أمير هداية: حرية أكبر في تأليف الموسيقى التصويرية

10 فبراير 2023
حاز إحدى جوائز "هوليوود ميوزك" عن موسيقى مسلسل "دفعة بيروت" (من الفنان)
+ الخط -

عل الرغم من أن أعمال الموسيقي المصري أمير هداية ليست كثيرة، فإن التميز يطبع أغلبها، ما رشّحه لنيل جائزة "هوليوود ميوزك"، ليفوز بها عن عمله في المسلسل اللبناني "دفعة بيروت" (2020)، إلى جانب ترشيح أول عمل غنائي بصوته ومن تلحينه وتوزيعه وكلماته، "العطور"، لنيل الجائزة نفسها.
قدم هداية عدداً من الأعمال الموسيقية الناجحة لأفلام مثل "على جثتي" و"صنع في مصر" و"بشتري راجل". كما قدم الموسيقى التصويرية لأعمال درامية، مثل "الخانكة" و"قارئة الفنجان" و"العملية مسي"، وغيرها. هنا، لقاء مع أمير هداية.

ما هو النوع الموسيقي الذي أدخلك إلى هذا العالم؟
الموسيقى الكلاسيكية. أنا من أسرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا اللون الموسيقي، فوالدي كان عازف بيانو وناقداً موسيقياً، ووالدتي أستاذة بيانو ونظريات موسيقية في كونسرفتوار الإسكندرية. لذلك، منذ تشكل وعيي، وهناك دائما دروس موسيقية في المنزل. كما تعودت أن أذهب معهما إلى الكونسرفتوار لحضور الحفلات الموسيقية. وأحياناً كنا نسافر إلى الخارج لنفس الغرض. لذلك، ارتبطت بهذا اللون الموسيقي ودرسته منذ الصغر. تعرفت بعد ذلك إلى الموسيقى التصويرية، فهي الأقرب للكلاسيكية، لكنها مشحونة بشحنات وجدانية أكبر، ومن خلالها ارتبطت بأسماء مثل آلان سيلفستري وجون باري وجون ويليامز، وتأثرت كذلك بموسيقى راجح داود وهشام نزيه، وهما الاسمان الأكثر قرباً لي من الموسيقيين المصريين.

كل بداية يسبقها بدايات. نود أن تعرفنا أكثر إلى بداياتك؛ أوائل الأعمال، وما العمل الذي تعده بداية انطلاقتك؟
بداية انطلاقتي جاءت من عمل لم يُذع إلى اليوم لأسباب إنتاجية، وهو عبارة عن إعلان طويل مدته 12 دقيقة، لمسلسل ضخم عن ألف ليلة وليلة، أنتج قبل الثورة بسنوات، وكان من بطولة عدد كبير من النجوم منهم عمرو واكد وغادة عادل وغادة عبد الرازق وعزت أبو عوف. لم يبث، لكنه انتشر بين الصناع، فكان فارقاً بالنسبة لي على مستوى العمل. قدمت بعد ذلك الموسيقى التصويرية لبرنامج أحمد حلمي "شوية عيال"، وأعده من المشروعات القريبة إلى قلبي. أما أول فيلم صنعت موسيقاه التصويرية (مع محمد مدحت) فكان "الوتر"، توالت بعدها الأفلام والأعمال الدرامية.

رغم تميز أعمال قدمتها كملحن وموزع، لأسماء مثل أنغام ومحمود العسيلي وسميرة سعيد وهاني الدقاق وأبا يزيد، إلا أنها محدودة بدرجة كبيرة. ما السر؟
لدي شروط أو طريقة في اختيار ما أقدمه، حتى بالنسبة للأغاني المسماة بالتجارية، أو أغاني البوب. ورغم أن ذلك قد يزعج البعض، لكن أفضل الحفاظ على مستوى أعمالي أكثر من أي شيء آخر، فهو مقدم عندي على غزارة الإنتاج أو الشهرة. وإلى اليوم لا أقبل إلا الأغاني التي تعجبني، ومع أشخاص أجد راحة في العمل معهم، لذلك أعتبر نفسي دخيلاً أو غريباً عن الآلية التي يدار من خلالها سوق الأغنية، لأني لست مهموماً إلا بتقديم عمل جيد. وأعتقد أنني محظوظ بقدرتي على تحقيق ذلك، والحفاظ على معيار الجودة في ما أقدمه إلى اليوم، ومن أجل هذا أستثمر وقتاً وجهداً ربما يكونان كبيرين وفق المعايير السائدة.

إلى أي مدى يختلف عملك في مجال التلحين عن عملك في التأليف الموسيقي؟
عملي كملحن وموزع يرتبط بمجموعة من القيود علي أن ألتزم بها، منها كلمات الأغنية وصوت المغني، فلا بد من مراعاة إمكانياته وطريقته في الغناء عند وضع اللحن، لكن في ما يخص الموسيقى التصويرية، لدي حرية أكبر في التعبير الموسيقي، حتى مع وجود معطيات لا بد من الأخذ بها، مثل قصة العمل وزمنه ونوعية الأحداث، لذلك أجد الموسيقى التصويرية أقرب إلي، فهي تهبني مساحة أكبر من الحرية.

ما هي العناصر التي تراعيها في أي عمل لك؟
لا بد من توافر عنصر الأصالة، ليس في الصوت أو استخدام آلات معينة، إنما الأصالة في المشاعر، فإذا كانت صادقة فليس مهماً الصوت أو الطبقات أو العناصر المبهرة، كاستخدام آلات بعينها أو افتعال عُرب ما، ففي حالة عدم توافر عنصر الصدق ستكون هذه الأمور مجرد حُليات لا قيمة لها. لذلك، بالنسبة لي، إذا نجحت أن أجعل المستمع يحسّ المشاعر التي أرغب في إيصالها إليه، أكون قد حققت هدفي. مع هذا، فقد وقعت في بداياتي في فخ الاهتمام بما سيقال عن الموسيقى ومدى الانبهار بها، هذا الأمر كان يستحوذ على تفكيري، بعدها أدركت أنه ينبغي علي توجيه كامل تركيزي إلى إيصال إحساس صادق إلى الناس وليس إبهارهم، وهو ما أذكر به نفسي اليوم عند كل نوتة لأي عمل.

إلى جانب التلحين والتوزيع ووضع الموسيقى التصويرية للأعمال الدرامية والسينمائية، ساهمت كذلك في أفلام للرسوم المتحركة عبر منصات عالمية، ووضعت الموسيقى لألعاب الفيديو والإعلانات. أي منها هو شغفك الرئيسي؟
أنا دائماً في صراع، لأني أحب كل هذه الأنواع، لكن الصراع الأكبر بين أن أعبر عن ذاتي من خلال أغان قدمتها، مثل "العطور" أو "السفر"، وهي تمثل بالنسبة لي مشاريع الشغف، وأتمتع فيها بأكبر قدر من الحرية، من حيث التعبير عن ذاتي، وبين الموسيقى التصويرية التي أرتبط بها منذ الصغر، وتمثل موضوع دراستي وأكثر لون موسيقي استثمرت فيه وقتي.

هناك اتهام موجه إلى جيلك من المؤلفين الموسيقيين، أنه بعيد عن المصرية في موسيقاه، كيف ترى هذا الرأي؟
لا أعتقد أن ذلك قاصر على جيلي. في رأيي، المسألة تحمل شقين: الأول متصل بكون الموسيقى لغة إحساس، فلو قدمت موسيقى استطعت من خلالها إيصال الإحساس المراد، أكون بذلك قد أديت مهمتي. والشق الثاني يتعلق بالحفاظ على موسيقانا من الاندثار، وأتصور أن الاتهام يتعلق بهذا الشق، فلا مشكلة أبداً أن نتجه إلى أنواع موسيقية أخرى، لكن مع الحفاظ على موسيقانا من الاندثار أو النسيان، وأنا مع هذا الأمر تماماً.
الموسيقى المصرية، موسيقى بارزة مثل الألوان الرئيسية، هذا البروز المرتبط بالميلودي أو الثيمة أو اللحن الأساسي، قلما يكون عاملاً معبراً عن الصورة، فحتى تتمكن الموسيقى من تحريك مشاعر المشاهد، لا بد من توافر عنصر الهارموني أو النسيج (المرتبط بالموسيقى الغربية). لذلك، كي تمسي الموسيقى المصرية قادرة على التعبير عن الصورة، لا بد من الاستعانة بعنصر من الموسيقى الغربية، لأنها متميزة في مسألة النسيج، بينما موسيقانا تمتاز أكثر بالثيم. أغاني أم كلثوم مثلاً يصاحبها عشرون كماناً، لكن جميعها تعزف ذات الجملة، فلا توزيع لها. والنسيج هو المسؤول عن خلق عمق ما في المشاعر، يجعله الأنسب للتعبير عن الصورة. وبالطبع، السنياريو الأفضل في أي عمل هو أن يصاحب النسيج الثيمة أو الميلودي أو اللون البارز المميز لموسيقانا، وهو ما أحاول تقديمه في موسيقاي، وأتصور أن ذلك أوضح في أعمالي الخاصة، فستقع على الطابع المصري في أغان قدمتها، مثل "العطور" و"السفر" و"غجرية".

فزت بجائزة "هوليوود ميوزك" عن موسيقاك للمسلسل الكويتي "دفعة بيروت". برأيك، ما الذي امتاز به العمل؟ وكم مقدار مساهمة الدراما أو الفيلم في جودة الموسيقى التصويرية؟
امتاز العمل في مسألة التحدي، بمعنى أن المكان والزمان والتأثير ليس لها علاقة بشخصي. المكان لبنان والزمان فترة الستينيات والتأثير فرنسي، فالموسيقى اللبنانية كانت متأثرة بشكل كبير -في ذلك الزمن- بنظيرتها الفرنسية بفعل الاحتلال، لذلك تطلب الأمر مني بحثاً واسعاً قبل الشروع في العمل.
درست الموسيقى اللبنانية في تلك الفترة، ثم كان هناك تحد آخر، وهو جعل الموسيقى صادقة، وتشعرك أنك تحيا في الستينيات بالفعل. وفي ذات الوقت، تكون مسموعة اليوم. هذه التحديات جعلتني مهتماً جداً بالعمل وهذا أمر يتعلق بشخصيتي؛ فالتحدي يستثيرني بصورة أكبر. وهنالك أمر آخر، هو أنني عكفت على العمل في وقت العزل، فلم يكن هناك ما يلهيني، بجانب أن المشروع توقف ثلاث مرات بسبب ظروف لبنان حينها، ما منحني المزيد من الوقت، لذلك أتصور أن نصيب العمل الدرامي أو السينمائي في جودة الموسيقى التصويرية كبير جداً.

قدمت أغنية فريدة وناجحة من كلماتك وألحانك وغنائك أيضاً، ترشحت لجائزة "هوليوود ميوزك". لكن مع ذلك لم تكرر التجربة، لماذا؟
هذه المسألة تتعلق بصراع يدور في داخلي دائماً، ويرتبط بالوقت. وإذا أردت إجابة مختصرة، نعم أرغب في تكرار الأمر بقوة، لكن ليس لدي الوقت؛ نظراً إلى ارتباطي بأعمال موسيقى تصويرية. مع ذلك، أتمنى يوماً أن أتفرغ لتقديم أغان مثل "العطور"، فما سمعته ووصلني من تعليقات على العمل يشجعني لتكراره، لأن أغلبها لا يتعلق بكونها أغنية جيدة أو لأنني "شاطر"، بل بقدرة الأغنية على إدخال مستمعها إلى حالة نفسية معينة، وأعتبر ذلك أرقى ما يمكن للموسيقى أن تقدمه.

ما المشروع الذي تطمح إلى تنفيذه خلال الفترة المقبلة؟
هناك مشروع أعمل عليه حالياً، وأشعر بالحماسة تجاهه، وهو فيلم ضمن سلسلة من الأفلام القصيرة تقدمها والت ديزني عن أفريقيا، وأتولى من بينها الموسيقى التصويرية للفيلم المصري. ومن المخطط بثه قريباً. كما أطمح أيضاً إلى أن أقدم يوماً ما عملا أو أوبريت -مع أني لا أفضل استعمال هذا التعبير- أستقدم خلاله مغنين غير معروفين من الأرياف والصعيد، لنقدم عملاً أوركسترالياً ضخماً يتسم بالأصالة.

المساهمون