"هيئة تحرير الشام"... رقيب آخر على الإعلام

27 ديسمبر 2021
تغطية الأوضاع اليومية في إدلب ليست مهمة سهلة (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -

تسيطر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في محافظتي إدلب واللاذقية وأجزاء من محافظة حلب، وتفرض قبضة أمنية على سكان المنطقة، وعلى أي نشاط إعلامي أو سياسي، معتمدة على أساليب قمعية عدة لا تختلف عن الأساليب التي تمارسها قوات النظام السوري، وتنظيم "داعش" الإرهابي من تكميم للأفواه، وترهيب للناشطين، واعتقال. ويتولى ذراع الهيئة الأمني- الإعلامي أي "المديرية العامة للإعلام" المهمة، من خلال جمع بيانات الناشطين وملاحقة "الخارجين عن الطاعة".

أخيراً ارتفعت الأصوات الرافضة لممارسات الهيئة بالرغم من محاولتها تصدير نفسها كحاضنة للإعلام والإعلاميين، ومنّظمة للمشهد من خلال إصدار بطاقات لمزاولة المهنة، والدعوة للقاءات دورية بمسؤولين فيها أو حتى بزعيمها أبو محمد الجولاني. يقول الصحافي محمود البكور لـ"العربي الجديد" إنّ العمل الإعلامي في إدلب محفوف بالمخاطر، خصوصاً العمل الاستقصائي، "ومن خلال عملي في توثيق انتهاكات جميع الأطراف واجهت العديد من المشاكل، واضطررت للعمل باسم مستعار كي أتجنب المساءلة والملاحقة، تحديداً خلال عملي على توثيق الانتهاكات التي تعرّضت لها ممتلكات المسيحيين في مدينة إدلب". ويضيف البكور أنّه بعد اقتراب قوات النظام من السيطرة على مدينته سراقب، نزح إلى الشمال السوري، لكن عمله الصحافي الذي كان يركّز على الانتهاكات اضطرّه لمغادرة الأراضي السورية نحو تركيا. ويرى أنّ الهيئة لجأت إلى أسلوب جديد، واجهته تنظيم العمل الإعلامي من خلال استصدار بطاقات وأذون عمل، لكنه لا يعدو كونه دراسة أمنية عن كل عامل بالإعلام، فتبحث في كل التفاصيل المرتبطة بالصحافة كي تتم مضايقته بها، وابتزازه في حال حاول الخروج عن تعليمات الجهة الحاكمة.

في أواخر عام 2020 طالبت مديرية الإعلام التابعة للإنقاذ الإعلاميين بمراجعتها للحصول على بطاقة لمزاولة المهنة، وتضمّنت الشروط تفاصيل اعتبرت تدخلاً في الخصوصية، وأشارت حينها إلى أنّ الذين لا يحملون البطاقة لا يحق لهم ممارسة العمل الصحافي. وهو ما طرح علامات استفهام حول حقيقة المعلومات التي تسعى الهيئة للحصول عليها، خصوصاً أنّ أغلبها غير مرتبط بطبيعة عمل الصحافيين والمصورين.

أواخر 2020 طالبت مديرية الإعلام التابعة للإنقاذ الإعلاميين بمراجعتها للحصول على بطاقة لمزاولة المهنة

في هذا الإطار، يقول رئيس مجلس إدارة رابطة الإعلاميين السوريين العاملة في الداخل السوري عمر حاج أحمد لـ"العربي الجديد" إنّ العمل الإعلامي في منطقة إدلب التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" خلال العامين الأخيرين مختلف كثيراً عما كان عليه سابقاً، لكنّ هذا لا يعني أنّه لا توجد أخطاء وتجاوزات وانتهاكات بحق الإعلاميين، لكنّه تحسّن مقارنة بالسنوات السابقة، التي كانت فيها القبضة الأمنية أشد. يضيف أنّ في إدلب وحدها أكثر من 700 إعلامي يعملون مع مختلف الوكالات المحلية والعربية والعالمية، منهم ناشطون وصلوا إلى العالمية بصورهم وتقاريرهم، وفي نفس الوقت هناك البعض ممن تنقصه الخبرة المهنية، وهذا يقع على عاتق الأجسام الإعلامية التي يناط بها تطوير وتدريب الجميع على أساسيات العمل الصحيح والسلامة الجسدية والرقمية، لأننا نعيش في بيئة تصنّف على أنها غير مستقرة.

ويؤكّد أنّ معظم أعضاء الرابطة موجودون في إدلب، لذا أخذت على عاتقها التنسيق مع حكومة الإنقاذ التي تعتبر الجهة السياسية المسيطرة على المنطقة، وأنهم يقفون على مسافة من جميع الجهات المسيطرة. ويضيف: "أخبرنا الجميع أنّ الأعضاء لن يكونوا صوتاً لتلك الجهات، والهدف من التنسيق هو تشكيل واجهة لحماية الأعضاء أمام هذه الجهة، وإعلامها بأنّ أيّ انتهاك بحق أي عضو لن يمرّ دون اتخاذ الإجراءات اللازمة".

أما الباحث في مركز الحريات الصحافية التابع لرابطة الصحافيين السوريين محمد الصطّوف فيشير إلى أنّ مستوى الحريات الإعلامية، خصوصاً حرية مزاولة العمل الإعلامي، في مختلف المناطق السورية لم يكن جيداً، خصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام". إذ اتبعت نهجاً واضح المعالم في تكميم الأفواه وإسكات الأقلام والحريات الصحافية، لذلك نرى أنّ عدد المؤسسات الإعلامية العاملة في مناطقها قليل جداً مقارنة بمناطق سورية أخرى، ويمكن القول إنّ الحريات الإعلامية في مناطق الهيئة كان مستواها سيئاً جداً على مدار السنوات السابقة. ويلفت إلى أنّ الهيئة في بداية تحكّمها بإدلب حاولت أدلجة الإعلام ضمن قالب معين يخدم مصالحها، محاولة تقليد النظام السوري الذي يتحكّم بجميع وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في مناطق سيطرته، لكنّها فشلت في ذلك فلجأت إلى أساليب أخرى كالترهيب والاعتقال والملاحقة. 

وبحسب الصطّوف، فإنّ الهيئة تصدّرت قائمة الجهات المرتكبة للانتهاكات بحق الإعلاميين خلال عام 2020، بمسؤوليتها عن ارتكاب 24 انتهاكاً من مجموع الانتهاكات الموثقة البالغ عددها 60 انتهاكاً. وتظهر "هيئة تحرير الشام" نفسها على أنّها جهة تحترم الإعلاميين والعمل الإعلامي، لكنّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت تقريراً في مايو/أيار الماضي وثّقت فيه 17 حالة اعتقال وخطف بحق الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام على يد عناصرها، من أصل 42 وثقتها منذ مايو 2020. وبحسب الشبكة، فإنّ هيئة تحرير الشام اعتقلت 146 شخصاً، من بينهم طفل وأربع نساء خلال عام 2020 وحده، وأغلب المعتقلين ناشطون في مؤسسات المجتمع المدني وإعلاميون وعمال إغاثة، وجاءت معظم الاعتقالات على خلفية انتقاد سياسات الهيئة.

المساهمون