استمع إلى الملخص
- دور السينما اللبنانية: توثق السينما اللبنانية، الوثائقية والروائية، لحظات من تلك الحروب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لحفظ الذاكرة الفردية والجماعية.
- تأثير الحروب على المجتمع اللبناني: الحروب الإسرائيلية والحرب الأهلية تترك تأثيرات عميقة على الأجساد والأرواح والنفوس، مما يزيد من قسوة المشهد اليومي.
حربٌ إسرائيلية جديدة على لبنان. تكرارها قاسٍ، واعتيادها غير حاصلٍ. إسرائيل تتفنّن في أعمالها الجُرمية، التي تزداد عنفاً ووحشية حرباً تلو أخرى. المشهد اللبناني غير بالغٍ، إلى الآن، مشهد غزّة، ولا تنافس في هذا بين شعبين وبلدين، فالجُرم الإسرائيلي واحدٌ، وإبادة فلسطينيي قطاع غزّة وفلسطينياته تكاد تكون مقدّمةً لإبادة، ربما تحصل في لبنان.
هذا مرتبطٌ بسياسة وعلاقات دولية وأفعالٍ عسكرية وأمنية. لكنّ المشهد اللبناني المتكرّر هذا يحضر في سينما، محلية على الأقلّ، في حالاتٍ مشابهة. حروب إسرائيلية عدّة، وأوّلها حاصل عام 1978، قبل أربعة أعوامٍ على "السلام للجليل" (1982). هناك أيضاً: 1993 (تصفية الحساب) و1996 (عناقيد الغضب) و2006 (حرب تموز). والسينما ـ إذْ تلتقط مصائب ووقائع وأهوالاً، وحياة تُعَاش رفقةَ موتٍ يتجوّل في أمكنةٍ ويحصد أرواحاً ـ تذهب إلى يوميات كلّ حربٍ لصُنع شهادات بصرية آنيّة، فيكون التوثيق/الريبورتاج/التسجيل في مقدّمة الإنتاج، علماً أنّ بعض السينما اللبنانية غير متأخّر كثيراً عن الآنيّ، وبعضه الآخر يحتاج إلى وقتٍ، فالوقت كفيلٌ بمنح مخرج/مخرجة مسافةً، لتأمّل أو لمزيد من التأمّل.
لحروب إسرائيل على لبنان أغراضٌ متنوّعة، والأهمّ بينها تحطيم مقاومة فلسطينية، وبلدٍ بعضه يناصر تلك المقاومة. السينما اللبنانية، الوثائقية والروائية، تواكب لحظاتٍ من تلك الحروب، مباشرةً عبر توثيق يومياتٍ وحالاتٍ وأفعال أناسٍ يتطوّعون لمساعدة مطلوبة؛ وغير مباشرة عبر اختيار حالات وحكايات وعلاقات والتزامات ومشاكل وتساؤلات، يعانيها أناسٌ ويعيشها آخرون. فالحروب الإسرائيلية ضد لبنان متكرّرة، والسينما ترصدها، أو ترصد شيئاً منها، وتوثّقها، أو توثّق بعضاً منها. وهذا أساسيّ لحفظ الحاصل أو بعضه، فيكون الحفظ أساسياً في كتابة بصرية لذاكرةٍ، فردية وجماعية.
حروب إسرائيل في لبنان غير منفصلة كلّياً عن حربه الأهلية، ولا عن السابق على اندلاعها (13 إبريل/ نيسان 1975) ولا عن اللاحق على نهايتها المزعومة (13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990). ففي السابق على اندلاعها بذورٌ تؤدّي إلى اشتعالها. وفي اللاحق على نهايتها المزعومة كثيرٌ من أسئلة معلّقة، وملفات غير منتهية، وتأثيرات في أجسادٍ وأرواح ونفوس، كما في عمارة وعيشٍ وتفاصيل جمّة. مع هذا، لن تبلغ السينما المحلية تلك المرتبة المطلوبة في مقاربة تلك الحرب، بالسابق على اندلاعها كما باللاحق على نهايتها المزعومة؛ وتلك الحروب الإسرائيلية المتكرّرة، وآخرها ذاك الحاصل منذ اغتيال إبراهيم عقيل، القيادي في "حزب الله"، في 20 سبتمبر/أيلول 2024.
قراءة أفلامٍ لبنانية، تتناول الحرب الأهلية والحروب الإسرائيلية ضد لبنان وفيه (وهذه الـ"فيه" جزءٌ أساسي من الحرب الأهلية)، تحتاج إلى حيّز آخر. المشهد الآنيّ يزداد قسوةً، واليوميّ مُشبع بقهرٍ وألمٍ. لبنانيون ولبنانيات يبحثون عن مأوى. شوارع وأمكنة وشواطئ تكتظّ بهم/بهنّ. كلّ شيءٍ يضيق، لكنّ شيئاً يبعث على راحة، فكثيرون/كثيرات يجهدون في مساعدة فعّالة، ويبحثون عن دعمٍ ناجعِ، ويتحرّكون من أجل فعلٍ خيِّر، ويُلحّون على إيجاد أمكنةٍ وأغراضٍ ومنافذ تنفّسٍ لمن يترك أرضاً وبلدةً بقوّة جُرمٍ إسرائيلي يزداد وحشيةً.
لكنْ، أيّ سينما ستُصنع عن لحظةٍ كهذه؟ أي فيلمٍ يقدر على منح المُصاب، الذي يعيشه كثيرون وكثيرات، حقّاً في تعبيرٍ عن ألمٍ وقهرٍ وانكسار؟ أي لقطةٍ تكفي، وأي صورة تقول، وأي كلامٍ يصلح؟