آلاف الأطفال يُستغلون على الإنترنت في بريطانيا

17 اغسطس 2023
34 ألف حالة من جرائم الاستمالة عبر الإنترنت خلال 6 سنوات (Getty)
+ الخط -

مع تصاعد جرائم استمالة الأطفال عبر الإنترنت حيث وثقت عشرات الآلاف منها، ناشد المدافعون عن الخصوصية وحقوق الأطفال والناشطون عمالقة التكنولوجيا وأعضاء البرلمان البريطاني لاتخاذ خطوات حاسمة بشأن مشروع قانون الأمان على الإنترنت الذي صمم بغرض الحد من انتشار المحتوى غير المشروع في العوالم الرقمية.

ومن المتوقع أن يصبح هذا المشروع الذي طال انتظاره قانوناً خلال موسم الخريف المقبل.

وما يثير المخاوف هو كشف الجمعية الوطنية لمنع القسوة على الأطفال (NSPCC)، وهي منظمة لحماية مصالح القاصرين، عن إحصائية مقلقة تشمل نداءها الأولي من أجل قوانين أكثر صرامة عام 2017، إذ أشارت إلى أن وكالات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة سجّلت 34 ألف حالة من جرائم الاستمالة عبر الإنترنت خلال الست سنوات الماضية.

ويتمحور مشروع قانون الأمان على الإنترنت حول بند أساسي يفرض على مؤسسات التكنولوجيا الوصول إلى محتويات الرسائل الخاصة في الحالات التي يكون فيها رفاه الأطفال مصدر قلق بالغ الأهمية.

وحالياً تنتشر منصّات الرسائل المشفرة التي لا يمكن الوصول إلى محتواها، إلا من قبل المُرسل والمُستقبل المقصود، وتبقى غير قابلة للاختراق حتى من قبل شركات التكنولوجيا نفسها.

التدابير المرتبطة بالخصوصية التي تهدف لتعزيز الحماية تتاح لجميع المستخدمين على حد سواء. ومن جهة أخرى، تؤكد منصات التكنولوجيا على أهمية هذه الإجراءات وتعمل على الدفاع عنها. ولا يقتصر هذا النوع من الحماية على ضحايا العنف المنزلي فقط، بل يمتد ليشمل مجموعة متنوعة من الأفراد مثل الصحافيين والناشطين السياسيين وغيرهم.

علاوة على ذلك، يشدّد المؤيدون للحفاظ على تشفير قوي، أن إدخال ما يشبه آلية الباب الخلفي التي يُقصد بها ظاهرياً منح السلطات إمكانية الوصول إلى الاتصالات المشفرة، من شأنه أن يضرّ بالأمن العام لهذه الخدمات لجميع المستخدمين.

وخلال الأيام الأخيرة، وجد الوزراء البريطانيون أنفسهم مضطرين للدفاع عن مشروع القانون المقترح، بعدما ألقت المخاوف من شركات التكنولوجيا بظلالها على مستقبل استخدام التشفير. كذلك دفعت الضغوط المتزايدة الحكومة إلى توضيح التفاصيل الدقيقة لمشروع القانون وتوضيح الفوائد المتوقعة منه.

تأتي هذه الجهود في مواجهة المخاوف المستمرة من أن التشريع قد يفرض قيوداً غير مبرّرة على ممارسات التشفير، وهو احتمال يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه انتهاك للخصوصية وتهديد للأمن الرقمي.

تروي العديد من الفتيات المراهقات تعرّضهن للاستغلال عبر الإنترنت للإعلام ولمنظمات وجمعيات، ولو بأسماء مستعارة، من بينهنّ قضية شارلوت التي نشر قصّتها موقع "خط الطفل"، وهي خدمة تقدمها الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال في المملكة المتحدة.

قد تكون تجربة شارلوت بمثابة تحذير لما تواجهه الفتيات في العصر الرقمي. تناقش شارلوت العواقب المؤلمة المترتبة على مشاركة صورتها الحميمة مع شخص غريب. ويلقي سردها الضوء على المخاطر المحتملة مع هذا الشكل الحديث من الاتصال.

وتقول إنّها عانت في سن الخامسة عشرة من مشاعر العزلة والكآبة وصعوبة التواصل مع الآخرين لأسباب لم تكن واضحة بالنسبة لها. وتعرّضت للتنمر والنبذ في المدرسة، فأصبح الإنترنت ملجأها خلال هذه الفترة. وشعرت بأن التواصل من خلال الرسائل النصية أفضل من الصداقة وجهاً لوجه، وهو ما خفف من شعورها بالوحدة. وكان لديها ميل لإضافة أفراد غرباء والتحدّث إليهم. تكشف شارلوت أنها تلقت ذات يوم طلب صداقة من فتاة لا تعرفها، وقبلته. بعد أيام من التواصل، بدأت صداقة غير متوقعة تتشكل، ثم بإصرار بدأت الفتاة تضغط عليها لالتقاط صورة عارية. وبسبب افتقار شارلوت إلى الثقة بالنفس، انصاعت لهذا الطلب. وتصاعد الوضع بسرعة بعد ذلك. وراحت الفتاة تطالب بالمزيد من الصور العارية، وهدّدت بنشر الصورة على موقع فيسبوك. بيد أنّه أمام رفض شارلوت إرسال صور إضافية، نشرت الفتاة المزعومة صورتها. وبدأت الشرطة تحقيقاً في الأمر، واتصلت بشركة ميتا المالكة لـ"فيسبوك"، وتتبعت الحساب، لتصل إلى رجل كان هو من يديره، ويقوم بالأفعال نفسها مع فتيات أخريات.

في هذا السياق، قال متحدث باسم الحكومة إنّ هذا هو بالضبط سبب تقديمهم لمشروع قانون الأمان عبر الإنترنت الذي سيصبح قانوناً في غضون أشهر.

ونقلاً عن بيانات من 42 من قوات الشرطة البريطانية، أفادت الجمعية الوطنية لمنع القسوة على الأطفال بأنه سُجّلت 6350 جريمة تتعلق بالاتصال الجنسي مع طفل في العام الماضي، من بينها 5500 جريمة ضد الأطفال في سن المدرسة الابتدائية، وبزيادة نسبتها 82 في المائة، منذ تعريف هذه الجريمة في 2017 /2018. كذلك، تُظهر البيانات عن اتجاه مقلق، حيث تم ربط 73 في المائة من الجرائم بمنصّات مثل "سناب شات" أو بالمواقع التابعة لشركة ميتا (فيسبوك، إنستغرام، واتساب).

تأتي هذه الأرقام في الوقت الذي يستعد فيه البرلمان لإنهاء مناقشة مشروع القانون مع نهاية العطلة الصيفية في غضون أسابيع قليلة.

ومعرباً عن مخاوفه، قال الرئيس التنفيذي للجمعية الوطنية لمنع القسوة على الأطفال، السير بيتر وانليس، إن نتائج البحث التي تم الكشف عنها في 15 أغسطس/ آب الحالي تلقي الضوء بشكل صارخ على الانتشار الواسع لإساءة معاملة الأطفال في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. وشدد على أن الحجم الهائل للجرائم يجب أن يكون بمثابة تذكير صارخ بالأهمية الحاسمة لمشروع قانون الأمان على الإنترنت.

وأكدت الجمعية كذلك أن الإحصاءات كشفت عن تفاوت مثير للقلق بين الجنسين، حيث كان من الممكن التحقق من جنس الضحية. وتم توجيه 83 في المائة من حوادث الاستمالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مدى السنوات الست الماضية إلى الفتيات.

ولفتت إلى أنّه إذا نجح مشروع القانون في شق طريقه من خلال العملية التشريعية وأصبح قانوناً، فسيؤدي إلى مجموعة أكثر صرامة من المسؤوليات لكل من الشركات وقادة التكنولوجيا، مما يجبرهم على اتخاذ تدابير قوية لحماية المستخدمين الشباب من الأذى.

وفي اكتشاف آخر مثير للقلق، نشرت الشرطة البريطانية بيانات تثبت تورط حوالي 150 تطبيقاً ولعبة وموقعاً إلكترونياً مختلفاً في استهداف الأطفال بأشكال مختلفة من الاستغلال والأذى.

وفي السياق نفسه، قال خبير التكنولوجيا المخضرم، مايكل مالون، إن "هناك غضباً متزايداً هنا بشأن محاولة بريطانيا والاتحاد الأوروبي كبح جماح شركات التكنولوجيا الكبرى. لا يتعلق الأمر بالسلوك الأخلاقي بقدر ما يتعلق بالغيرة وتقييد المنافسة الأجنبية"، في حديثه لـ"بي بي سي".

ويشعر خبراء آخرون بالقلق من أن أولئك الذين يكتبون القواعد لا يفهمون التكنولوجيا سريعة التطور. وقالت الخبيرة الاقتصادية دام ديان كويل: "هناك بعض الأشخاص في الحكومة ممن لديهم معرفة عميقة (بالتكنولوجيا)، لكن ليس لديهم ما يكفي منها. هذا التشريع يمر عبر البرلمان بطريقة تبدو للخبراء التقنيين غير مدعومة باطلاع جيد، ويعرّضون للخطر بعض الخدمات التي يقدّرها الأشخاص في هذا البلد بشدة".

وإذا كان المشرعون في المملكة المتحدة لا يفهمون التكنولوجيا، فهناك خبراء على استعداد لتقديم المشورة، لكن الكثير من هؤلاء يشعرون بأنهم يتعرضون للتجاهل. وقال خبير الأمن السيبراني، آلان وودوارد الذي عمل في مناصب مختلفة في الاستخبارات والأمن والإنترنت في المملكة المتحدة، لـ"بي بي سي"، إن "الكثير منا وقّعوا رسائل، وقدّموا أدلة رسمية للجان، وعرضوا تقديم المشورة مباشرةً. إما أن الحكومة لا تفهم أو لا تريد الاستماع. الجهل مع الغطرسة مزيج خطير".

المساهمون