لم يكن مفاجئاً أن يضحي المغني المصري، عمرو دياب، بأغانيه المنشورة منذ سنوات على صفحته الخاصة على "يوتيوب". إذ يحاول "الهضبة" القفز سريعاً نحو مكتسبات العائد المالي، غير آبه بالضرر الذي يتسبب به لتاريخه الفنّي. ومن الواضح أن الهدف الأوحد له اليوم هو ضمان العائدات المالية بعيداً عن أي شريك إنتاجي.
قبل عشرين عاماً، وقع عمرو دياب عقداً إنتاجياً مع شركة "روتانا"، في وقت كانت تسعى فيه "إمبراطورية" الأمير السعودي الوليد بن طلال للسيطرة على سوق الإنتاج الغنائي العربي بالكامل. ولم توفر الشركة يومها أحداً من المغنين العرب، حتى فازت بعمرو دياب عام 2001 مقابل مبلغ مالي قيمته خمسة ملايين دولار عن خمس سنوات جددت لاحقاً، واستمرت 16 عاماً، وطبعاً بمباركة المنتج المصري محسن جابر.
استسلم محسن جابر بسرعة لسيطرة "روتانا" على سوق الإنتاج العربي، لكنه آثر عدم بيعه محتوى شركة "عالم الفن" للإمبراطورية السعودية، واكتفى برسم خطط بينه وبين بعض المغنين المصريين للتوقيع مع "روتانا"، طالما أن العقود تضمن الإنتاج الغنائي وتبعاته، من تصوير الكليبات إلى حملات الترويج المكلفة، إضافة إلى قيمة العقد التي يحصل عليها المغني، وهي ما يعرف بـ"ثمن الصوت"، مقابل التنازل التام للشركة عن حقوق الأغنية.
نحو عقدين قضاهما عمرو دياب في "روتانا"، حتى وصل العالم إلى الثورة الإلكترونية التي سيطرت على الفنون ووسائل التواصل والتلقي، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى قاعدة أساسية للإنتاجات الغنائية والفنية، وهذا ما أوقعه و"روتانا" في مشكلة كبيرة وصلت إلى المحاكم. في يونيو/حزيران 2016، استطاعت "روتانا" كسب الدعوى المقامة ضد دياب. وأوقفت الشركة السعودية أغنيات ألبومه الأخير، وألزمته بتحمل أعباء المحاماة. كما أصدرت المحكمة المصرية حينها حكماً قضى بعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر دعوى وقف استغلال صوت عمرو دياب، وانعقاد الاختصاص للقضاء المصري لتقدير التعويض اللازم للأضرار اللاحقة بشركة "روتانا" من جراء انتهاك دياب العقد المبرم بينهما.
كل ذلك لم يثن عمرو دياب عن المضي في طريق الإنتاج بعيداً عن الشركات رغم الأحكام القانونية، والضغط على "روتانا". قبل سنوات، توقفت المعركة وعقد ما يُشبه المصالحة بين دياب و"روتانا"، بطلب أو "أمر" من رئيس "الهيئة العامة للترفيه" السعودية تركي آل الشيخ، لتبقى الدعاوى القانونية داخل أدراج المحاكم المصرية.
لا تزال أغاني عمرو دياب وألبوماته تبث على صفحة "يوتيوب" الخاصة بـ"روتانا" حتى اليوم. كل ما قام به دياب هو حصر إنتاجه الغنائي بشركة جديدة هي "ناي" التي يقال إنه يملكها. وكلف دياب منصة "أنغامي" بنشر أرشيفه الغنائي بعد عقد وقعه، قيل إنه يتضمن شراكة بين الطرفين على المدى البعيد. هكذا تنتصر "أنغامي" بجديد عمرو دياب، بعدما تركته "روتانا" وحيداً، وسحبت المحتوى الخاص بها من "أنغامي" عام 2018، إثر توقيعها عقد مع شركة "ديزر" الفرنسية.