أحكمت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) قبضتها في الفترة الأخيرة على كلّ كبيرة وصغيرة في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمال غربيّ سورية، لكنها لا تزال تسعى لضبط وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، علماً أنها تحاول ملاحقة الخارجين عن خطها العام، وتودع الكثير منهم السجون، وتهجّر آخرين إلى تركيا أو المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري، المعارض، المدعوم من تركيا.
وفي سعي هيئة تحرير الشام للحدّ من الحرية المتوافرة على منصات التواصل حيث يلجأ الناشطون لفضح ممارساتها، جندت موظفين يعملون في مؤسسات تتبع لها، وأغرت آخرين بمساعدات غذائية أو أجهزة إلكترونية بسيطة، بهدف الدفاع عنها في العالم الافتراضي وتلميع صورتها أمام سكان المنطقة والمستخدمين.
يقول الناشط محمد المصطفى، لـ"العربي الجديد" إنّ الهيئة تمسك بمفاصل الحياة في محافظة إدلب، لكنها لا تزال قلقة إزاء الانتقادات التي تطاولها على منصات التواصل الاجتماعي. لكن المصطفى يضيف أن سكان المنطقة لا يستطيعون النشر عن الوقائع التي يعاينونها كما هي، لأن مسألة القبض عليهم تستغرق ساعات فقط من جهاز الأمن العام الذي يعتبر الأشرس في ترتيب قوى الهيئة.
ووفقاً للناشط، لجأت الهيئة إلى أسلوب جديد، هو مواجهة الحملات التي تشهدها مواقع التواصل بحملات مضادة، ينفّذها أشخاص في الهيئة أو مقربون منها أو مستفيدون من مشاريعها، منهم من جندته بهاتف ذكي وباقة إنترنت، وعمله الوحيد مراقبة الهجمات التي تستهدفها ومتابعتها وتكذيبها. ويلفت إلى أنّ عناصر الهيئة العسكريين يحاولون دخول أي مجموعة تعنى بأخبار المنطقة على موقع فيسبوك أو مجموعات واتساب وتيليغرام، وتحديداً المصابين، الذين لم تعد لديهم القدرة على خوض الأعمال الميدانية.
بدوره، يقول موظف في حكومة الإنقاذ التي تعتبر الجناح السياسي والمدني للهيئة، لـ"العربي الجديد" شرط عدم الكشف عن اسمه، إنّ "جميع الموظفين في الحكومة ذباب إلكتروني يدافع عنها على وسائل التواصل"، وهناك مجموعات على "واتساب" و"تيليغرام" تصدر منها تعليمات دورية حول أسلوب الرد على الانتقادات التي تطاول الهيئة. ويضيف أن "الموظف الذي تتحكم الهيئة بلقمة أطفاله يخشى من وضع إعجاب أو التعليق على كثير من المنشورات، ويخشى كل واحد منهم الآخر، كما كان الحال عليه إبان سيطرة النظام السوري على إدلب، وكل منهم يخاف من أن يشي أحد به، أو أن يشكك في ولائه للهيئة، فيحاول الدفاع عنها على تلك الوسائل وتكذيب الأخبار التي تنتشر عن انتهاكاتها".
ويفيد بأن الهيئة، وخصوصاً جهازها الأمني، تمنع أي موظف يعمل في حكومة الإنقاذ من التصريح لوسائل الإعلام التي عليها التوجه إلى مديرية الإعلام إذا طلبت إيضاحات معينة، والأخيرة توجه الأسئلة إلى أحد موظفيها، ثمّ تحوّل من خلال هذا الموظف إلى الشخص المسؤول، ليرسلها بدوره إلى الموظف الأول من أجل عملية الفلترة، ثم ترسل إلى الوسيلة الإعلامية. ويؤكّد أنّ هناك تعليمات باستقطاب الإعلاميين المؤثرين في المنطقة، لضمهم تحت جناح الهيئة، من أجل الترويج لها والدفاع عنها، مقابل عطاءات مالية على شكل منح أو صلاحيات تخوّلهم الوصول إلى أماكن لا يستطيع الإعلاميون المستقلّون بلوغها، إضافة إلى خصّهم بسلل غذائية تحصل من المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.
من جهته، يقول الناشط أحمد عبد الرزاق، لـ"العربي الجديد" إنّ الهيئة "تلعب لعبة قذرة"، مضيفاً أنّها "تجند مصابي الحرب السورية والمحتاجين من سكان المخيمات، عبر إعطائهم مساعدات مالية وغذائية، وحثهم بشكل غير مباشر على الترويج لها على وسائل التواصل، أو الدفاع عنها في حال حدوث هجمات أو انتشار أخبار عن الانتهاكات التي تقوم بها ضد السكان أو الناشطين".
ويضرب عبد الرزاق مثالاً الحادثة التي شهدتها بلدة أطمة الحدودية التي تعجّ بالمخيمات أخيراً، عندما أطلق عناصر هيئة تحرير الشام النار على فاطمة الحميد التي كانت تنقل ليترات من المحروقات لبيعها وإعالة أطفالها. ويؤكّد أنها توفيت بعد إصابتها بالطلق الناري بساعات، لكنّ المجندين من قبل الهيئة أشاعوا أنها بقيت على قيد الحياة 18 يوماً حتى تهدأ نفوس أقاربها وتخف حدة الهجوم الإعلامي. ويقول إنّ هؤلاء المجنّدين أشاعوا أنّها قتلت لأنّها "سبّت الذات الإلهية"، بهدف تبرير قتلها ووقف حملات التضامن معها.
تمارس هيئة تحرير الشام التي تسيطر على محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية تضييقاً على العمل الإعلامي في مناطق سيطرتها، واعتقلت إعلاميين وناشطين سياسيين، وتكرّرت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على الصحافيين. وتصدرت الهيئة قائمة الجهات المرتكبة للانتهاكات بحق الإعلاميين خلال عام 2020، بمسؤوليتها عن 24 انتهاكاً من مجموع الانتهاكات الموثقة البالغ عددها 60 انتهاكاً.
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في مايو/أيار الماضي، تقريراً وثّقت فيه 17 حالة اعتقال وخطف بحق الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام على يد عناصرها، من أصل 42 وثقتها منذ مايو/أيار 2020.
ووفقاً للشبكة، فإنّ الهيئة اعتقلت 146 شخصاً، بينهم طفل وأربع نساء، خلال عام 2020 وحده، وأغلب المعتقلين ناشطون في مؤسسات المجتمع المدني وقطاعي الإعلام والإغاثة، وجاءت معظم الاعتقالات على خلفية انتقاد سياساتها.