أجسام طائرة مجهولة... هل زارت الكائنات الفضائية أميركا؟

28 يونيو 2021
باتت قصص الفضائيين ومركباتهم جزءا من الموروث الشعبي الأميركي، كاليفورنيا (جو سوم/Getty)
+ الخط -

هل زارتنا الكائنات الفضائية؟ يبدو أن قناعة الأميركيين بذلك تتجدّد وتتزايد، خصوصًا مع صدور التقرير الموعود للاستخبارات الأميركية حول أجسام طائرة مجهولة وغامضة، شاهدها عسكريون أميركيون في السابق. مع صدور هذا التقرير، يعود تداول حكايات عن الصحون الطائرة، بلغة شبه موضوعية وجدية في مختلف الصحف الأميركية المعروفة. فهل من جديد يؤكد زيارة الكائنات الفضائية للولايات المتحدة، على الأقل؟

أقصر وألطف إجابة عن هذا السؤال يمكننا التفكير فيها، هي ما جاء على لسان الفيزيائي كارل ساغان: "الادّعاءات الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية". أعاد ساغان صياغة هذه المقولة، مقتبساً عالم الرياضيات والفلك بيير لابلاس، الذي كتب في مقالة عام 1812: "كلما زادت استثنائية أي ظاهرة، زادت الحاجة لدعمها بأدلة قوية واستثنائية". هذا المنطق يُلخّص وجهة نظر العلم، الذي لا ينفي احتمالية وجود حياة خارج كوكب الأرض، لكن لا يعترف بوجود أدلة كافية ترقى إلى مستوى الادّعاءات عن مركبات وروّاد فضائيين زاروا كوكب الأرض.

بحسب موقع Insider؛ فإن ما لا يقل عن 20 بالمائة من الأميركيين، يؤمنون أنّ فضائيين زاروا الأرض. كثيرون يؤمنون بنظريات مؤامرة تقف وراءها الحكومة "التي تخفي عنهم الأسرار وتمنعهم من الوصول إلى مناطق في الولايات المتحدة مرّ بها فضائيون"، من أشهرها "المنطقة 51" في صحراء نيفادا. هذه الأخيرة، هي قاعدة جوية عسكرية، توجد على مداخلها لافتات تحذّر من الاقتراب وتمنع التصوير، كأي قاعدة عسكرية ترتبط سريتها بأسباب أمنية. الحكايات عن المؤامرات والكائنات الفضائية حول هذه القاعدة لا تنتهي، لا في الروايات الشعبية، ولا في مواد الترفيه والخيال العلمي.. وكلها قصص ينشغل بها على وجه التحديد سكان قريتين نائيتين قريبتين من القاعدة، يبدو أن سكّانهما يتسلّون باختراع وتأليف الحكايات عن الصحون الطائرة والكائنات الفضائية، التي باتت جزءًا من الموروث الشعبي الأميركي. 

وبما أن الادعاء بوجود مركبات فضائية في سماء الأرض، وهو مرتبط بشدة بالأساطير والخرافات الشعبية والخيال البشري، يشيع في الولايات المتحدة مصطلح فضفاض آخر، يُمكّن المتحدث من تناول موضوع الصحون الطائرة وروادها من دون أن يبدو كلامه هذيانًا، وهذا المصطلح هو الـ UFO؛ ويعني "أجسام طائرة مجهولة" (Unidentified flying object)، ويشمل المصطلح أي شيء مجهول يطير في السماء.

هناك آلاف البلاغات عن الأجسام المجهولة في السماء، معظمها تصل من أناس عاديين، لكن الموضوع المطروح للنقاش حاليًا هو بلاغات وصلت من عسكريين في سلاح الجو الأميركي

هناك آلاف البلاغات عن الأجسام المجهولة في السماء، معظمها تصل من أناس عاديين، لكن الموضوع المطروح للنقاش حاليًا هو بلاغات وصلت من عسكريين في سلاح الجو الأميركي. وبحسب تقرير البنتاغون الجديد، إن هذه البلاغات، أو "التقارير"، هي فقط ما أخذ بعين الاعتبار في الدراسة، بوصفها مصادر موثوقة، على حد تعبير التقرير.
يستخدم هذا التقرير مصطلحًا آخر جديدًا، ليبدو أكثر مهنية وجدية من التسمية الشائعة على لسان الجميع. فبدلًا من "الأجسام الطائرة المجهولة"، تطلق الجهات الرسمية تسمية UAP؛ أي "ظاهرة جويّة غير معرفة" (Undefined Aerial Phenomena)، وتشمل التسمية أيضًا أي شيء مجهول يطير في السماء.

التقرير لا يدّعي وجود أي أدلة على أجسام أو مركبات من تصميم غير بشري، أو من خارج كوكب الأرض، لكنه يفتح المجال لكل الاحتمالات؛ إذ لا ينفيها أيضًا. وقد يُفهم من صياغته أن نوعًا ما من الذكاء البشري، أو غيره، قد يكون وراء أجسام طائرة تم التبليغ عنها من قبل طيارين في سلاح الجو الأميركي. جاء في ملخص التقرير أن "محدودية التقارير عالية الجودة حول "الظاهرة الجوية غير المعرفة"، تعيق قدرتنا على الوصول إلى نتائج حول طبيعة هذه (الأجسام) أو النوايا من ورائها".

يقول التقرير إن المواد والمعلومات المدروسة، جُمعت من "مصادر موثوقة"، إذ وثّقت بشكل مباشر من قبل طيارين في سلاح الجو الأميركي. تعود هذه المعلومات التي تم جمعها إلى أحداث أُبلغ عنها من قبل الطيارين بين عامي 2004 و2021. ومع أن معظم الأحداث التي سُجلت ترجع إلى السنتين الأخيرتين، إلا أن واحدًا من أكثر الأحداث غرابةً وقع في عام 2004، وتسبب في تجدد النظريات حول موضوع الأجسام الطائرة، واحتمالية أن تكون من تصميم غير بشري.

يرتبط الحدث برواية قائد مقاتلة جوية عسكرية، يُدعى ديف فريفر، اشتُهر في وسائل الإعلام الأميركي، من "فايس" إلى "فوكس نيوز". في حديثه، يشير فريفر إلى "جسم بيضاوي يشبه في شكله حبة حلوى "تيك تاك". لونه أبيض وهيكله أملس، يتحرك بسرعة عالية جدًا ويختفي بشكل غامض، ولا يشبه أي مركبة جوية من صنع البشر". فريفر الذي يؤكد أنه لا يؤمن بنظريات المؤامرة، واثق من أن ما شاهده هو شيءُ من خارج الأرض.

في مايو/أيار الماضي، وبمناسبة الحديث عن اقتراب صدور تقرير البنتاغون، يعود برنامج "60 دقيقة" (60 minutes)، إلى رواية الحادثة التي ذكرها فريفر مرارًا في الإعلام، لكن هذه المرة تظهر معه قائدة عسكرية أخرى، هي أليكس ديتريك، التي تشجعت لأول مرة منذ 16 عامًا على مشاركة فريفر في رواية ما شهدته هي أيضًا في نفس الحادثة، عندما طُلب من فريفر ومنها الانطلاق بطائراتيهما للتحقق من حركة غريبة رصدتها أجهزة الرادار في حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز"، عام 2004. ظهور ديتريك لأول مرة لدعم مصداقية رواية فريفر، يكاد يكون العامل الجديد الوحيد في الرواية التي سمعناها مرارًا في السابق.

هنا، نرى أكثر من ضابط في أجهزة عسكرية يُفترض أنهم أكثر مصداقية من أي شهود عاديين. ديتريك لا تريد الشهرة، وتؤكد أيضًا أنها لا تدعم أيا من نظريات المؤامرة. في عام 2004، لم يُكذب المسؤولون أيا من ديتريك أو فريفر، لكنهم لم يؤمنوا بأن ما رأوه هو جسم فضائي. فلماذا تجب إعادة النظر في روايتهما الآن؟ نحن لا نعرف شيئًا عن هؤلاء العسكريين سوى أنهم أبناء أميركا.

في حلقة "60 دقيقة"، هناك ضيوف آخرون مثيرون للاهتمام، منهم من يقف وراء تسريب مقاطع سجلتها أجهزة الطيارين حول أجسام طائرة غريبة، وهو المسؤول الاستخباراتي السابق لويس إليزوندو، الذي يكتسب سمعته الحسنة بين الأميركيين بفضل عمله في إدارة عمليات استخباراتية في أفغانستان وغوانتانمو. يسأل مقدم البرنامج، إليزوندو: "إذن، أنت تخبرني أن الـ UFO "الأجسام الطائرة المجهولة" هي حقيقية؟". غرابة هذا السؤال ترتبط بغرابة التسمية: "الأجسام الطائرة المجهولة". فماذا يعني القول إن الأجسام غير المعروفة موجودة بالفعل؟ ماذا يعني أن نقول إن الغرض المجهول موجود؟

إليزوندو، يُجيب بنبرة جادة ودرامية: "لقد تخطينا الإجابة عن هذا السؤال يا بيل! الحكومة أعلنت أنها (الأجسام الطائرة) حقيقية!". القائد إليزوندو، مهتم بالأمن الوطني للولايات المتحدة، وما تشكله الأجسام الطائرة من "خطر" عليها.

في البرنامج، أيضًا، هناك تلميحات تشير إلى أنه قد تكون الأجسام الطائرة تابعة لبرامج روسية أو صينية، هدفها التجسس على الولايات المتحدة. ومن الصعب متابعة حلقة البرنامج، من دون ملاحظة مدى تطابق التفسيرات التي يطرحها الضيوف مع الروايات الأميركية الشعبية والهوليوودية عن المخاطر المحدقة بالأمن الوطني الأميركي: التكنولوجيا الروسية، والغزو الغامض الفضائي.

لنترك الروايات العسكرية وحبكات التحقيق الصحافية، ونعد إلى نتائج التقرير التي تمكنت بعد فحص كل المعلومات الواردة من ملاحظات وبلاغات الطيارين، من تفسير ظاهرة UAP واحدة فقط. يقول معدو التقرير إنهم واثقون بشكل كبير، من أن الجسم المجهول في واحدة من البلاغات هو: "بالون مفرغ من الهواء، أمّا بقية (الأجسام المبلغ عنها) فلا تزال بلا تفسير". هذا يشمل حبة الـ"تيك تاك" الكبيرة، المرصودة عام 2004.

علينا أن نتذكر جدية الجهة التي صدر عنها التقرير، فنقرأ الاكتشاف الوحيد فيه، أي البالون الطائر، بجدية. البالون (يقصد به منطاد، مثل منطاد الأرصاد الجوية) هو واحد من الأجسام المجهولة التي جمعتها المصادر الموثوقة، ومنه نستشف المدى الواسع لكل ما يمكن أن يدخل في خانة المجهول هنا: بالون، أو أي قطعة من الفضلات المتزايدة في الفضاء، من بقايا الصواريخ أو الأقمار الصناعية. ويعترف التقرير باحتمالية وجود خلل في أجهزة الاستشعار التي سجلت "الأجسام الطائرة" أو غيرها من الاحتمالات التي تستبعد الكائنات الفضائية. في الوقت نفسه، يُضيف التقرير في التفسيرات المحتملة لـ "الظواهر الجوية غير المعرفة"، خانة بعنوان "أخرى"، قد تشمل أي تفسيرات أخرى تخطر في الخيال.

لا يضيف التقرير جديدًا سوى الاعتراف الرسمي للاستخبارات الأميركية بوجود هذه "الأجسام الطائرة المجهولة" تحت مسمى "ظواهر جوية غير معروفة". في السابق، أخفت الجهات الاستخباراتية اهتمامها أو اعترافها، بوجود أجسام أو مركبات تملك تكنولوجيا لا يملكها سلاح الجو الأميركي. لكن في عام 2017، كشف ثلاثة صحافيين في الـ نيويورك تايمز، عن برنامج "سري" يدعى (AATIP)، يُمول من وزارة الدفاع الأميركية، ويُحقق منذ عام 2007 في التقارير الواردة عن أجسام طائرة غريبة. قال التقرير الصحافي إن قيمة التمويل بلغت 22 مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل مقارنه بمجمل ميزانية الوزارة السنوية البالغة 600 مليار دولار. الإنجاز المهم هنا، بنظر نيويورك تايمز، هو الكشف عن برامج "سرية"... مرة أخرى، تُثير السريّة التكهنات والفرضيات عن المؤامرات.

لا بد من الإشارة إلى أن هنالك شخصيات رسمية دفعت من أجل تخصيص ميزانية لدراسة "الأجسام الطائرة"، فبحسب تقرير نيويورك تايمز، دفع السيناتور الديمقراطي من نيفادا، هاري ريد، بطلب تمويل برنامج (AATIP) عام 2007. وبعد تقاعده في عام 2017، انطلق ريد في الحديث علنًا عن اهتمامه الشخصي بالأجسام الطائرة. أمّا تحقيقات البنتاغون الأخيرة التي نتج عنها التقرير الجديد، فيقف وراءها السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، الذي جرت مقابلته في برنامج "60 دقيقة".
روبيو حذرٌ في تصريحاته، ويقول إنه دفع لدعم التحقيق في بلاغات العسكريين حول الأجسام الطائرة، لأنه يريد أن يضمن وجود آلية تُمكن الطيارين من توثيق هذه الأجسام أو "الظواهر" من دون الخوف من تكذيبهم أو اتهامهم بالجنون، كي تحصل الجهات الرسمية على بيانات كافية لدراسة الأجسام الطائرة الغريبة والتهديدات أو المخاطر التي يمكن أن تُلحقها بسلاح الجو الأميركي.

هناك العديد من المساهمين في تكثيف الهالة حول "الأجسام الطائرة الغريبة"، من سياسيين وصحافيين وعسكريين، ولكل أجنداته وشغفه وتفسيراته الخاصة. لكن علميًا، ليس هناك أي أدلة جُمعت بشكل علمي، تكفي لإجراء دراسة علمية

للإعلام دور في تعزيز الهالة الدرامية حول القصص والبلاغات وتهويلها بالعناوين الصاخبة. تهتم الصحافة بالمواضيع التي تعتبرها الجماهير مهمة. كما تهتم أيضًا في "الكشف عن الأسرار" والبرامج التي تعمل في الظلام، مثل البرنامج "السري" (AATIP). هناك أيضًا صحافيون أميركيون مختصون بالكتابة عن الـ "أجسام الطائرة المجهولة"، واختصاصهم يرتبط باهتماماتهم الشخصية، وربما الهوس بالحكايات عن الكائنات الفضائية. بالطبع يختلف هذا الاهتمام عن الاهتمام العلمي بدراسة ظاهرة غامضة؛ فالصحافي له حرية الكتابة والاستنتاج... والشّهرة.

هناك العديد من المساهمين في تكثيف الهالة حول "الأجسام الطائرة الغريبة"، من سياسيين وصحافيين وعسكريين، ولكل أجنداته وشغفه وتفسيراته الخاصة. لكن علميًا، ليس هناك أي أدلة جُمعت بشكل علمي، تكفي لإجراء دراسة علمية. ويبقى الخبر طرحًا جميلًا يساعد على تبديد الضجر، خصوصًا في ظل غزو فيروس كورونا لكوكب الأرض. 

المساهمون