في عام 2014، اقتحمت شرطة استوكهولم مقر موقع "خليج القرصان" (The Pirate Bay) الشهير، وتمت حينها مصادرة الخوادم (Servers)، وجرى إغلاق الموقع. وقبلها، في عام 2009، اعتُقل مؤسساه وتعرضا للسجن لمدة عام، ودفعا وغرامة ماليّة. هذه الحرب على "القراصنة" و"هكرجية" الأفلام والمسلسلات والموسيقى، تحقق انتصاراً مؤلماً هذا العام، إذ تم منذ بضعة أيام إغلاق موقع popcorn time، المنصة المجانية التي أتاحت لكثيرين مشاهدة مئات الأفلام والمسلسلات مجاناً، وشكلت في الوقت ذاته عدواً مرعباً لمنصات البث كنتفليكس وHBO.
الموقع، الذي أسس عام 2014، شكل معضلة قانونية بداية، كونه لم يقم بنفسه باستضافة المواد التي تنتهك الملكية الإبداعية، بل وفّر الروابط للوصول إليها، كحالة غوغل نفسه. بالطبع، استشاطت شركات الإنتاج غضباً وعملت على إغلاقه، ناهيك عن التهديد بفرض الغرامات المالية الكبيرة على من يستخدمه، كما في أوروبا مثلاً، في حين أن العالم العربي مثلاً لا يعرف هذا النوع من "التهديد" بسبب غياب قوانين الحماية الفكرية.
ودع الموقع والتطبيق متابعيه ومشتركيه بعبارة RIP، في دلالة على موته أو نهايته. ويقال إن أحد الأسباب هو انتشار منصات الأفلام والمسلسلات بشكل كبير، بجودة أفضل ومن دون إعلانات، والأهم بسرعة تحميل أكبر، كون نموذج عمل "بوب كورن" يشابه نموذج عمل أي موقع torrent، كلما ازداد عدد المستخدمين والمشاركين، ازدادت السرعة وإمكانية المشاهدة، وهذا ما لا تعتمده المنصات التي توفر محتواها بأسعار رمزية. الملفت أن البعض لخص سبب الإغلاق بعبارة واحدة "قلة الاستخدام"، في حين هناك إشارات إلى تدخل السلطات في إغلاقه.
حافظ مطورو الموقع والتطبيق على علنية ما استخدموه من كودات، وتركوها مباحة مجاناً لكل من يريد أن يطور على الموقع، أو يحاول تفادي الأخطاء السابقة. ولا يمكننا هنا إلا الإعجاب بعوالم القراصنة من هذا النوع، الذين يسعون لتوفير المحتوى مجاناً للجميع، مانعين المنصات وشركات الإنتاج من مراكمة الربح. بالطبع، هذه المشاعر تتحول إلى جريمة في حال تم تطبيقها واقعياً، ناهيك عن أن التجريم يطاول حتى مستخدمي المحتوى المُقرصن، وليس فقط المسؤولين عن نشره، ما يعني أن المستهلك نفسه قد يتحول إلى مذنب، فذاته الشخص الذي يستهدفه الفيلم أو المسلسل قد يصبح "مجرماً" في حال لم يشاهد ما يعرض عبر "القنوات القانونيّة".
لا يمكن إنكار فضل وأهمية "بوب كورن تايم" على كثيرين، سواء المشاهدين الجديين، أو من يريدون تمضية الوقت، خصوصاً أن انتشار منصات البث وتوزيع المحتوى ضمنها، جعلها تشبه التزاماً مالياً شهرياً، كفاتورة الماء والكهرباء، إذ لم يعد يكفي الاشتراك بمنصة واحدة، بل لا بد من متابعتها جميعاً، وتتبع كل فيلم أو مسلسل لمعرفة أين يبث، لنرى أنفسنا في النهاية ندفع ما يقارب الـ70 دولاراً شهرياً كي نتمكن من مشاهدة ما نريد، في حين أن "بوب كورن تايم" وفر لنا نافذة واحدة تحوي "كل شيء".
ندافع هنا عن المشاهد/ المستهلك حصراً، فمن حقه أن يشاهد ما يراه بأي طريقة يراها مناسبة، خصوصاً أن القانون وشركات الإنتاج أصبحت تحمله المسؤولية بشكل شخصي، ولا تكتفي بملاحقة القراصنة، وهو الأمر الذي يبدو فشلاً أو تقصيراً من قبل صناعة الترفيه نفسها، فحربهم مع القراصنة، وليست مع المستهلكين والغافلين.
لا بد أن نذكر أيضاً أن هناك جمهوراً واسعاً لا يتاح له الاشتراك في المنصات المختلفة، ولا تصل الأفلام إليه، فما الحل في هذه الحالة؟ نسخر هنا كوننا لا نمتلك حلاً، لكننا ننتصر، ولو بصورة أناراكية، لحرية تبادل ونشر المعلومات والمحتوى للجميع، خصوصاً أن الحرب ضد القراصنة أسبابها اقتصادية خالصة، ولا تُعنى حقيقةً بحقوق الفنانين والكتاب والمؤدين، بل تهتم فقط بالربح في كل مرة يبث أو يعرض فيها الفيلم أو المسلسل.