بدأت مدينة وجدة المغربية الأربعاء احتفالها بكرنفال شعبي خاص، يطلق عليه أهلها اسم "الناير" الذي يمثل يوماً للبهجة والتفاؤل باستقبال سنة فلاحية جديدة تمتلئ بالخير والنماء وكثرة المحاصيل.
مع حلول يناير/كانون الثاني من كل سنة، تمتلئ دكاكين ومحلات سوق المدينة القديمة في وجدة بأطنان من الفواكه المجففة والحلويات والشوكولاتة، وتتزين بالأضواء ومختلف أشكال الزينة، استعداداً لبدء الاحتفال باليوم الثاني عشر والثالث عشر من الشهر، وتستمر بعض طقوسه إلى نهايته.
وتحكي الجدة أم عصام عن "الناير"، فتقول إنها مناسبة قديمة وضعها الفلاحون الأمازيغيون عيداً للسنة الفلاحية أو عيد الأرض لديهم، وترمز إلى حبهم وتمسكهم، عبر التاريخ، بأرضهم التي دافعوا عنها وصانوها من كل عدو، وتوارثها الوجديون (أهل وجدة) حتى يومنا هذا.
وتشير إلى أن "الناير" عيد الفواكه المجففة بامتياز، إذ تبدأ الأسرة التحضير له بشراء كميات من الفواكه المجففة ذات النواة، من لوز وفستق وجوز وفول سوداني وبندق وقسطل، وكلها أنواع مشهورة عند الوجديين، إضافة إلى الحلويات المصنعة والشوكولاتة مع التمر والتين والبرقوق والمشمش المجفف، تضاف إليها فواكه طرية منها الأناناس.
وتشرح فاطنة بن محمد كيفية الاحتفال، فتقول إن العائلة تجتمع في مساء اليوم الأول، وتبدأ الأم بتحضير العشاء المكون من طبق تقليدي شتوي يخص أهل المنطقة واسمه "الشرشم" الذي يُطبخ بحبوب القمح مع قطع من اللحم والفول اليابس والحمص والعدس والخضر من بصل وطماطم وبقدونس والبهارات. وكانت النساء قديماً، بعد الانتهاء من وجبة العشاء، يقمن برش قليل من الماء في "القصعة"، وهي وعاء كبير كان يوضع فيه "الشرشم"، وترمى البقايا المتبقية من "الشرشم" مع الماء على الأرض، لتأكل منه الطيور والحيوانات، تطلعاً نحو سنة فلاحية مزدهرة.
وتضيف أنه في اليوم الثاني تجتمع أيضاً العائلة مساء، ويكون في هذا اليوم الطبق الأبرز هو الدجاج البلدي مع الكسكس بسبع خضر، أي يطبخ مع سبعة أنواع من الخضر. وقديماً، كانت الأم تضع نواة تمر في الأكل، ومن يجدها يعتبر محظوظاً في تلك السنة، وفي بعض العائلات كانوا يحكمون عليه بدعوة لتناول الطعام في بيته.
وبعدها، يبدأ الاحتفال بـ"الناير"، فيؤتى بطبق كبير توضع فيه أنواع الفواكه المجففة من لوز وجوز وبندق من وفول سوداني وغير ذلك، مع الحلوى الاصطناعية وفاكهة الأناناس وحلوى الكوك المغربية، مصحوبة بالشاي.
تلتف العائلة حول هذا الطبق، وتبدأ ربة البيت بتوزيع "الناير" على الكبار والصغار، ويأخذ كل واحد حصته. وكانت الجدات قديماً يصنعن أكياس من القماش ليضع فيها الصغار حصصهم، وكان الأطفال لا يستهلكون حصتهم بسرعة، فيخزنونها بأكياس، ويعلقونها على صدورهم، ليخرجوا بها صباحاً متباهين.
وقالت رحمة، من وجدة، إن الناير عيد الأطفال الصغار أيضاً بما تحضره لهم الأمهات صبيحة اليوم الموالي، وهي عادة بدأت تندثر مع اندثار الأفران التقليدية حيث كانت النسوة قديماً يحضرن عجنات صغيرة يسميها أهل المدينة "الكُرْصات"، بدقيق يضاف إليه سكر وبعض توابل الحلوى، ثم توضع وسطها بيضة وتزين بقطع صغيرة من مختلف أنواع الفواكه الجافة، قبل غرسها على وجه "الكُرْصَة" التي تطهى في فرن الحومة (الفرن الشعبي)، إلى جانب حلويات من صنع محلي كالـ"قريشلات".
وخلال جولة على دكاكين السوق القديمة، قال التاجر بوشعيب إن حركة البيع تراجعت خلال السنوات الأخيرة، وحتى قبل أزمة فيروس كورونا، فبعض الزبائن كانوا يشترون بمبالغ تتراوح بين ألفين و3 آلاف درهم (الدرهم المغربي نحو 0.11 دولار أميركي) في "قفة الناير"، الآن أصبحت قيمة مشترياتهم لا تتجاوز الـ300 درهم. لكن يبقى دائما الاهتمام بهذا العيد لدى معظم السكان ضروريا لا يمكنهم الاستغناء عنه، ولو بتكلفة قليلة.
وقالت واحدة من الزبونات التي كانت تشتري الفواكه المجففة للمناسبة إنه مع الأسف لم تبق العادات والتقاليد كما كانت، وأضافت أن "هذه العادة أصبحت شبه مفقودة، ولم يعد الاهتمام بالجار كما كان قديماً".