في عملها الهزلي الجديد "كلنا مغاربة" (2021) الذي بدأ عرضه مع بداية شهر رمضان، تحرص المخرجة المغربيّة الواعدة صفاء بركة على الدخول في اللعبة التلفزيونية من خلال جعل الترفيه في مقدّمة برنامجها الفني. لجوء المخرجة إلى وجوهٍ تلفزيونية مألوفة، جعل صورها مبتذلة وهشّة ولا ترتكز على عملية الخلق والإبداع، رغم المجهود الذي يتبدّى داخل بعض الحلقات على مستوى التصوير واللعب بجماليّات الفضاء والألوان الطبيعية وانعكاسها على مفهوم الصورة. لكن ذلك لا يكفي حتى يكون العمل متوفّرًا على جميع الشروط الفنيّة والجماليّة، التي تجعل منه عملاً تلفزيونياً رصيناً وناجحاً بمقادير بصريّة صالحة للمشاهدة والاستمتاع. مع العلم أنّ لا جديد بصريّا تقدمه صفاء بركة في مثل هذه الأعمال الكوميدية التي أضحت غير مستساغة من فرط التكرار، لا سيما خلال شهر رمضان، حيث تتكاثر وتقفز على سطح الشاشة الصغيرة.
لا تغيّر على المستوى الفني
وكأنّ المغاربة حققوا كل شيء في ما يتصّل بحقوقهم المهدورة حتى يجدوا وقتاً كافياً للجلوس أمام الشاشة في بيوتهم، كي يشاهدوا هذه البرامج السخيفة والساخرة من حياتهم. ويجد المشاهد نفسه أمام نفس الوجوه الفنية، كأن لا شيء يتغيّر فيها على المستوى الفني، باستثناء حياتهم الخاصة التي تزداد جمالاً وراحة من فرط عائدات هذه البرامج. وعجزت هذه التجارب "المخضرمة" التي تراهن عليها صفاء بركة عن نقل المُشاهد إلى عوالم فنية أخرى من خلال قوّة الأداء، حتى يستطيع المشاهد تحقيق متعة بصرية تنقله من واقعه العيني الرتيب المنكوب سياسياً واجتماعياً.
إشهار الرداءة
ولأن التلفزيون المغربي يعمل بشكلٍ يوميّ على إمطار المشاهد بهذه الرداءة عن طريق الإشهار، فإنّ المغاربة يجدون أنفسهم مجبرين على تلقّي هذه الأعمال في صمت، لأن لا بديل لها فنياً، رغم ما يدّعيه أعيان هذا الجهاز البصري من "قفزات" نوعية، خَرَجوا يتباهون بها قبل أيام على مواقع إلكترونية مرتبكة، أمام عائلات كثيرة من المجتمع تفضّل مشاهدة هذا الإنتاج المحلي، حتى وإنْ كان هزيلاً. فالمُثير للدهشة والغبن، هو أنّ أغلب المشاهدين في المغرب، لا يحبّون هذا التشويه البصري طيلة رمضان، لكنّه في الوقت نفسه يحصد أرقاماً قياسية وفي مدّة قصيرة.
حضور التقنية وغياب الدور
وفي الوقت الذي يلمس المشاهد أنّ ثمّة إبداعاً حاضراً بقوّة في ثنايا الشكل البصري، يتأكّد مع توالي الحلقات، فإنّ ذلك يعود بالأساس إلى جماليّات التقنية ومؤثراتها وما تلعبه من توليف للمَشاهد واللعب بها بصرياً في غياب كليّ للدور الذي يمكن أنْ يلعبه المخرج للتحكم في مستوى أداء الممثل والدفع به إلى الدخول في مرحلة الإبداع الحقيقي، عوض الوقوف عند سياج التعبير المباشر والعادي. هذا لا يتوقف عند "كلنا مغاربة" وإنما حاصلٌ في أعمال كثيرة أنجزتها أسماء واعدة بدرجات مختلفة ومتباينة من المعالجة الفنية ومدى تواشجها مع الواقع، فقد برهنت هذه الوجوه الجديدة على قدرات عالية على مستوى الكتابة الثانية (الصورة) أما الأولى (السيناريو) فتظلّ في نظر الكثير من النقاد عبارة عن مادة معطوبة تسخر من ذاتها أولاً، قبل أنْ تُعرّف أو تُخوّل لنفسها تقديم مادة كوميدية داخل تلفزيون عمومي.
إنّ السيناريو هو أساس الصورة وليس العكس، فهو عمودها الفقري الذي يصنع جماليّاتها ومُتخيّلها ويمنحها نفساً عميقاً بالتحوّلات السياسية والاجتماعية، حتى تسارع في التقاط أجمل الصور المؤثّرة داخل تلك السياقات. أما أداء الممثّل، فيبقى قيمة مضافة إلى عنصر الصورة، من خلال ما يمارسه من سحر على مستوى مختلف الحركات الجسدية، بحيث يخرجها من جمودها التقني ويجعلها حيّة وقريبة من طبيعة الحياة اليومية. هذا ويبقى الوجه المألوف في المغرب لا يُضحك، لأنّه يكرّر نفسه عن طريق تعبيرات الجسد رغبة منه في إضحاك الناس، لكنّه سرعان ما يُثير سخرية الناس منه، فيتحوّل هو نفسه إلى مادة للضحك وليس العمل الفني.
افتقار إلى المادة الأصلية
في "كلنا مغاربة" لم تخرج صفاء بركة من الاستناد إلى وجوهها المألوفة، حتى ترفع ضمنياً منسوب المشاهدة وسقف "نضارة" عملها الكوميدي المعطوب كتابةً منذ حلقاته الأولى، بسبب افتقاره إلى المادة الأصلية. فهو عملٌ "كوميدي" بدون مادة، أيّ إنّ مفهوم السيناريو غير موجود، وكل حواراته تحتكم إلى "الشفاهة" وإلى المحكي المغربي العادي، وكأنّ جميع أفراد طاقم العمل لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم شغّلوا الكاميرا وجعلوا الممثلين يتحاورون فيها بينهم، على أساس أنّه عملٌ كوميدي. هذا الأمر، جعل الكثير من الناس يستغربون الطريقة التي من خلالها يتم تقييم مثل هذه السيناريوهات وكيف تستطيع الحصول على الدعم والموافقة والإنتاج. أليس الأفضل أنْ يتم التدقيق قبل منح الموافقة؟ أم أنّ الوجوه الترفيهية المألوفة، هي السرّ الخفيّ، خاصّة وأنّها باتت بمثابة جواز مرور من أجل استقطاب الجمهور والتأثير في التلفزيون الرسمي للحصول على موافقة المشروع، على أساس خبراتٍ كاذبة ومصطنعة؟ هذا الأخير في هذه الحالة، مجرّد رأسمال مادي، يتم عبره الاستثمار في المخيّلة والذوق، وليس عنصراً بشرياً، يجب التفكير فيه بعناية وفي ذكائه المتجدد والنبيه، بحكم ما يعاينه سنوياً في مسلسلات عربية.