيجل (شرقي الجزائر) لمياء بوفناية أن"مواقع التواصل الاجتماعي باتت وسيلة لتكريس الوهم ونشره"، محذّرة من تفشّي استعمالاته العشوائية في مسائل أخرى قد تعصِف بأحلام الآلاف من الشّباب. وقالت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الشّبكة العنكبوتية باتت هي المتحكّمة في رغبات الشباب وتوجّهاتهم، إذ أصحبت جزءاً من حياة الفرد"، مشيرة إلى سقوط ضحايا كُثُر لتسويق الوهم عبر فضاء افتراضي وجب تقنينه وتأطيره تقنين الشبكة العنكبوتية وهو ما يحتاج إلى تظافر العديد من المجهودات التي من شأنها مراقبة ما ينشر وما يبثّ في الوسائط الاجتماعية، إذ من الصّعب بمكان القيام بذلك في خضم تشريعات وقوانين لم تواكِب التطوّر المتسارع للتقنيات التي تستخدم بشكل كبير في الكثير من الأوساط.
لكن خبراء الاتصال يحذرون من تفاقم قضايا النّصب الإكتروني المرتبط بوجوه مؤثّرة على مواقع التواصل الاجتماعي،
الذين تستغلهم شركات ومؤسسات من دون تأكيد جدي لمصداقية ما تطرحه من منتوج أو ما تقدمه من خدمات. وتلفت المختصة في علم النفس الاجتماعي كريمة زيتوني، إلى مسألة تخص طبيعة صنّاع المحتوى الموجه للجمهور، الذين تستغلهم الشركات. وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "عددا من هؤلاء لا يتمتعون بأي مستوى فكري أو ثقافي ومع ذلك تمكنوا من شغل مساحة واسعة من اهتمامات المتابعين بالملايين، والتأثير في الشباب وإقناعهم واستمالة عواطفهم ورغباتهم، حيث يعمد رواد التواصل الاجتماعي الى تقاسم روتين حياتهم اليومي، واستدراج الجمهور إليهم، باستغلال الفوضى التي يتسم بها المجال الافتراضي وسوء التّسيير، واتخاذ سياسة الهروب إلى الأمام كوسيلة لمواجهة تحديات الواقع، ولو عن طريق الاحتيال".
 

المساهمون