إسرائيل تنشد "مقاتليها" السيبرانيين في المدارس

07 يوليو 2023
المرتبات العالية وانعدام الأخطار الأمنية عاملان مشجعان (Getty)
+ الخط -

في خطوة تهدف إلى تنشئة جيل من "مقاتلي" الفضاء السيبراني المستقبليين، يشن جيش الاحتلال حملة واسعة النطاق في المدارس الإسرائيلية، للبحث عن طلاب يمكنهم الانضمام، عند التحاقهم بالخدمة العسكرية الإجبارية، إلى وحداته المسؤولة عن إدارة الهجمات السيبرانية وشنها.

وشرعت فرق من وحدة التجسس الإلكتروني، المعروفة بـ"وحدة 8200"، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، المسؤولة، ضمن مهام أخرى، عن قيادة الجهد الحربي الإسرائيلي في الفضاء السيبراني، في تنفيذ جولات في المدارس الإسرائيلية، للبحث عن طلاب لديهم مؤشرات على قدرات خاصة في مجال الحوسبة، كما تبذل جهوداً لتطوير قدرات الطلاب الآخرين في هذا المجال.

وعرضت قناة التلفزة "كان"، التابعة لسلطة البث الإسرائيلية الرسمية، هذا الأسبوع، تقريراً مفصلاً عن الأنشطة التي تنفذها الفرق التابعة لـ"8200" في المدارس الإسرائيلية، وتحديداً في المدن والمستوطنات الواقعة في أطراف إسرائيل، وخاصة في ما يعرف بـ"مدن التطوير"، المعروفة بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية نسبيا مقارنة بالتجمعات الاستيطانية الأخرى.

وظهر في مطلع التقرير ضابط من وحدة "8200"، وهو يسأل طلاب أحد الصفوف في إحدى المدارس الإعدادية: من منكم معني بالانضمام إلى "8200"؟ ورفع معظم الطلاب أياديهم. وفي إطار الجهود الهادفة إلى إعداد الطلاب لإمكانية الانضمام إلى الوحدة مستقبلاً، ظهرت ضابطة وهي تقدم درساً أمام الطلاب، حول كيفية إعداد موقع على الشبكة العنكبوتية.

وقال المقدم "أ" الذي يقود إحدى الدوائر في "8200" إن الوحدة بدأت حملتها في 5 مدن، حيث استهدفت 2500 طالب، مشيراً إلى أن عدد المستهدفين زاد في غضون عام إلى 20 ألفا في 35 مستوطنة، من "كريات شمونا" في أقصى الشمال إلى "إيلات" في أقصى الجنوب.

وصرّح قائد لواء التخطيط في شعبة القوى البشرية في جيش الاحتلال، العميد أمير فدموني، قائلاً: "نفذنا في السنوات الماضية أنشطة في المدارس المنتشرة في مدن وبلدات الضواحي، للتعرف إلى الطلاب الذين يمكنهم الانضمام مستقبلاً إلى 8200"، مشيراً إلى أن أنشطة الوحدة لا تقتصر على المدن الكبرى، مثل تل أبيب.

وشرح إيتمار ميمون، وهو طالب في إحدى المدارس الإعدادية في مدينة "بئر السبع" المحتلة، المحفزات التي تجعله متحمساً للانخراط في الدروس التي تقدمها فرق الوحدة "8200"، مشيراً إلى أن مثل هذه الدروس تسمح له ولزملائه "بمراكمة الخبرات والتجارب".

وذكر ميمون السبب الذي يدفع الشباب الإسرائيلي عامة لإبداء حماس كبير للانضمام إلى وحدة "8200"، قائلاً إن الضباط والجنود الذين يؤدون الخدمة العسكرية في إطار هذه الوحدة يتم استيعابهم بعد ذلك في شركات السايبر والتقنيات المتقدمة المدنية، حيث يحظون بمرتبات عالية جداً مقارنة بالعاملين في القطاعات والمرافق الاقتصادية الأخرى.

يشار إلى أن شركات التقنيات المتقدمة، وضمنها شركات السايبر، تمنح أعلى مستويات الأجور للعاملين فيها. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن مستوى الأجور في هذه الشركات يبلغ 31678 شيكل شهرياً (نحو 8567 دولارا). لكن ما لم يشر إليه هذا الفتى أن الشباب الإسرائيلي يبدون حماساً للانضمام إلى وحدة "8200" أيضاً لأن العمل فيها لا يقترن بأخطار أمنية، على اعتبار أن ضباط وجنود هذه الوحدة يعملون داخل مكاتب مكيفة، في مقر الوحدة الرئيس في مدينة تل أبيب. ولا يتعرض الذين يخدمون في "8200" للأخطار التي يتعرض لها الجنود والضباط الذين يخدمون في الوحدات والألوية القتالية.

وقد أفضى حماس الشباب الإسرائيلي للانضمام إلى وحدة "8200" إلى أزمة عسكرية واجتماعية في إسرائيل. فمن ناحية عسكرية، دلل الحماس للانضمام إلى هذه الوحدة، لدواع اقتصادية وبسبب مستوى الأخطار المعدوم، على تهافت دافعية الشباب الإسرائيلي للخدمة في الوحدات والألوية القتالية التي يعتمد عليها الجيش في تنفيذ الجهود الحربية.

ومن ناحية اجتماعية، وجه أولياء أمور الجنود الإسرائيليين الذين يقطنون الضواحي انتقادات حادة لقيادة الجيش، لأن الأغلبية الساحقة من المنضوين في إطار وحدة "8200" هم من الذين يقطنون المدن الكبرى والمناطق ذات الأوضاع الاقتصادية الجيدة. وتحت ضغط ممثلي المدن والمستوطنات الواقعة في الضواحي، اضطر الجيش إلى تنظيم أنشطة في المدارس المنتشرة في هذه المدن والمستوطنات للبحث عن "مقاتلي" سايبر مستقبليين.

واعتبر رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال السابق، أفيف كوخافي، أن توجه الشباب إلى وحدة "8200" لدواع اقتصادية يمثل أزمة، ورفض شعار "الجيدون إلى السايبر" الذي رفع في بداية اكتشاف إسرائيل الطاقة الكامنة في هذا الفضاء.

وبمعزل عن المسوغات الاقتصادية والاجتماعية التي يثيرها الحرص على الانضواء في "8200"، فلا خلاف على دور هذه الوحدة الحاسم في تمكين إسرائيل من أداء جهدها الحربي وعملياتها الاستخبارية في الفضاء السيبراني. كما أن هذه الوحدة تلعب دوراً مهماً في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، على اعتبار أنها توفر القوة البشرية التي تقوم عليها شركات التقنيات المتقدمة والسايبر المدنية، التي تطور، ضمن أمور أخرى، برامج التجسس السيبراني المختلفة، والتي تؤمن مليارات الدولارات سنوية للخزانة الإسرائيلية.

المساهمون