"حبّ سيلفي": مُساعدة المتفرّج على التماهي بالشخصيات

27 سبتمبر 2021
تيسّا تومبسون: موضة مرحلة (أكسل/ باور ـ غريفن/ FilmMagic)
+ الخط -

 

تنتظر الشابة سيلفي (تيسّا تومبسون) شخصاً مُهمّاً ليحضر معها حفلة موسيقية. ترتدي ثوباً من موضة المرحلة، ولوناً مُميّزاً يبرز بين باقي الألوان الداكنة، في زحام باب قاعة الحفلات. فجأة، يخرج شخص من العدم، ويجعل الماضي البعيد ينبعث مجدّداً.

"حبّ سيلفي (Sylvie's Love)"، أول روائي طويل (2020) ليوجين آش إخراجاً وكتابة، مبنيّ بحرفيّة كبيرة. يرجع السرد إلى ذلك الماضي لتوضيحه من البداية، بدلاً من استخدام تقنية الـ"فلاش باك" كذهابٍ وإيابٍ بين الماضي والحاضر. عازف ساكسفون في بار "المغرب الأزرق" يقع في حبٍّ يجعل عزفه أرقى. يمثّل الفيلم نموذجاً جديداً لتزايد حضور أقليات المجتمع الأميركي في الأفلام. حضورٌ ذو صورة إيجابية منذ انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية (2009 ـ 2017). يستمر هذا بعد هزيمة اليميني دونالد ترامب (2017 ـ 2021).

تجري الأحداث في حي هارلم، موطن صعود الثقافة الأفروأميركية والجاز في نيويورك، منتصف القرن الـ20. مكان وزمان يولِّدان سياقاً لشخصيات ذات لون مُحدّد، تسكن هناك. زمن توجّه السود إلى الموسيقى والرياضة لتحقيق ذواتهم. يضطرّ البيض للتعامل معهم، لتبرئة أنفسهم من العنصرية. يضطرّون ويتعاملون. لكنْ، تفلت تعليقات مَريرة، تكشف خبث صفقة التبييض.

استعاد الفيلم عوالم مرحلة، خاصة نغمات الساكسوفون، التي خلقت أجواء بهجة في علاقات الشخصيات. استعاد زمن انتشار التلفزة والثلاّجة. بفضل توفّر طعامٍ مُجمّد، حصلت النساء على وقت فراغ كبير لمُشاهدة التلفزيون فترة طويلة. بهذه الاسترجاعات، يظهر أنّ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا لُبّ السينما، لأنهما يوفّران محتوى تفترسه الكاميرا، ويتعمّق كلّما زُرِعت القصّة في سياق متميّز ودال.

يُشار غالباً إلى هذا السياق في الحوارات. لهذا فائدتان: أولاً، تخفيض كلفة التصوير. ثانياً، حماية الخطّ السردي من تشتّت المواضيع. الكاميرا تتبع شخصين فقط طيلة الوقت (114 دقيقة).

حاول يوجين آش، أسطرة لحظة حبّ لتخليدها. في "حبّ سيلفي"، ساعد الـ"كاستينغ" المُتفرّج على التماهي بالشخصيات. عبّرت تيسّا تومبسون عن مشاعر حبّ فائضة، رغم استخدامها مكياجاً يجعلها تبدو أصغر من سنّها، فيُصبح اندفاعها العاطفي مُبرَّراً. يتوقّع المجتمع من النساء أنْ يَكنّ حالمات أكثر، لأنّ الواقعية المفرطة بشعة.

 

 

للقصص الرومانسية الناجحة، التي تجري في الطبقات الشعبية، صدى عميق. تُعزّز فكرة أنّ الفقراء قمح الأرض وملحها، بينما الأغنياء يفتقدون المشاعر الصادقة، لأنّ المال يوفّر لهم وسائل تسلية بديلة، تُعفيهم من تحمّل الحرمان والأشواق الحارقة. الفيلم مبنيّ على سيناريو أنيق، فيه اقتصاد كبير. تنطلق الأحداث ببطء، كأنّها صدفة. ثم، ما كان يخضع للصدفة، يصير خاضعاً لتخطيط وهدف. تتوالى التفاصيل السوسيولوجية، التي تعزّز مصداقية السرد. في كلّ صورة ـ مشهد، جزء من الحكاية، المعروضة بشكلٍ تصاعدي: تجري الأحداث في زمن بدء حصار أميركا لكوبا. الجاز جزء من حركة فنية طليعية، منتصف القرن الـ20. موسيقى شعبية تُقوّض تقويضاً تاماً موسيقى النخبة وذوقها. صار السود والبيض يحضرون الحفلات معاً. أميركا تتغيّر.

للتأكيد على هذا التحوّل، وضع يوجين آش حبكة فرعية لصديقة البطلة، المناضلة من أجل الحقوق المدنيّة للسود. يبدو أنّ هذا موضوع حيوي حالياً بالنسبة إلى السينما الأميركية، لأنّ موقع "برايم فيديو" أطلق فيلماً جديداً عنه، بعنوان "ليلة في ميامي" (2021) لريجينا كينغ. يتخيّل الفيلم لقاء بين محمد علي ومالكوم إكس، يناقشان فيه دورهما في حركة الحقوق المدنية والثورة الثقافية التي شهدتها ستينيات القرن الـ20.

تجري أحداث "حبّ سيلفي" في زمن تحوّلات اجتماعية، صار فيه الزواج أقلّ استقراراً. لذلك، صار الحلم الفني والمهني أهم من الزواج وتشكيل أسرة بالنسبة إلى الحبيبين. يخضع الوقوع في الحبّ للصدفة. لكنّ تفضيل العزف على الارتباط العائلي خيار.

كيف تبدأ علاقة حبّ بين شابين يحبّان الفنّ نفسه؟ كيف نعرف أنّنا نُحبّ؟ متى تتكشّف حقائق القلب؟ حين نحدّد ما لا يمكن التخلّي عنه بالضبط. حين تسري نغمة عزف الحبيب في الروح.

امتلاك شخصين الذوق الفني نفسه في السينما والموسيقى يُسهِّل تفاهمهما. حين يكونان معاً، يوجد دائماً ما يُقال. ذلك يُقلِّل الزمن الميت بينهما. يصير الفن رابطاً عاطفياً في بيئة انقسامية، تُعرقل محاولات أيّ فرد للخروج من الدائرة التي ولد فيها.

يغذّي الذوق الواحد الحبّ بصداقة حقيقية. بدأ الحبّ حين كان الجاز موضة المرحلة. كانت الموسيقى وسيلة ترقٍّ واندماج اجتماعي. مرّت الأعوام، وتغيّر ذوق الجمهور، لكنّ الحبّ ظلّ صامداً، لأنّه حبّ لم يُخرّبه العناد المتبادل. اقتصادياً، هناك مشكلة. لم يحقّق ساكسوفون البطل ربحاً مالياً، لأنّ ذوق الجمهور تغيّر، بخلاف بيانو بطل "الكتاب الأخضر (Green Book)" لبيتر فاريلي (2019).

المساهمون