بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، انخرطت معظم المؤسسات الرئيسية في ألمانيا في موجة قمع ضد كل تعبير عن التضامن مع فلسطين والشعب الفلسطيني يأتي سواءً من الأقليات العرقية في البلاد، أو من الألمانيين أنفسهم، وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، كما تقول صحيفة "ذا هيل" الأميركية.
وتستهدف حملة القمع الألمانية الفلسطينيين وغيرهم من الأشخاص الملونين، واليهود المناهضين للصهيونية، على حد سواء.
ألمانيا تُسكت الأصوات المؤيدة لفلسطين
تُظهر قائمة بأبرز حوادث الرقابة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول شدة الضغط الذي تمارسه وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية لإسكات الأصوات المهمشة، والتي جرت الإشادة ببعضها في السابق، باعتبارها مبشرة بمشهد أدبي وفني متنوع ومفتوح.
"خذوا جواز السفر الألماني من الفتاة اللاجئة ريم"، هذا ما جاء في عنوان مقال نشرته "بيلد"، الصحيفة الشعبية الأكثر قراءة في ألمانيا.
عندما كانت فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً في عام 2015، وخلال ذروة ما سمي بـ"أزمة اللاجئين" في ألمانيا، تحدثت ريم سحويل في لقاء متلفز مع المستشارة الألمانية آنذاك، أنغ
يلا ميركل، فلامست ألمانية سحويل المثالية ودموعها ورغبتها في البقاء في البلاد قلوب الألمان ووسائل الإعلام.
لكن هذا التعاطف مع سحويل كان مشروطاً بصمتها. على الرغم من حصولها على الجنسية الألمانية هذا العام، تواجه سحويل الآن دعوات من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أكبر حزب سياسي في ألمانيا، وحزب الديمقراطيين الأحرار الحاكم، من أجل إسقاط جنسيتها وترحيلها من البلاد. السبب، ببساطة، يتمثّل بمنشور على "إنستغرام" يتضامن مع فلسطين.
من جهة أخرى، ألغى معرض فرانكفورت للكتاب حفل توزيع جوائز على شرف الروائية الفلسطينية، عدنية شبلي. وألغت مدينة بوخوم جائزة بيتر فايس للكاتب البريطاني الغاني المقيم في برلين شارون، دودوا أوتو.
وألغى البينالي الألماني للتصوير الفوتوغرافي المعاصر جولته لعام 2024، بعد إقالة أمين المعرض والمصور الصحافي البنغلاديشي الشهير، شهيد العلم. وألغى متحف سارلاند معرضاً لعام 2024 يضم الفنانة اليهودية الجنوب أفريقية المقيمة في برلين، كانديس بريتز.
ألمانيا تحظر مظاهرات التضامن ومظاهره
قوبلت المظاهرات التضامنية مع الفلسطينيين بعنف الشرطة. تنقل "ذا هيل" عن تقارير موثوقة عدة، ممارسة الشرطة التنميط العنصري، واعتقال حتى غير المشاركين في الشارع.
ومنعت برلين مظاهرة "شباب ضد العنصرية"، حداداً على الأطفال الذين استشهدوا في القصف الإسرائيلي لغزة، فضلاً عن الأنشطة التي نظّمها نشطاء يهود وإسرائيليون. ووفقاً للشرطة، فإن المظاهرة التي نظمتها مجموعة "الصوت اليهودي" التقدمية، لم تتمكن من المضي قدماً، لأنها كانت "مفتوحة بشكل واضح للمشاركين من أصل فلسطيني".
ويدفع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الآن، إلى إصدار قرار يجعل دعم إسرائيل شرطاً للحصول على الجنسية الألمانية، ويهدّد جميع مزدوجي الجنسية بالعقوبة نفسها التي يريدونها لريم سحويل.
وبعد أن حظرت برلين رفع الأعلام والألوان والكوفيات الفلسطينية في المدارس، وثّق مقطع فيديو لمدرّس وهو يعتدي على طالب يحمل العلم الفلسطيني. وقد فُصل طالبان، بينما لم يواجه المعلم أية عواقب.
وتقول الصحيفة إن القمع القانوني والسياسي والثقافي لأي شخص يُعتبر حتى مدافعاً بسيطاً عن الحقوق الفلسطينية لم يسبق له مثيل في ألمانيا.
ونشرت "العربي الجديد"، يوم الثلاثاء، تقريراً مفصلاً، يرصد أبرز الحفلات والعروض الفنية التي أُلغيت في ألمانيا، بسبب دعم الموسيقيين الشعب الفلسطيني، وإدانتهم جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
كانت آخر حلقة في سلسلة تلك الممارسات، ما جرى مع مغنية الراب الأميركية، ميكي بلانكو، التي استبعدت من مهرجان غنائي، بسبب موقفها المساند للفلسطينيين.
ونشرت بلانكو، قبل أيام، على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، رسائل من إدارة مهرجان لايبزيغ للموسيقى القومية، تفيد بأن الجمعية اليهودية الألمانية مارست ضغوطاً لإلغاء عرض الفنانة الغنائي، الذي كان يفترض أن يُقام في برلين، وذلك بسبب دعمها فلسطينيي غزة.