"هيكالو" ليحيى جابر... وقائع من بعلبك

15 أكتوبر 2022
يستعيد عباس جعفر تاريخ بعلبك بأدوات بسيطة (MTV)
+ الخط -

لا يخفي يحيى جابر انحيازه إلى القضايا اليومية التي يعيشها اللبنانيون، معرّياً المتلاعبين على خط الكذب والفساد. تلك هي الصورة التي أرادها منذ سنوات، عندما قدم صديقه زياد عيتاني في مسرحية "بيروت... الطريق الجديدة". وكذلك مع أنجو ريحان في "مجدرة حمرا"، وحسين قاووق في "شووو... هاااا؟"، وغيرها من الأعمال التي حققت نجاحاً لافتاً.

في عمله الجديد، "هيكالو"، يقدم يحيى جابر الممثل الكوميدي عباس جعفر بثوب آخر. يختار جابر هذه المرة ابن بعلبك. وجه يمكن أن يمثّل سكان المدينة والقلعة التاريخية، وما أحاط بهما من خمسينيات القرن الماضي، إلى اليوم، من تغيير ديمغرافي وسياسي في محاولة لرسم رواية واقعية، من خلال حكاية جعفر نفسه الذي ولد في بعلبك وعاش فيها، وتهجّر إلى بيروت، ثم عاد إليها.

لا تغلب الكوميديا الساخرة فقط على العرض، بل هناك تجسيد لمعاناة أهل حي الشراونة الشهير الذين نزحوا في الخمسينيات إلى محيط القلعة، فوجدوا الهواء والكهرباء، بعدما عانوا الأمرّين في الجرد. توسع النازحون الجُدد في الحي الذي كان يجمع جيرانهم من المسيحيين والسُنة، واستطاعوا السيطرة الكاملة عليه بعد وقت، بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع، معتمدين على تجارة الحشيشة.

تسعون دقيقة من السُخرية، القائمة على سرد إخباري يتبنّى تلميحات معروفة ومفهومة لدى الجمهور الحاضر، ويتمثل في إضحاك وتفريج الهم في عز أزمات لبنان الحالية/ ولا ينتهي فيها بتحقيق الهدف، بل يأخذنا جعفر وجابر إلى نوع من المفارقة الهزلية الممددة والمطوَّلة، تنفتح على سرد تراكمي للحكاية كاملة، نحو الموقف المضحك، واللغة الساخرة، والهجاء اللاذع.

يدخل يحيى جابر بطريقة تفصيلية وبأمانة على واقع حي الشراونة. لا يخاف ولا يتنازل عن أي طرح ينقل صورة الطفل، والأب والأم والجدّة والشيخ، بأدوات بسيطة وحوار بلغة مألوفة، من دون تعيقدات. يفرح عباس جعفر ويبكي في اللحظة نفسها. يعصر ما أوتي من موهبة في سبيل نقل صورة حقيقية لواقعه، من دون تجميل، وينجح مرة أخرى في رسم ثقافة الشارع والمدن في لبنان في عرض بلاعب واحد.

يتعاطف الجمهور الحاضر في مسرح دوار الشمس البيروتي مع هذا الكائن المسرحي. يضحك ويصفق ويهزأ بالمواقف والمفارقات التي تسكنه بعد كل هذا الكم من النقل لواقع عمره يزيد عن 40 عاماً، لبلد يعيش مأساة حاكميه، بعيداً عن الوعظ.

يؤخذ على عباس جعفر قلة ليونته، ربما لدقة التفاصيل التي يحملها النص المسرحي. يكاد أن يخطئ في بعض المواقف، لكنه يتماسك ويستعيد تركيزه، ويعود كائناً مسكوناً بالفطرة والموهبة.

في "هيكالو"، نجد أنفسنا أمام صراع مأساوي بين واقع يعكس صوراً لطبقات اجتماعية مُستغلّة، ومفاهيم أخلاقية ما زالت قائمة إلى اليوم. يصدم جابر جمهوره بمشاهد كثيرة، مثل صورة الشيخ "الدجال" الموازية لرجل الدين اللعوب. لوحة قادرة بمفردها على إقناعنا بأننا ضحايا أنفسنا، وضحايا ما يُفرض علينا ولا نستطيع الفرار منه. مأساة تربط بين حبل أفكار النص المسرحي في "هيكالو"، وبين واقع حقيقي يعيشه المشاهد كل يوم، ينتهي بمأساة الثأر التي لا تعرف النهايات.

دلالات
المساهمون