تحركت شركة تويتر، الجمعة، في مواجهة العرض المفاجئ لرئيس شركة تِسلا، إيلون ماسك، للاستحواذ على كامل أسهمها مقابل 43 مليار دولار أميركي، وأعلنت عن خطة تسمح للمساهمين بشراء أسهم إضافية. وأوضحت "تويتر" في بيان أنّ "خطة الاستحواذ على الحقوق ستقلل من احتمال سيطرة أي كيان أو شخص أو مجموعة على (تويتر) عبر مراكمة الأسهم المشتراة في السوق من دون دفع علاوة تحكم مناسبة لجميع المساهمين". ويعرف هذا التكتيك الدفاعي المعتاد في مواجهة عمليات الاستحواذ بـ"الحبة السامة".
وعرض ماسك، الذي استحوذ أخيراً على 9.2 في المائة من رأسمال "تويتر"، شراء كامل الشركة بـ54.20 دولاراً للسهم الواحد والخروج من بورصة وول ستريت، وهو طرح أكدت الشبكة الاجتماعية أنها "ستدرسه بعناية". وفي وثيقة أرسلها إلى هيئة مراقبة البورصة الأميركية، أوضح ماسك أن هذا العرض هو "الأفضل والنهائي"، مهدداً بأنه في حال الرفض فإنه "سيعيد النظر في موقعه مساهماً" في الشبكة الاجتماعية.
وفي رسالة موجهة إلى رئيس مجلس إدارة "تويتر" بريت تايلور، أكد ماسك أنه استثمر في المنصة بسبب دورها المحوري في "حرية التعبير حول العالم"، ما يشكل برأيه "موجباً اجتماعياً للنظم الديمقراطية الفاعلة". وأضاف: "لكن، منذ قمت باستثماري، أدركت أنّ الشركة لا تزدهر ولا تفي بواجبها الاجتماعي بشكلها الحالي"، مقترحاً سحب "تويتر" من بورصة نيويورك، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس.
وقالت مصادر مطلعة لوكالة رويترز، الجمعة، إنّ شركة توما برافو أبلغت "تويتر" أنّها تستكشف إمكانية تقديم عرض. غير أنّ المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لأنّ الأمر سري، ذكرت أنّه ليس من الواضح حجم العرض الذي يمكن أن تقدمه "توما برافو"، كما أنّه ليس مؤكداً إن كان مثل هذا العرض المنافس سيخرج إلى النور. وتثير هذه الخطوة شبح تنافس المزيد من شركات الاستثمار المباشر على "تويتر".
ووفقاً لشركة بريكين المزودة للبيانات، يمتلك قطاع شركات الاستثمار المباشر نحو 1.8 تريليون دولار من السيولة. وعلى عكس المجموعات التكنولوجية الكبرى، لن تواجه معظم شركات الاستثمار المباشر قيوداً تتعلق بمكافحة الاحتكار عند الاستحواذ على "تويتر". ولا يزال من الممكن أن تعزز شركة استثمار مباشر عرض ماسك عبر الشراكة معه بدلاً من منافسته. وقالت مصادر في القطاع إن انتقادات ماسك لاعتماد "تويتر" على الإعلانات في معظم إيراداتها جعلت بعض شركات الأسهم الخاصة تتخوف من التعاون معه.
وتتمتع "تويتر" بسيولة تتجاوز 6 مليارات دولار في ميزانيتها العمومية، وتقترب تدفقاتها النقدية السنوية من 700 مليون دولار، ما يوفر بعض الراحة للمصارف التي تفكر في تقديم قروض لدعم الصفقة. مع ذلك، قد تكون عملية الاستحواذ على "تويتر" اعتماداً على الاستدانة هي الأكبر على الإطلاق، ما قد يتطلب تعاون شركات الاستحواذ وغيرها من المستثمرين من كبار المؤسسات.
وقال ماسك، الخميس، إنّ مساهمي "تويتر" يجب أن يكون لهم رأي في عرضه، ونشر استطلاعاً عبر المنصة اتفق فيه معظم المستخدمين معه. وتراجعت أسهم الشركة في اليوم نفسه، ما يشير إلى أن معظم المستثمرين يتوقعون أن يرفض مجلس الإدارة عرض ماسك باعتباره غير كافٍ. وأثار العرض المفاجئ لماسك موجة من القلق على الشبكة، إذ أعرب عدد كبير من المستخدمين والمراقبين عن قلقهم من فكرة تحكم رجل الأعمال المشاكس بالمنصة.
وقالت رائدة الأعمال كارول روث، لـ"فرانس برس": "إذا استحوذ إيلون ماسك على تويتر فسأغادر الشبكة. شعار جديد حلّ محلّ إذا فاز ترامب بالرئاسة سأرحل إلى كندا".
ويرغب الرجل الأغنى في العالم بالاستحواذ على "تويتر" لجعل المنصة حصناً لحرية التعبير، بحسب قوله. ويعتبر أنّ الإشراف على المحتوى مبالغ فيه، وينبغي من منطلق الديمقراطية فرض قيود أقل على المستخدمين. وقال في اجتماع عقد الخميس إنّ "تويتر أصبح في الواقع بمثابة المكان العام. لذلك، من المهمّ جداً أن يشعر الناس بأنهم يستطيعون التحدث بحرية عبره ضمن حدود القانون وأن تكون لهم القدرة على ذلك".
ولم يتطرق إلى قضية منع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في يناير/كانون الثاني 2021، بعد تحذيرات عدة وحذف تغريدات ومقتل عدد من الأشخاص في اقتحام مبنى الكابيتول، من استخدام المنصات الإلكترونية الكبرى، بسبب تحريضه مناصريه على العنف. وتابع رجل الأعمال: "أعتقد أنّ علينا أن نكون شديدي الحذر قبل حذف التغريدات وفرض محظورات دائمة، ويستحسن أن تكون هذه المحظورات مؤقتة.
وتثير مقاربة ماسك هذه إعجاب اليمين الأميركي المحافظ وأطراف آخرين خارج الولايات المتحدة. ويعتبر نايجل فاراج، أحد قادة الحملة البريطانية المؤيدة لـ"بريكست"، أنّ اهتمام إيلون ماسك بـ"تويتر" يمثل "أفضل خبر لحرية التعبير منذ سنوات". لكنّ عدداً كبيراً من المدافعين عن حقوق الإنسان والنواب الديمقراطيين يعتبرون أنّ على "تويتر"، كـ"فيسبوك" و"يوتيوب"، أن يحدّ بشكل أفضل من التضليل ونظريات المؤامرة والتعصب والكراهية.
وقالت المسؤولة في منظمة فري برس غير الحكومية جيسيكا غونزاليز، في بيان لـ"فرانس برس"، إنّ "إيلون ماسك نفسه استخدم تويتر ومنصات أخرى لمهاجمة آخرين وإسكاتهم. ونشر معلومات مضللة عن جائحة كوفيد-19 واللقاحات المرتبطة بها. استخدم المنصة للتلاعب بالأسواق وزيادة ثروته الكبيرة أصلاً". وأضافت: "ينبغي ألّا يكون مستخدمو مواقع التواصل تحت رحمة أهواء أصحاب المليارات المغرورين والمنفصلين عن الواقع".
وأشارت مقالات صحافية عدة إلى أنّ هذه الرغبة في تقليص الإشراف على المحادثات تقلق كذلك موظفي "تويتر". فشركة تسلا ليست معروفة فقط بنجاحها وأرباحها، بل إنّ مصنعها الواقع في مدينة فيرمونت، وتحديداً في سيليكون فالي، يواجه دعاوى قضائية بشأن مضايقات وتمييز عنصري ممنهج.
وقالت مديرة منظمة فايت فور ذا فيوتشر غير الحكومية، التي تدافع عن الحقوق الرقمية ومن ضمنها حرية التعبير، إيفان غرير، إنّ "ملايين الأشخاص ومن أبرزهم الصحافيون والفنانون والناشطون يعتمدون على هذه المنصة لإنجاز عملهم". وأضافت متحدثة لـ "فرانس برس" أنّ "قلقنا من فكرة شراء الشبكة من شخص كإيلون ماسك يظهر أنّ ثمة مشكلة أساسية تتمثل في أنّ عدداً قليلاً من الشركات يتمتع بسلطة كبيرة جداً".
وتثير العملية المالية أسئلة في شأن السلطة المتراكمة لدى شركات التكنولوجيا الكبرى. ومنذ سنوات، يدعو عدد كبير من النواب الأميركيين المنتخبين من كلا الجانبين إلى تنظيم المنصات بشكل أفضل، خصوصاً لتحقيق مزيد من المنافسة، من دون الاتفاق على حلول.
وقالت المتخصصة في الإعلام باركر مولوي بسخرية إنّ "امتلاك الشركة بأكملها من شخص واحد فكرة مثالية لتحرير الناس من الدولة المركزية ومن السيطرة الرأسمالية". ولاحظ المستثمر فريد ويلسون أنّ "العكس ينبغي أن يتحقق". وقال للوكالة الفرنسية إن "على تويتر أن يكون منصة لامركزية".
ويرغب إيلون ماسك في جعل المنصة شركة خاصة غير مدرجة في البورصة، ما يجنبها تالياً أكثر فأكثر أي سيطرة خارجية. ولم ينج التناقض بين نياته المعلنة وأسلوبه من انتقادات بعض الخبراء. وقالت الباحثة في مرصد ستانفورد للإنترنت رينيه ديريستا: "سأشتري المكان العام وأخصخصه من أجل إنقاذه! حاولوا أن تقولوا هذه الجملة بصوت مرتفع، وستلاحظون أنّها غير منطقية".