كلما ارتفعت وتيرة الحصار والأزمات المستجدة في لبنان، كلما ازداد إنتاج برامج النقد الساخر. هكذا تعمل محطات التلفزيون والناشطون على مواقع ومنصات التواصل، أي على استدراج المواقف والسيناريوهات والخطابات للتعبير عن الواقع عبر السخرية.
آخر البرامج التي أثارت جدلاً واسعاً في الأسابيع الأخيرة كان "شو الوضع"، نصوص لمحمد الدايخ وتمثيل مجموعة من المواهب، يتقدمهم حسن قاووق، البارع في التعبير عن معيشة الناس ونقل الصورة كما هي إلى الشاشات.
يخرج محمد الدايخ في "شو الوضع" من كونه كاتباً مسرحياً محترفاً، ويكتب للكاميرا، متكئًا على مجموعة من الشباب الذين يؤدون دورهم بحرفية عالية. الكل في دوامة "الساركزم" يقف أمام واقع معيشي مرير، وينسف فكرة "الستاند آب كوميدي"، التي سادت قبل سنوات على المحطات اللبنانية والعربية.
يحمل "شو الوضع" صورة الشارع بأدق تفاصيلها. التصوير الخارجي للاستكتشات يمنح الثقة في الإقناع: الشارع، السطح، البيوت العادية، وحتى الدلالات الواضحة في الحوارات القصيرة، لعلها رغبة في تشكيل إدراك الجمهور، من خلال شخصيات عامة ورموز مختلفة، يدرك أمامها الجمهور حقيقة تقديره لشخصيات تناولها البرنامج.
في بعض البلدان، فقدت معظم الشخصيات التي تم تداولها في برامج السخرية التقدير والثقة من قبل الجمهور. ويتجه المتابعون إلى إعادة التفكير في الشخصيات العامة بصورة مختلفة بعد التعرض إلى برامج النقد والمساءلة الساخرة، ويميل البعض إلى استغلال مضمون هذا النوع من البرامج في تفعيل النقاشات السياسية، أو شنّ الهجوم على الشخصيات العامة والفاسدة.
لكن الموجة تثير الرعب، إن صح القول، في لبنان، ليس أقله ما تعرض له صناع برنامج "شو الوضع" قبل أسبوعين وكَيل الاتهامات لهم، لمجرد جملة توجهوا بها إلى"حزب الله" اللبناني.
هكذا تنقلب خطوط اللعبة، ما بين مشاهد يفضل هذا النوع المستجد من الكوميديا الساخرة بدلاً من "الستاند آب" الذي نال قسطاً جيداً من المتابعة في السنوات الأخيرة، وهو اليوم في مرحلة التراجع، ربما بسبب التكرار، أو التقليد، والتنظير الذي يتعمده بعض المقدمين، فضلاً عن ازدواجية هؤلاء في طرح الواقع على الشاشة، ومراعاة مصالحهم الخاصة في حياتهم الخاصة.
تتحول اللعبة في التلفزيون، أو من خلال مواقع التواصل، والمنصات، إلى مبارزة بين السلطة متمثلة في الأحزاب اللبنانية التي تسيطر على البلد، وبين مواهب شابة، تدرك جيداً معنى الحرية من دون قيود، وتحلم، كما اللبنانيون، بضرورة التغيير بعيداً عن المحسوبيات.
يفتح لبنان مجدداً المعركة بين السلطة، وحرية التعبير، من خلال برنامج أثار كل هذه العاصفة، ويمنح خطاً مغايراً لنوعية برامج تفاعلية، تركز على الطرح الاجتماعي السياسي، جوهرها الصراع الدائم بين السلطة والناس.