بسبب الإضراب المستمر منذ أشهر في هوليوود، خلت السجادة الحمراء في انطلاق مهرجان فينيسيا السينمائي بنسخته الثمانين، مساء الأربعاء، من النجوم والإبهار التقليدي، مع فيلم إيطالي اختير على عجالة ليحلّ محلّ عمل أميركي في العرض الافتتاحي.
وتولّى افتتاح المهرجان رسمياً رئيس لجنة التحكيم فيه داميان شازيل الذي سبق أن عُرض فيلماه "لا لا لاند" La La Land و"فرست مان" First Man في افتتاح نسخ سابقة من "موسترا" وسط أجواء احتفالية صاخبة، علماً أنه هو نفسه من أشدّ مؤيّدي الإضراب، وهو موضوع على كل شفة ولسان في البندقية.
وقال شازيل الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي لمناسبة افتتاح المهرجان، مرتدياً قميصاً عليه شعار داعم للإضراب، إنّ "كلّ عمل فني له قيمة بحدّ ذاته وليس مجرد محتوى فحسب، وهي كلمة رائجة جداً حالياً في هوليوود"، مضيفاً أن "الفنّ يأتي قبل المحتوى".
وبات "موسترا"، عميد المهرجانات السينمائية العالمية، أول ملتقى عالمي للفن السابع يدفع ضريبة إضراب هوليوود الذي انضم فيه الممثلون الشهر الماضي إلى كتّاب السيناريو في حركتهم الاجتماعية، مطالبين بتحسين الأجور ووضع ضوابط لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتمنع نقابتهم القوية "ساغ-أفترا" SAG-AFTRA جميع أعضائها، حتى أكثرهم شهرة، من تصوير أيّ أعمال أثناء الإضراب، وكذلك من المشاركة في الترويج للأفلام.
وكان مقرراً أن تفتتح نجمة هوليوود زندايا المهرجان مع فيلم "تشالنجرز" Challengers للمخرج لوكا غوادانيينو، غير أنّ التحرّك الاحتجاجي التاريخي الذي يشلّ السينما الأميركية حال دون ذلك.
واستُبدل الفيلم الأميركي بعمل إيطالي يحمل عنوان "كومندانته" Comandante، مع بييرفرانشيسكو فافينو، والذي يتناول محطات غير معروفة على نطاق واسع من الحرب العالمية الثانية.
وغاب النجوم الأميركيون عن حفلة الافتتاح في قصر السينما في الليدو، وطغى الحضور الإيطالي على السجادة الحمراء، لكنّ المناسبة شهدت لحظة مؤثرة تمثلت في تقديم النجمة البريطانية شارلوت رامبلينغ أسداً ذهبياً فخرياً للإيطالية ليليانا كافاني، مخرجة فيلم "ذا نايت بورتر" The Night Porter الشهير، وذلك عن مجمل مسيرتها.
وفي تحية مؤثرة للمخرجة البالغة 90 عاماً، ذكّرت رامبلينغ التي تولت في هذا الفيلم، عام 1974، دور ناجية من معسكرات الاعتقال النازية تربطها علاقة عاطفية بسجّانها السابق، كيف أنّ كافاني، من خلال هذه "الصدمة الكهربائية"، تمكّنت من "استكشاف الأعماق الأشدّ ظلمة في النفس البشرية".
أما ليليانا كافاني التي بدت متأثرة، فأفادت من إطلالتها للمطالبة بمزيد من "التوازن" بين الرجال والنساء في السينما. وأكدت مبتسمة أنّ "ثمّة نساء وكاتبات سيناريو ومخرجات يعملن بمستوى الرجال".
وسيكون فيلم "فيرّاري" Ferrari لمايكل مان، اليوم الخميس، أحد أبرز الأعمال المعروضة في المسابقة. ويَفيد هذا العمل، وهو سيرة ذاتية لمؤسس ماركة السيارات الشهيرة إنزو فيرّاري، من استثناء منحته النقابة، ما يسمح لبطله آدم درايفر بالمجيء إلى البندقية للمناسبة.
في المقابل، يتغيّب عن المهرجان برادلي كوبر، المشارك في المنافسة هذه المرة بصفته مخرجاً وممثلاً في فيلم "مايسترو" Maestro، عن سيرة المؤلف ليونارد برنشتاين.
ويتنافس أيضاً على جائزة الأسد الذهبي، التي فازت بها العام الماضي مخرجة الأفلام الوثائقية لورا بويتراس عن فيلمها "أول ذا بيوتي أند ذا بلودشيد" All The Beauty And The Bloodshed، كلّ من ديفيد فينشر وصوفيا كوبولا.
كما أنّ عرض أحدث أفلام وليام فريدكين خارج المنافسة سيكون بلا شك لحظة عاطفية، بعد أسابيع من وفاة هذا المخرج المعروف خصوصاً بفيلمه "ذي إكزورسيست" The Exorcist.
لكنّ قائمة الأعمال المشاركة في المسابقة تعكس قبل كلّ شيء العودة إلى الشاشة لسينمائيين وُجّهت إليهم اتهامات في قضايا اعتداء جنسي ينفون صحتها.
ومن بين هؤلاء رومان بولانسكي (90 عاماً) الذي يعيش في أوروبا بمأمن من القضاء الأميركي الذي يلاحقه منذ أكثر من 40 عاماً، بعدما أدانه بتهمة الاغتصاب.
وبعدما بات شخصاً غير مرغوب فيه في هوليوود، شهد هذا الاسم الكبير في الفن السابع تغييراً لوضعه في فرنسا، منذ الجدل الدائر حول منحه جائزة سيزار السينمائية الفرنسية عن فيلمه "جاكوز" J'accuse.
وبات جزء كبير من العاملين في المهنة يعتبرونه أحد رموز الإفلات من العقاب في ما يتعلق بالعنف الجنسي، وقد ظلّ بعيداً عن الأنظار.
غير أنّ مهرجان فينيسيا السينمائي يعيده إلى الأضواء، إثر اختيار فيلمه "ذا بالاس" The Palace خارج المنافسة، وهو عمل من بطولة فاني أردان وميكي رورك، صُوّرت مشاهده في غشتاد السويسرية. لكنّ بولانسكي لا ينوي المجيء إلى البندقية.
ويواجه وودي آلن (87 عاماً)، بدوره مقاطعة شبه كاملة من قطاع السينما، بعد اتهامات وجّهت إليه بالاعتداء جنسياً على ابنته بالتبنّي، وهو الأمر الذي ينفيه ولم ينجح أيّ تحقيق في جلاء حقيقته.
وسيقدّم آلن فيلمه الخمسين "كو دو شانس" Coup de Chance الذي صُوّر في باريس باللغة الفرنسية مع ممثّلين فرنسيين.
وسيشهد "موسترا" أيضاً عودة المخرج الفرنسي لوك بيسون إلى المنافسة مع فيلم "دوغمان" Dogman.
أغلق ملف بيسون القانوني في نهاية يونيو/ حزيران، بعدما أسقطت محكمة النقض نهائياً تهم الاغتصاب التي وجهتها إليه الممثلة ساند فان روي.
وبينما بدت قضايا مكافحة التمييز والعنف الجنسي تتقدم في السنوات الأخيرة في عالم السينما عقب حركة MeToo#، فإنّ هذه الاختيارات الرمزية للمهرجان أثارت غضب الناشطات النسويات.
لكنّ رئيس مهرجان البندقية ألبرتو باربيرا دعا، في تصريح لوكالة فرانس برس، إلى "التمييز بين الإنسان والفنان"، في مقاربة هذه المسألة.
وتضمّ المسابقة الرسمية 5 مُخرجات سينمائيات مقابل 19 رجلاً يتنافسون على جائزة الأسد الذهبي التي تُمنح في 9 سبتمبر/ أيلول، وهي جائزة فازت بها مخرجات خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأقرّ باربيرا بأنّ أفلام النساء "قليلة" في المسابقة، و"يجب بطبيعة الحال الكفاح من أجل تغيير الأمور".
(فرانس برس)