"روما" لـ كايروكي... أسماء معلّقة على جدار الغرفة

09 أكتوبر 2022
لم تستدعِ "كايروكي" في ألبومها الجديد أي اسم عربي (فيسبوك)
+ الخط -

بعد انقطاع دام قرابة ثلاثة أعوام، أصدرت فرقة "كايروكي" المصرية، ألبوماً جديداً يحمل عنوان "روما". يضم العمل إحدى عشرة أغنية، نشرتها الفرقة على قناتها الخاصة في "يوتيوب" نهاية الشهر الماضي، بالتزامن مع جولتها في الولايات المتحدة الأميركية.

منذ أن أنتجت "كايروكي" ألبوم "نقطة بيضا" عام 2017، بدأت تعلو بعض الأصوات التي تنتقدهم، ليس بسبب انحدار سوية الفرقة فنياً، بل بسبب التحول المفاجئ الذي طرأ على المحتوى الذي تقدمه. لم يستسغ بعضهم أن تشذّ "كايروكي" عن مسارها الثوري بعد السنوات التي ارتبط فيها صوت أمير عيد بالشارع المصري، واعتبره كثيرون تعبيراً فنياً عن صوتهم.

هذه الانتقادات باتت تقليداً يصاحب أي ألبوم أو أغنية تصدرها "كايروكي" منذ ذلك الوقت. بالتالي، كان من الطبيعي أن نقرأ تعليقات من هذا النوع مع "روما"، في خطوة تبدو فيها "كايروكي" أنها تعلن انسلاخها رمزياً عن الصوت الذي أُطرت فيه. إذا ألقينا نظرة خاطفة على عناوين الأغاني التي يتكون منها الإصدار، سيتعزز هذا الانطباع، فست من أصل إحدى عشرة أغنية، تحمل أسماء أعلام أجنبية لشخصيات شهيرة أو مدن؛ فإلى جانب اسم روما، نقرأ أسماء: جيمس دين، جوني كاش، تارانتينو، روبيرتو وكوستاريكا.

قبل إصدار "روما"، كان آخر ما أصدرته "كايروكي" أغنية منفردة بعنوان "ساموراي". هذه الأخيرة إعلان لشركة أوبر، تستعير فيه محارب الساموراي من الثقافة اليابانية، لتضعه ضمن سياق ضعيف، يفقد أي عمق ثقافي. لذلك، إن أسماء الأعلام التي ملأت الألبوم، والقادمة من ثقافات متعددة غريبة عنا، رجحت كفة الرأي السائد في نقد "كايروكي" الذي لا يخلو من العاطفة وينطوي على نوستالجيا وحنين لأغاني الفرقة في بداية العقد الماضي وما تمثله، في ألبومات "مطلوب زعيم" و"وأنا مع نفسي قاعد" و"السكة شمال" على وجه الخصوص. كيف لا، و"كايروكي" هي الفرقة التي أنتجت أغنية "صوت الحرية" بالتزامن مع تنحي الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، وتحولت الأغنية حينها إلى ترنيمة تختزل مشاعر النصر موسيقياً؟

النوستالجيا هي وحدها التي تولّد النقد عند جمهور "كايروكي"، ولا يمكن الاستهانة بها حتى وإن كانت الانتقادات التي توجه للفرقة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة بين التعليقات التي نقرأها على أغانيهم، وتتضمن كثيراً من الآراء الإيجابية والداعمة للفرقة. لكن، لدى كلا الفريقين، تشعر بأن النوستالجيا لها حضور طاغٍ في علاقة "كايروكي" مع جمهورها؛ فلو أنتجت الفرقة عشرات الألبومات المفرّغة من الحماسة الثورية والنقد السياسي، لن ينسى الجمهور الحالة التي كان يمثلها صوت أمير عيد في زمن الثورة.

النوستالجيا ذاتها التي تولّد الانتقادات على "كايروكي" هي الثيمة التي تفك لغز شيفرات الألبوم الجديد؛ فالأسماء الأجنبية الكثيرة التي تحتل الصدارة في العناوين الرئيسية والفرعية للألبوم، وترد أيضاً ضمن الأغاني، يجمعها سياق نوستالجي، يُشار إليه بوضوح في أغنية "روبرتو"، التي يرد فيها: "فلاش باك... وأنا طفل صغير مستني أكبر، فاكر أوضه نومي كان فيها كذا بوستر، لناس أساطير فيا بتأثر، قلت أنا لما أكبر لازم أوصل، أول صورة للأسطورة -ملك الكورة- دييغو أرماندو مارادونا... ببص على طول لصورة سلمى حايك وأقولها: يا سلمى اشهدي على أحلامنا، بدور على التاتش بتاعي مصيري ألاقيه. قالتلي: احلم واتمنى. جريت بينا أيامنا لحد ما حطيت جنب منها صورة كايروكي".

هكذا تبدو النوستالجيا لمرحلة الطفولة هي الثيمة المسيطرة على الإصدار، وأن الأسماء التي ترد فيه ليست سوى أسماء الشخصيات الشهيرة والمثل العليا التي تركت أثراً على أمير عيد، أو على أعضاء فرقة "كايروكي" عموماً. وقد يكون التعمق بالأسماء الواردة أفضل طريق لفهم هذا الجانب من شخصية الفرقة الذي يتجلى في الألبوم الجديد.

الأغنية الرئيسية التي صدرتها "كايروكي" في الألبوم، وصورتها على طريقة الفيديو كليب، هي الأغنية التي تحمل اسم "جيمس دين" (الممثل الأميركي)، الذي رُفع اسمه إلى مرتبة أساطير السينما بعد موته بحادث سيارة مفاجئ في الرابعة والعشرين من عمره. وهنا يصعب فهم الروابط بين الفرقة المصرية التي ينتمي أعضاؤها إلى جيل الثمانينيات، وللنجم الأميركي الذي مات قبل ولادة كل منهم بوقت طويل. لكن كلمات الأغنية تفسر الأمر من خلال توصيف اللحظات الرومانسية التي تبدو كأنها لقطة من فيلم قديم ينتمي إلى زمن سابق، لم يعش فيه البطلان. يرد في الأغنية: "معاكِ بنسى أنا مين، بحس إن أنا جيمس دين؛ عربية كابريوليه موديل ستين وإيديكِ مرفوعه في الهوا وشعرك بيطير".

وتكتمل الصورة مع عبارة تمر في الأغنية: "متمردين عالفاضي بدون قضية"، التي تبدو كترجمة غير دقيقة لعنوان فيلم جيمس دين الأشهر، "متمرد بلا قضية" (1955). كان لهذا العمل الفضل بجعل جيمس دين أيقونة في عالم السينما، ليُشار إليه بوصفه رمزاً ثقافياً لخيبة أمل المراهقة التي جسدها بهذا الفيلم. هكذا، تبدو "كايروكي" تغني عن خيبات المراهقة واللحظات الرومانسية التي ضاعت أمام الحماسة الثورية ربما، والتي لا يمكن التقاطها إلا كصورة ريترو (باهتة) من فيلم سينمائي قديم.

الاسم الثاني في القائمة، هو للمخرج الأميركي كوينتن تارانتينو؛ إذ يرد اسمه كعنوان للأغنية التي يشارك بتقديمها مروان بابلو. يرد في الأغنية: "بكتب التاريخ على كيفي وبإحساسي، زي كوينتن تارانتينو هعلّم على كل نازي". هذه العبارة تبدو فيها إشارة واضحة إلى فيلم Inglourious Basterds الذي رسم تارانتينو فيه تاريخاً موازياً لنهاية الحرب العالمية الثانية، يكون دور الأميركيين فيه القضاء على أدولف هتلر الذي يتلقى مئات الرصاصات في جسده في صالة سينما تملكها امرأة يهودية في باريس. صورة لها دلالة ساخرة من النهج الذي اتبعته السينما الأميركية.

"كايروكي" تستعير تقنية كتابة التاريخ الموازي من تارانتينو للتعبير عن رغبتها في إعادة كتابة التاريخ على طريقتها، لتعالج بهذه التقنية الثغرات التي تجعل مكانة الفرقة ضائعة بين الخاص والعام؛ لترسم مكانتها بنفسها كما يحلو لها. كلمات الأغنية تبدو أشبه بكلمات أغاني راب العصابات، الأنا فيها تتضخم كثيراً، وإن كان الخصم مجهولاً وغير محدد بدقة.

الاسم الثالث في العناوين الرئيسية هو جوني كاش، مغني الكانتري والروك أند رول الأميركي الذي اشتهر بلباسه الأسود وشخصيته المتمردة. وهي الشخصية التي يبدو حضورها نظرياً أكثر منطقية، بالإضافة إلى الاسم الرابع بين العناوين؛ وهو روبيرتو باجيو، لاعب كرة القدم الإيطالي، الذي عاصرته الفرقة.

وفي الأغنية التي تحمل اسم باجيو ترد العديد من الأسماء الأخرى، وهي: مارادونا، وسلمى حايك، وتشي غيفارا، ومحمد علي كلاي وشخصية توني مونتانا التي جسدها آل باتشينو في فيلم Scarface. وبمعاينة الأسماء، نلاحظ غياب الأسماء العربية عن القائمة، وحتى الأسماء التي لها أصول عربية، مثل سلمى حايك التي لم تحضر سوى لأنها كُرّست في الغرب.

ذلك يضعنا أمام تساؤل عن المرجعيات الثقافية التي تصدرها "كايروكي" عن نفسها في الألبوم؛ فهي بهذه الصورة ابتعدت أكثر عن الشارع المصري والعربي عموماً، إذ لم يعد الأمر يتعلق بابتعادها عن روح الثورة وهموم الشارع العامة نحو المشاعر الخاصة فقط، بل بات يتعلق بانسلاخ الفرقة بشكل كامل عن البيئة التي تنتمي إليها. فهل يمكن إضافة صورة "كايروكي" إلى جانب الأسماء المذكورة، من دون أن يُعلّق على حائط الغرفة أي اسم عربي، لا في السينما ولا الموسيقى ولا الرياضة؟ ولا حتى اسم أم كلثوم، التي استعارت "كايروكي" صوتها بأغنية "كان لك معايا"؟

في أغنية "كوستاريكا" تعبّر الفرقة عن رغبتها في الحياة بمكان أبسط وأسهل، وقد يكون بذلك حجة للأمر، لكنها حجة ضعيفة كما هي الأغنية التي يمكن الإشارة إليها بوصفها أضعف أغاني الألبوم. وفي المقابل، فإن أفضل أغنية في الألبوم هي أغنية الرئيسية "روما"، التي تعبّر عن الصراع بين شخصية أمير عيد القديمة؛ الشخصية الثورية التي يحنّ إليها الجمهور غالباً، وبين شخصيته الجديدة الأكثر ميلاً للسلم والرحيل إلى مكان تكون فيه الحياة أسهل؛ فالأغنية تعبّر بأفضل شكل عن شخصية "كايروكي" الجديدة التي تحاول التحرر من ثقل الماضي.

المساهمون