إعلام النظام السوري إذ تفضحه الأزمة المعيشية

12 مارس 2021
يجري النظام انتخاباته الصورية فيما السوريون تحت أزمة معيشية تخنقهم (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

تطل صحيفة "الوطن" السورية الموالية للنظام على موقعها الإلكتروني بعنوان رئيسي مفاده: "توقيف شخصين في اللاذقية يتاجران بمادة الخبز بطريقة غير قانونية". تشعر للوهلة الأولى بأن الخبر خُصّص لتسليط الضوء على شخصين يتاجران بالمخدرات على سبيل المثال، قبل أن تفاجئك كلمة "الخبز" في آخر العنوان. على الوجهة الرئيسية ذاتها، في الصحيفة نفسها يصادفك عنوان آخر: "رقابة اللاذقية تضبط منشأة تغش وتزور ماركات شامبو ومستحضرات تنظيف". وكأن المشاكل المعيشية التي يعاني منها السوريون اليوم، تتلخص بمشكلة تزوير مستحضرات النظافة التي يستخدمونها ضمن "فرط الرفاهية" التي يعيشونها.  

أما على قناة "سما" الموالية، فيقول مذيع ومقدم برنامج "أحوال الناس" نزار الفرا، علناً في استهلالية حلقته الأخيرة من البرنامج، أنهم في الإعلام الموالي للنظام، يريدون من المسؤولين في حكومة النظام أن يخرجوا على الإعلام للكلام عن المشاكل المعيشية الخانقة التي يعانيها الناس، حتى لو كرروا ذات "الأسطوانة" المتعلقة بالعقوبات الغربية والحصار والحرب الكونية، وأن المطلوب منهم فقط الكلام، حتى دون تقديم الحلول الفعلية.  وقد أفادت معلومات خاصة بـ"العربي الجديد" أن الأمن استدعى نزار الفرا إلى التحقيق.

هكذا أخذ النظام يتعامل مع مواجهة تفشي الفقر الجوع والعوز والتذمر الشعبي الذي يسود مناطق سيطرته، كلام بكلام، وتبريرات مكررة، وتلخيص محاربة الأزمة المعيشية التي أدت بكثيرين للانتحار، وآخرين لنبش حاويات القمامة، وغيرهم لعرض أطفالهم للبيع، بأن يقبض على "تجار خبز"، ومزوري وكالات مستحضرات التنظيف. 

يصدّر إعلام النظام الأزمة المعيشية على أنّها ستنتهي

قبل أشهر، كانت الطوابير هي السمة العامة للمدن والمحافظات التي يسيطر عليها النظام. طوابير على الخبز، والوقود، وغاز الاستخدام المنزلي، والمياه، وغيرها من أساسيات الحياة. أما اليوم، فانتهت "مشكلة الطوابير"، إذ لم يعد هناك من الأساس ما يكفي لتلبية احتياج الناس من الخبز. فقد أغلقت الكثير من الأفران، وتوقفت عشرات محطات الوقود عن العمل بسبب ندرة المشتقات النفطية، فأصبحت مشكلة المواصلات مأزقاً آخر يعاني منه المواطن السوري، لكنها كذلك كانت حجة لاختصار مصاريف التنقل في ظل الغلاء الكبير الذي طاولها.  

كل ذلك يصدّره إعلام النظام على أنه "أزمة وبتعدي". لكن تلك الأزمة مستمرة منذ زيادة المجهود الحربي للنظام بعد التدخل الروسي. فالإنفاق على الحرب التي يخوضها النظام ضدّ السوريين في مناطق خارجة عن سيطرته، لا يزال محافظاً على نسبه ذاتها، لا بل مع زيادة في الفترة الأخيرة، بعد محاولة النظام والروس فرض مزيد من السيطرة في البادية والإعداد للتقدم نحو عمق إدلب.  

وبات الناس في مناطق سيطرة النظام، مقتنعين بأن النظام وحكومته ليسوا بوارد تقديم الحلول. فالانخفاض اليومي والحاد لقيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، ولا سيما الدولار، يعني مزيداً من التوفير فيما تبقى من قطع أجنبي لدى النظام. فكلما انخفضت قيمة الليرة، يعني توفير كمية لا بأس بها من القطع الأجنبي، ربطاً مع فرق التصريف. أما المواطن السوري، الذي لا يتجاوز حجم دخله 75 ألف ليرة سورية شهرياً، كمعدل، سواء كان موظفاً أو عاملاً مياوماً، بات اليوم ينظر في 20 دولاراً كقيمة شرائية لهذا الدخل، بعد أن وصل سعر صرف الدولار الواحد لما يقارب 4000 آلاف ليرة سورية، يقلبها بين يديه، ستكفيه بالضبط ثمناً لفروج غير مشوي، وكيلوغرام واحد من اللحمة، وخمس ربطات من الخبز لا أكثر. أي قوت ثلاثة أيام، أو أربعة على أبعد تقدير.  

غضب كامد، أمام قبضة أمنية مشددة، وزيادة نفوذ المليشيات في المدن الرئيسية وحتى البلدات، لا يتوقع منه انفجار شعبي واجتماعي بوجه النظام في مناطق سيطرته، إذ ينهش الفقر تفكير الناس وخيارتهم، وتدبر اللقمة أجدى من صوت صراخ بوجه حارمها، هكذا لسان حال الناس في دمشق واللاذقية وحلب وحمص والسويداء وحماه، وغيرها من مناطق سيطرة النظام في سورية.  

أمام ذلك، لا يجد رأس النظام بشار الأسد ما يقوله سوى محاولات استجداء الاستعطاف. لكن إعلان إصابته وزوجته بفيروس كورونا، يندرج ضمن هذا السياق، بمراد شد الأنظار والانتباه عن الوضع المتردي والممعن في التردي بشكل يومي، خصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة، والقول بأن "رئيس البلاد" كغيره من الناس، يمرض ويعاني ويصيبه ما أصاب غيره. كذلك هي خطوة، يشار إليها على أنّها فكرة أسماء الأسد، خريجة الجامعات البريطانية، بهدف كسب الحشد في حملة الأسد في ترشيح نفسه للانتخابات، التي بدأت قبل فترة بشكل مستفز، باستخدام الأطفال وموظفي دوائر الدولة وصغار البعثيين عنوةً.  

في السياق، يشير الصحافي الاقتصادي المستقل مصطفى السيد، الذي عمل سابقاً مع عدد من وسائل الإعلام الحكومية في سورية، وأخرى خاصة تقف إلى جانب إعلام النظام، قبل خروجه من سورية إلى ألمانيا، أن "بشار الأسد وزوجته لديهما ثلاث شركات تسويق إعلامي عالمية، يلجؤون إليها لتصدير أي صورة خاصة بهم، ولا سيما فيما يتعلق بتحركاتهم الشخصية الموجهة للسوريين والرأي العام العالمي". ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "أي خبر أو صورة أو تحرك تصدره تلك الشركات عن الحياة الخاصة للأسد وعائلته وحتى تصرفاتهم، يكون مدروساً بعناية ويخضع للكثير من معايير التدقيق، بالإضافة لتوقع نتائجه بما يتوافق مع أي ظرف زمني ومرحلة".  

بشار وأسماء الأسد يلوذان بشركات تسويق لاستجداء التعاطف

وينوه السيد إلى أن "هذا النمط من كسب التعاطف، استخدمته أسماء الأسد عند إصابتها بسرطان الثدي، الأمر الذي حقق لها ولزوجها مردودا ونتائج إيجابية لهم داخل مناطق سيطرة النظام". ويرى السيد أن "الناس تعتقد أن الجانب الصحي هو الأهم في استمرارية حياة البشر، ويتقدم على تأمين المعيشة وصعوبتها، وهذه الثغرة التي اختارتها شركات التسويق الإعلامي المحترفة للأسد بالدخول إلى عواطف الناس، من خلال الإعلان عن الإصابة بكورونا". ويضيف أن "هذه الصورة المسوقة تؤمن اصطفاف فئات لاختيار الأسد الذي تم اختباره لإحدى وعشرين سنة خلت، والتجديد له لسبع سنوات قادمة". 

من جهته يؤكد سامر، وهو اسم مستعار لصحافي يعيش في دمشق وفضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، أن "الناس ليس لديها أي ثقة بإعلام النظام، سيما أن أوضاع الناس بغاية السوء، ولا ثقة للناس أيضاً بالنظام نفسه، لكن المسألة اليوم متعلقة بحالة الخوف الكبيرة من النظام والأجهزة الأمنية والمخبرين، وحتى المحيط في ظل عدم الثقة التي أنتجتها الأزمة الحالية في المجتمع". ويضيف أن "محاولات النظام عبر إعلامه هي موجهة للموالين، بأننا نتكلم ونشعر بمعاناتكم، لكن هذا الموضوع لم يعد مجديا، مع نقص الخبز وغلائه مع مستلزمات الطعام والشراب، وفي ظل مردود شهري أو يومي ليس له قيمة شرائية مقارنة بأسعار السوق والارتفاع المخيف للأسعار، ولذلك كل هذه المحاولات عبر الإعلام لا تعني أي شيء بالمطلق". 

وينوه الصحافي إلى أنه "حتى داخل الوسط الإعلامي، سواء داخل مؤسسات النظام أو الوسائل الإعلامية الموالية، يعلمون أن هذا الأمر ليس سوى كذب وخداع للناس، وكان هناك اعتقالات من هذا الوسط بعد أن أفصحوا عن رأيهم الحقيقي، غير الذي يريد تصديره النظام عبر الإعلام". واعتبر سامر أن "الحملة الإعلامية للنظام للتنفيس بين أوساط المؤيدين، أو الذين يعيشون في مناطقه، ليست سوى محاولة مبتكرة وجديدة للخداع وخلق أكاذيب غير مطروقة أو مطروقة، في وقت يريد هؤلاء نقودا وطعاما وشرابا وأبسط الأساسيات غير المتوفرة". ويعتبر أن "الحملة التي بدأ النظام بها للترويج لانتخاب بشار الأسد، زادت من نقمة وغضب الشارع، فالناس باتوا يتهامسون بأن من الوقاحة إجراء الانتخابات والتهليل لها، في حين لا يجد الناخبون ما يسد رمقهم من الطعام والشراب". 

الحملة التي بدأ النظام بها للترويج لانتخاب بشار الأسد زادت من نقمة وغضب الشارع

ويوضح الصحافي في قراءته لتحرك الشارع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام عامة، ودمشق على وجه الخصوص، أن "الشارع ورغم اعتقاده بأن كل ما يصدره لهم النظام كذب وخداع وأن أحوالهم ذاهبة باتجاه الأسوأ، إلا أن ذلك لا يعني ولا ينذر بأي تحرك لهم في وجه النظام، فالخوف هو السمة الأكثر وضوحاً، والإرهاب الذي فرضه النظام من خلال تعامله مع السوريين في الأعوام العشر الماضية، جعلت من الذين يعيشون في مناطق سيطرته، يحسبون حساب أي كلمة وأي تصرف، فما بالك بالتحرك في وجه النظام".

المساهمون