قبل أسبوعين، أصدرت المغنية الأميركية ذات الأصول الألبانية، آفا ماكس، ألبومها الأول، الذي حمل عنوان Heaven & Hell؛ وهو الألبوم الذي طال انتظاره من النجمة الشابة التي بدأ نجمها يسطع في عالم موسيقى البوب منذ نهاية عام 2018.
كان سقف التوقعات عالياً، فالأغاني المنفردة التي قامت آفا ماكس بطرحها قبل إصدار ألبومها الأول، لفتت الأنظار إليها مبكراً، والتناقضات التي احتوتها أغنيتها الأولى Sweet But Psycho عن مفهوم الأنوثة كانت جذابة للغاية، وطريقة الأداء المتمكنة التي رافقها لحن جميل وبسيط، كانت بمثابة الشرارة الأولى لولادة نجمة بوب جديدة من طراز رفيع.
وعادت ماكس بعد أشهر لترفع سقف التوقعات مجدداً مع إصدارها لنسختها الخاصة من أغنية Barby Girl، إذ قامت فيها بتحوير كلمات الأغنية الأصلية، التي أصدرتها فرقة AQUA منتصف التعسينيات، لتقلب معانيها رأساً على عقب، وتحولها إلى أغنية نسوية بامتياز، تؤكد فيها على حرية وخصوصية جسد المرأة، وعدم تقبلها لفكرة الأغنية الأصلية، التي تجعل من جسد المرأة مجرد لعبة بيد الرجل.
واختتمت ماكس العام الماضي بصورة لائقة، عندما طرحت أغنية So Am I، التي أثبتت فيها قدرتها على طرح أغان عاطفية أكثر خصوصية، ليست مقترنة بالضرورة بالخطاب النسوي الرائج؛ وأعادت توزيع الأغنية وأداءها بالعديد من النسخ، بطريقة بدت استعراضية، تحاول من خلالها إثبات قدراتها الصوتية.
ذلك مهّد لخطوتها الأبرز، التي جاءت في بداية العام الحالي، عندما طرحت أغنية Kings & Queens، التي تحولت سريعاً إلى نشيد نسوي تردده المراهقات؛ فعلى الرغم من ضحالة أفق كلمات الأغنية واقتصارها على بعض جمل الدعم النسوي، التي تتراوح ما بين التعبيرات المجازية والهتافات الفارغة، مثل: "إلى كل الملكات اللواتي يقاتلن لوحدهن.. أنتن لا ترقصن لوحدكن"؛ إلا أن الأغنية نجحت في احتلال مكانة شعبية عالية منذ طرحها؛ وقد يكون ذلك مرتبطاً بالهوية الفنية التي تمكنت ماكس من رسمها لنفسها قبل إصدارها لألبومها الأول، وقد يكون الأمر متعلقاً بجمال اللحن، الذي يعتبر أفضل ما قدمته ماكس موسيقياً حتى اللحظة.
وفي ما يتعلق بالألبوم الذي أصدرته منتصف الشهر الماضي، فهو يتكون من 15 أغنية، من بينها 12 أغنية جديدة إلى جانب أغانيها المنفردة الثلاث السابقة؛ وفيه حاولت ماكس أن تستخدم صورة مجازية جديدة تصور فيها العلاقات العاطفية من خلال ثنائية الجنة والجحيم، بأسلوب مشابه لما قامت بتقديمه في أغنية Kings & Queens.
هناك الكثير من الثغرات في الألبوم بالعموم، التي تجعله لا يرتقي لسقف التوقعات العالية التي ارتبطت باسم ماكس خلال عامين؛ فعلى الرغم من وجود العديد من الأغاني المميزة في الألبوم، والتي تتموقع معظمها في النصف الأول منه، مثل Naked وBorn To The Night وOMG What's Happening، إلا أن العمل يبدو بنصفه الثاني يعاني من كثرة الحشو والأغاني الزائدة عن الحاجة، ويتعارض بعضها مع الأفكار المسبقة عن ولادة نجمة بوب جديدة لها شخصيتها المستقلة؛ ولا سيما أن بعض الأغاني تبدو ألحانها مألوفة ومقتبسة من أغاني بوب قديمة، مثل أغنية Torn التي تستعير بشكل واضح لحن Hung Up؛ ولا تحيد الأغاني التالية عن هذا المسار، فهي تتخلى عن النزعة المتمردة التي ترتسم بعض ملامحها في الأغاني الأولى من الألبوم وبالأغاني المنفردة السابقة له.
لكن الأمر الأكثر إيجابية في الألبوم أن ماكس نجحت في رسم هوية نسوية خاصة لها، تطرح فكراً نسوياً طفولياً في بعض اللحظات، يعيد قراءة مفهوم الحب في أغاني البوب التي كانت سائدة في القرن الماضي، بأسلوب لا يتعارض مع الفكر النسوي، يحاول أن يمنح المرأة المزيد من الطاقة والسيطرة والدعم، من دون أن يصل إلى مرحلة التمرد التي نجدها واضحة بأغاني نجمات البوب المعاصرات، أمثال مايلي سايرس وليدي غاغا.