يمثل طي الورق واحدة من الألعاب المُشتركة والمُحببة للصغار. فمن منا لم يصنع بيديه زورقاً أو طائرة ورقية عندما كان صغيراً؟ هذه الأشكال التي صنعناها واستمتعنا بها هي أمثلة بسيطة من هذا الفن المسمى أوريغامي باللغة اليابانية.
الأوريغامي هو تحويل الورق المُسطح إلى شكل ثلاثي الأبعاد، عن طريق الثني والطي. يحتل الأوريغامي مكانة خاصة في الثقافة اليابانية على وجه الخصوص، إذ يُستخدم في تصميم الأزياء والديكور والعمارة وصناعة المنتجات، وفي التعليم أيضاً، كما أن له علاقة بالأساطير اليابانية والفنون الشعبية. وهناك روايات عدة عن بداية ظهور هذا الفن، لكن الأرجح أنه ظهر في اليابان قرابة القرن السابع الميلادي، وانتشر بعدها في أنحاء العالم بدرجات متفاوتة.
أسامة حلمي هو أحد عُشاق هذا الفن في مصر، بل ومطوريه أيضاً، فهو لم يكتف فقط بصوغ الأشكال اليابانية التقليدية من الأوريغامي، بل ابتكر أشكاله الخاصة المرتبطة بالثقافة العربية، كما استحدث طرقاً لتعليمه للمكفوفين والصُم والبكم، ويسعى جاهداً إلى نشره في أنحاء الوطن العربي كأداة تعليمية مثيرة للصغار والكبار.
في سبيل نشر هذا الفن في العالم العربي، أسس حلمي المركز العربي لفن الأوريغامي عام 2011 في مدينة الإسكندرية. يستقطب المركز اليوم عشاق هذا الفن في مصر، وينظم العديد من الأنشطة من أجل التعريف به. يقدم المركز دورات منتظمة للمعلمين والأطفال والنساء من خلفيات اجتماعية مختلفة. يسعى منظمو هذه الأنشطة، بحسب حلمي، إلى توظيف فن الأوريغامي كأحد الأدوات التفاعلية في التعليم والإبداع الفني وتنمية المجتمع. ينظم المركز أيضاً أول مهرجان لهذا الفن في المنطقة العربية، وهو المهرجان العربي لفن الأوريغامي الذي نظمت دورته الثالثة قبل أسابيع قليلة في ثلاث مدن مصرية، هي القاهرة والمنيا ودهب.
يدرك حلمي أنه يمارس فناً مثيراً للدهشة، بل والحيرة أحياناً، فهو حين يقدم نفسه كفنان أوريغامي يُطلب منه عادةً شرح ماهية هذا الفن. يستعد حلمي دائماً لتلك الدهشة والنظرات المتسائلة حين يُخبر أحدهم بأنه يصنع أشكالاً من الورق، إذ لا يلبث أن يُبادره بالسؤال: وهل هذا فن؟ يعود حلمي مرة أخرى إلى الشرح، غير أن الكلمات وحدها قد لا تُجدي أحياناً لتوضيح الأمر، فقد تعوّد منذ احترافه لفن الأوريغامي على مثل هذه المواقف. غالباً ما ينهي حلمي حالة الجدل هذه بأن يُخرج أوراقه الملونة من حقيبته، ويبدأ في ممارسة فنه. ومع الوقت، تتحول هذه التساؤلات، الممزوجة بالسخرية أحياناً، إلى إعجاب ودهشة.
إلى جانب الأوريغامي، يمارس أسامة حلمي فن الحكي، وهو يوظف الاثنين معاً في عروضه التي يقدمها للصغار والكبار. بين أبرز العروض التي قدمها حلمي يأتي عرضه المسرحي "خيال في مدينة الورق". قُدم هذا العرض المسرحي في العديد من المراكز الثقافية والمسارح في محافظات مصر المختلفة. اعتمد الحوار في هذا العرض على الإشارة واستخدام مخارج صوتية للإيحاء بالكلام أو اللغة. وعلى الرغم من عدم وجود نص واضح للعرض، فإن المعالجة البصرية للحوار بين الشخصيات ساهمت إلى حد كبير في تقريب المعنى وخلق تفاعل مع الجمهور، وكان معظمه من الأطفال دون سن التاسعة.
السياق العام للعرض بُني على اشتباك حواري بين فتاة وشاب. وخلال هذا الاشتباك، تستعين الفتاة بأشكالها المصنوعة من الورق لحل الأزمات التي تواجهها، بينما يتسلح الشاب بالضوء في مواجهتها، لكنهما يُضطران في النهاية إلى التعاون معاً في صوغ علاقات وأشكال من الورق.
تخرج حلمي من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعمل في إحدى الفرق الموسيقية لبعض الوقت، قبل أن يتفرغ لدراسة فن الأوريغامي منذ عام 2003. شارك في العديد من العروض والورش والملتقيات المتعلقة بالأوريغامي في مصر واليابان وإيطاليا وألمانيا وغيرها. وقد حصل أخيراً على منحة ثقافية من الاتحاد الأوروبي لتنفيذ مشروعه الطموح "ستوريغامي"، وهو برنامج للكتابة الإبداعية يستهدف الأطفال. يهدف البرنامج، كما يقول حلمي، إلى تطوير مجموعة من عروض الحكي والكتب وأفلام التحريك التي يصنعها الأطفال بأنفسهم.