أنفاس الخلائق

10 ابريل 2023
يرصد المخرج شوناك سين عمل نديم شهرزاد ومحمد مسعود وسالك رحمن (باسكال لو سغرتان/ Getty)
+ الخط -

كانت جدتي تؤمن بأنّ لكلّ شيء في الكون من جماد ونبات وحيوان وإنسان روحاً تصلي لبارئها بطريقة أو بأخرى، وكانت تحضنا على عدم إيذاء الحيوانات والانتباه إلى النباتات فهي جميعها توحّد الله، وكانت تصر علينا أن نجمع فتات الخبز الواقع على الأرض وتقبيله كنعمة يجب ألّا تبذر، لنطعمها للحمامات (الستيتيات) التي كانت تعيش وتعشش في جدران بيتنا العربي القديم.

تبادرت هذه الذكريات إلى ذهني بعد مشاهدة الفيلم الوثائقي الهندي "أول ذات بريثز" All That Breathes الذي ضمته قائمة ترشيحات جائزة أوسكار كأفضل فيلم وثائقي لهذا العام.

يقوم الفيلم على رصد جهود الأخوين نديم شهرزاد ومحمد مسعود وصديقهما سالك رحمن بمعالجة أكثر من عشرين ألف حدأة بجهود فردية وتمويل ذاتي، لينتهي بهم المطاف إلى تأسيس أوّل عيادة من نوعها في الهند وربما في المنطقة لمعالجة هذه الطيور.

تعتبر الحدأة من الطيور الجارحة، وهي تقتات على الفئران والطيور والجيف، وتشبه البومة في شكلها، وتعيش في المناطق الدافئة، وتحديداً قرب مصادر المياه وحيث تتجمع القمامة. بحسب الفيلم تقوم الحدأة بدور أساسي بتنظيف جبال القمامة في مدينة دلهي، إذ تقلص حجم القمامة بمعدل 5 إلى 6 أطنان يومياً، ومن دونها "سوف يرتفع جبل القمامة أكثر، طيور الحدأة مثل ميكروبات الأمعاء"، كما يقول بطلا العمل.

ينجح المخرج شوناك سين في إبراز أهمية هذه المبادرة الشخصية وبطولة أفرادها وتضحياتهم بوقتهم ومالهم، فهم "أشبه بضمادة صغيرة على جرح دلهي الكبير"، وكذلك لحظات يأسهم والجو المشحون الذي يعيشون فيه، وصولاً إلى شعورهم بالعجز أحياناً، خاصةً أنّ المشكلة كبيرة جداً وفي توسع مستمر، مع زيادة التلوث والاكتظاظ السكاني وعدم قبول الحكومة بدعم عملهم وعدم السماح لهم بقبول تمويل خارجي.

يظهر الفيلم الحياة الصعبة لسكان دلهي الفقراء، فالمياه الآسنة والخدمات الصحية غائبة، ويصوّر مشاركة الحيوانات الناس في حياتهم اليومية، ومنها القرود التي تعيش بين المنازل على أسلاك الكهرباء المتشابكة، ومن هنا يأتي إنقاذ حيوانات الحدأة من الموت نافذة أمل لتحسين الحياة ولو بدرجة محدودة.

تزداد إصابات الحدأة مع ارتفاع التلوث ويزداد قلق الأخوين وصديقهما، ولكن هذه ليست مشكلتهم الوحيدة، فهم لا يعتبرون مواطنين في بلدهم الهند، ولا يمكن قبولهم كلاجئين لوجود قانون هندي يمنع قبول اللاجئين المسلمين، فضلاً عن توازي جهودهم لإنقاذ حياة حيوان الحدأة مع ارتفاع مستويات التطرف والعنف، حيث يعيش الحي الذي يقطنونه برعب دائم بعد حرق أحياء وحوانيت المسلمين كما حصل أثناء تصوير الفيلم عام 2020.

يتداخل الهم السياسي والاجتماعي مع الهموم الصحية والتنموية، فالعطب الذي يصيب البيئة يصيب الديمقراطية الهندية التي كانت توصف بأكبر ديمقراطية في العالم.

لم يحصل هذا الفيلم الرهيف على "أوسكار" أفضل وثائقي فذهبت الجائزة إلى فيلم "نافالني"، الذي يروي فصلاً من حياة المعارض الروسي ألكسي نافالني وتسميمه من قبل السلطات الروسية في أغسطس/ آب من العام 2020، وفترة علاجه في ألمانيا، وكذلك قراره بالعودة إلى روسيا واعتقاله، حيث لا يزال يقبع في السجن حتى اليوم.

سينما ودراما
التحديثات الحية

لا أعرف مدى تأثر محكمي الجائزة بشكل مباشر أو غير مباشر بالوضع السياسي العالمي، وبمناخ إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، بفوز "نافالني"، لكن فوزه استبعد أفلاماً تستحق الجائزة، كالفيلم الهندي الذي حدثتكم عنه، أو فيلم "فاير أوف لوف"، الذي يروي حياة عالمي البراكين الفرنسيين الزوجين كاتيا وموريس كرافت.

يتتبع الفيلم رحلة الزوجين اللذين عاينا وصوّرا وكتبا وأنتجا برامج تلفزيونية عن الكثير من البراكين النشطة في العالم، وتوفيا أثناء تصويرهما بركان جبل أونزين في اليابان عام 1991.

المساهمون