"أنا" علي المولى بصوت مروان خوري

11 اغسطس 2024
الفنان اللبناني مروان خوري (العربي 2)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **المقدمة الموسيقية والتصميم البنائي**: أغنية "الأنا" لمروان خوري تبدأ بمقدمة إلكترونية على مقام الكرد، مع نغمات الكمانات والقانون والكلارينيت، وجيتار كهربائي بنكهة الجاز. استُبدلت آلة الدف الصوفية بالدرامز الرقمية، مما أضفى طابعاً غربياً وقلل من التأثير التركي.

- **المضمون الشعري والطرح المفاهيمي**: النص الشعري لعلي المولى يطرح موضوع "الأنا" بشكل غير مسبوق في الأغنية العربية، متناولاً الأنانية كحقيقة وجودية إنسانية، ويقدم نقداً للأنانية دون الدعوة للإصلاح.

- **التأثير الثقافي والفني**: الأغنية تجسد انفتاح الفنانين الشباب على الأغنية الجماهيرية العربية، حيث جذب مروان خوري كتّاب نصوص غير تقليديين مثل علي المولى. الفيديو الكليب يعكس مضمون الكلمات من خلال تصوير خوري كشخصية فردانية وحيدة.

من رحم إنسجام هارموني ثلاثي طابعه حزين وقراره نغمة الـ"مي"، صُمّم إلكترونياً كمشهد صوتي (Sound scape)، تنبثق المقدمة الآلية لأغنية مروان خوري "الأنا" على مقام الكرد وعلى نفس الموضة التركية المعهودة، بلون الكمانات وصبغة القانون والكلارينيت، وذلك عقب ومضة تمهيدية من نغمات عدة على غيتار كهربائي بنكهة الجاز.

المختلف شكلاً عن تلك الموضة، التي لا تزال تؤثر منذ عقدين ونصف بأغنية البوب العربية الرومانسية لمنطقة شرق المتوسط، يتجلى أولاً من ناحية الصياغة الموسيقية، حيث تم استبدالُ آلة الدف الصوفيّة بشبيه رقميّ لآلة الدرامز، الأمر الذي زاد طابع البوب الغربي وقلّل حدّة اللون التركي. ثانياً ومن ناحية التصميم البنائي، تميّزت الأغنية بقصر المدخل، الذي لم يزد عن بيتين، جرت إعادتهما مرةً واحدة ولمدة عشر ثوان، قبيل الانتقال إلى اللازمة عند فاصلة الأقل من دقيقة من بدء الكليب.

أما الاختلاف الأكبر والأكثر لفتاً للانتباه، فيبقى في المضمون، وتحديداً في النص الشعري، الذي ألّفه الشاب اللبناني علي المولى، إذ تكاد لا توجد أغنية عربية جماهيرية واحدة في تاريخ الغناء العربي كانت موضوعتها "الأنا" (Ego)، ناهيك عن أن تكون "الأنا" عنواناً لها.

لئن طُرِحت الأنانيّة والطمع من قبل ضمن إطار العدالة الاجتماعية، كما في أغنية المصري خالد عجاج سنة 1995 "في ناس"، كلمات بهاء الدين محمد، ألحان حسن أبو السعود وتوزيع أشرف عبده، فإن سَبْق المولى ككاتب لكلمات الأغاني إنما يتمثّل في طرحه المفاهيمي لموضوعة "الأنا"، بحيث لا يقف عند المصطلح السيكولوجي وإنما يغور في الثقافي مُتّخذاً موقفاً رافضيّاً مضاداً للأيديولوجيا السائدة، يستأهل الوقوف عنده.

يُمثّل المولى جيلاً جديداً من المبدعين، سواءٌ في الأدب أو الموسيقى وسائر الفنون، لم تعد تعنيه الحدود المُنشأة لفصل النخبوي عن الجماهيري، الهادف عن التجاري، اللغة الفصحى عن اللغة المحكيّة، والأغنية الرفيعة عن الجماهيرية والشعبية، وما عُرف في ما مضى بالأغاني الهابطة، وصار يُعرف اليوم بأغاني القاع. هكذا وانطلاقاً من المقاربة الجديدة الموحِّدة والعابرة للطبقيَة الثقافية إزاء مديات التعبير عن الذات، لم يكن تكليفه بكتابة قصيدة، لكي تلحّن كأغنية جماهيرية خفيفة مثل "إحساسك صنم" غنّاها سعد رمضان سنة 2014 ولحّنها ووزّعها صلاح الكردي، مجرّد وسيلة للكسب المادي وإنما فرصة، ليس فقط لكي يُعرف كشاعر، بل لكي يُعترف به كشاعر، في ظلّ واقع ذائقةٍ معاصرة، لا تربط القيمة الفنية سوى بمقدار الرواج وارتفاع نسب المشاهدة.

فرصةٌ، لم يكن ليمنحها له كتابه الأول المعنون "أنا أقذر رجل في التاريخ"، الذي طُبع بالعربية الفصحى سنة 2011 وضم 25 قصيدة، وذلك وفقاً لما صرّح به خلال مقابلة أجرتها معه قناة سكاي نيوز عربية، على هامش حفل تكريم أُقيم له السنة الماضية بوصفه أصغر الشعراء سنّاً، في قصر يونسكو في العاصمة اللبنانية بيروت.

موسيقى
التحديثات الحية

تُجسّد أغنية "الأنا" على أكمل صورة حال الانفتاح والإحتضان، التي باتت تجمع الفنانين الشباب بالأغنية الجماهيرية العربية، حين لا تعود العلاقة محض غائيّة إقتصادية يشوبها الحرج وإنما يتم تبنّيها ويُستثمر في قدرتها على الوصول فكرياً وفنيّاً. قد ساعد على ذلك علوّ كعب مروان خوري وتبلور مسيرته الفنية بصفته من بين النجوم الأشدّ حساسيةً في التعبير والأكثر جديّةً في الطرح الموسيقي والموضوعاتي وبالتالي، الأكثر احتمالاً في الانجذاب إلى كتّاب نصوص غير تقليديين.

أما بالنسبة إلى علي المولى، الذي يحاكي في شخصيته الفنية (Persona) شعبيّة أحمد فؤاد نجم وكبرياء سعيد عقل وطرافة زياد الرحباني، فإن طرح موضوعة الأنا إنما يتم من منظور مُغايرٍ خارجٍ عن المألوف، مضادٍّ للثقافة المعاصرة المتمثلة بمواعظ التنمية الذاتية (Personal Development) التي تقوم خطابياً على نبذ الأنا وتقصّي سُبل فنائها، بينما تحضّ سلوكياً على ممارسات تحت عنوان "الأمثلية" (Optimisation) من تغذية ورياضة وعناية بالروح والجسد، تتركّز كلها حول الأنا وتصبّ فيها.

فمن منظور نقدي أقرب إلى النزعة الكلبية (Cynicism)، لعله نابعٌ من دراسته علم النفس في الجامعة اللبنانية، يطرح المولى التسليم بالأنا حقيقةً وجوديّة إنسانية، كما تقول الكلمات في مدخل الأغنية : "بتعرفلك حدا مش أناني، ما بيبني سعادتو عضهر التاني" ليكون التسليم منطلقاً إلى فهمٍ فنومنولجي، كما يرد في اللازمة : "كلنا عنا الأنا، في ناس بتخبّيها، وفي ناس بتبيّنا". كأنه يُشير إلى ثنائية علم النفس السلوكي "النرجسي الحسّاس" (Vulnerable Narcissist) مقابل "النرجسي العنجهي" (Grandiose Narcissist) مؤدّياً من خلال القبول بالأنا وتمظهراتها إلى نقدٍ للأنانية، ينفرط في الكوبليه، يكون أقربَ إلى الواقعيّة وأبعد عن الخطابيّة، يبقى مفتوحاً، يكتفي بالتوصيف، دون استخلاص العبر أو الدعوة إلى الإصلاح والتغيير: "عنا طبع غريب، مفكرين الأرض بتبرم كرمالنا... بدنا شوي من كل شي، عطول بدنا أكتر، منجرب نكتفي، ما منقدر".

لعل تميُّز الطرح الموضوعي عبر النص الشعري قد ساهم في دفع الأغنية لتسلك بدورها مسارات شكليّة ميّزتها عن السائد، إذ جعلتها تبتعد عن التكرار، ما عدا إعادة اللازمة التي تستدعيها وحدة البناء، لتمنح كلّ من الكوبليهات لحنها الخاص بها وشخصيتها المستقلة. من شأن ذلك أن أضفى على الأغنية ديناميكية وكثافة أدّت إلى انضغاط الزمن النفسي فيها، فيُحسّ المستمع بقصر أمدها، على الرغم من امتدادها على أزيد من أربع دقائق.

بدوره، عكس الفيديو الكليب، الذي أخرجه وليد ناصيف مضمون الكلمات، وإن بكليشيهات سطحية استهلاكية تقتضيها على الأغلب ضرورة الاستجابة لمتطلبات السوق، صوّر خوري من خلالها كشخصيةً فردانية وحيدة تختبر العالم من حولها من عدسة المركزيّة حول الذات، وفي ظل غيابٍ للآخر المخاطَب، يعكس غيابه عن القصيدة.

المساهمون