"العرّاب" بعد 50 عاماً: جدل سينفيليّ غربيّ وقلق نقدي من تحنيطه

06 مارس 2022
صدر الجزء الأول من الفيلم عام 1972 (بيتمان/Getty)
+ الخط -

تفاصيل كثيرة من حكاية "العرّاب" (1972)، لفرنسيس فورد كوبولا، معروفة، يتعلّق معظمها بكيفية إنجازه، وانفضاض مخرجين عن مشروع "باراماونت"، المستلّ من رواية ماريو بوزيو، الصادرة عام 1969. هناك العوائق الموضوعة أمام كوبولا، الذي سيبلغ عامه الـ32 عند إطلاق عرضه الافتتاحي الأول في نيويورك في 15 مارس/آذار 1972. أبرز تلك العوائق يتمثّل برفض الشركة الهوليوودية تأدية مارلون براندو وآل باتشينو دوري دون فيتو كورليوني وابنه الأصغر مايكل: الأول بسبب صيته السيئ في العمل، وإثارته الدائمة لمشاكل مختلفة، ونقمته على هوليوود، واستيائه الحاد من مخرجين عديدين؛ والثاني بسبب صغر سنّه، وعدم بلوغه حينها مرتبة النجومية.

إصرار كوبولا غالبٌ، والفيلم "يصنع ثورة في صناعة الأفلام، ويُنقِذ "باراماونت" بيكتشرز"، ويُطلق جيلاً جديداً من نجوم السينما، ويمنح مؤلِّفه (بوزيو) المكافح ثروةً وشهرةً، ويُشعِل حرباً بين أقوى قوّتين في أميركا: حيتان هوليوود والمافيا"، كما يرى الأميركي مارك سِيل في مؤلّفه الجديد Leave The Gun, Take The Cannoli (ترجمة العنوان إلى اللغة العربية تُفقده جمالية محتواه)، المُرفق بعنوان إضافي: "القصّة الملحمية للـ"ماكينغ أوف" للعرّاب" (منشورات Gallery Books، الطبعة الأولى، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021، 448 صفحة). "كوزا نوسترا"، المافيا الصقلية، تجهد في منع الشركة وصانعي "العرّاب" من استخدام اسمها. يُقال إنّ لها عيوناً تتابع عن كثب يوميات التصوير، وإنّ الجزء الأول، بالنسبة إليها، غير واقعي في كيفية تقديم الشخصيات المافياوية.

بعد نصف قرنٍ، يُعرض "العرّاب" في صالات غربية وعربية بنسخة مُرمَّمة، يشتغل عليها كوبولا وقتاً طويلاً، "مُنقّحاً" النسخة الأصلية (إلغاء لقطات قليلة جداً، إضافة مقطوعات موسيقية... إلخ.). هذا حاصلٌ في الثلاثية أيضاً، التي تصدر بنسخ "بلو ـ راي" (4K Ultra HD)، في 23 مارس/آذار الحالي عن "باراماونت/ESCD".

إطلاق عروض النسخة المُرمّمة يُثير سجالاً متواضعاً، تتلقّفه المجلة السينمائية الفرنسية "بروميير" في عددها الأخير (مارس/آذار 2022). الـ"سينفيلية" الجديدة ترى الثلاثية كـ"آثار في متحفٍ"، والسلسلة الوثائقية ـ المعنيّة بـ"ماكينغ أوف" خاص بكواليس إنجازها ـ "تريد تحنيطها"، بينما يتمنّى كثيرون أنّ يمرّ الاحتفال بذكرى 50 عاماً على ولادتها "بهدوء". المجلة ترصد سجالاً، يبدأ بتساؤل يمزج السخرية بالدهشة: "أتقول عن نفسك إنّك "سينفيليّ"، وأنتَ غير مُشاهِدٍ العرّاب؟" تساؤل مُتَداوَل بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد إعلانِ شابٍ، يصف نفسه بالـ"سينفيليّ"، على "تويتر"، أنّه لم يُشاهد العمل الكلاسيكي لكوبولا أبداً.

الصحافي الفرنسي فريدريك فوبير (بروميير) يكتب أنّ إعلاناً كهذا يؤدّي إلى "جدلٍ جزئيّ"، يُشبه كثيراً كلّ جدل جزئي تشهده "تويتر"، مُعتبراً أنّه "قصصيٌّ تماماً، وكاشفٌ بعمق". الجدل الجزئي يُكثّف حدثاً ويختصر مضمونه، كاشفاً ـ في الوقت نفسه ـ طبيعة اللحظة، ونبض الواقع، وآليات التفكير، وانتماءات المشاركين فيه، اجتماعياً وثقافياً ومعرفياً. الحاصل بخصوص "العرّاب" يتمثّل بالتالي: أصبح الفيلمُ قديماً، (لكنّه) كلاسيكي تجدر مُشاهَدته لاكتمال صفة الـ"سينفيليّ". بهذا، يُصبح "العرّاب" ما كان عليه L’Aurore للألماني فريدريش فيلهالم مورناو (1927) بالنسبة إلى السينفيليين في سبعينيات القرن الـ20، و"المواطن كاين" (1941) للأميركي أورسون ويلز بالنسبة إلى السينفيليين في تسعينياته.

"في تلك الفترة، كان "العرّاب"، قبل كلّ شيء، "سوبر فيلم" يُشاهَد ليلة سبت، ولا يتمتّع باحترامٍ أكثر من ذلك"، كما في تعليق فوبير، الذي يستعيد وصفاً للفرنسي فرنسوا تروفو، في "الليلة الأميركية" (1973)، يقول إنّ عمل كوبولا هذا "فيلم إمبريالي بامتياز، يشهد إقبالاً كبيراً، ويحتكر الصالات على حساب الأفلام الأكثر هشاشةً" (248 مليوناً و720 ألفاً و681 دولاراً أميركياً إيرادات دولية، بحسب القيمة المالية للدولار حينها، في مقابل ميزانية إنتاج تبلغ 6 ملايين ونصف مليون دولار أميركي فقط). اليوم، يُقال هذا عن "سريع وغاضب"، سلسلة أفلام منطلقةٌ عام 2001، بتوقيع روب كُوِن (عام 2021، يُنجز جاستن لين الفيلم الـ9 منها)، التي تبلغ إيراداتها الدولية 6 مليارات و617 مليوناً و941 ألفاً و153 دولاراً أميركياً. فوبير يتذكّر الجملة المشهورة لتروفو نفسه: "ذات يوم، سيُقيِّم أفلامَنا أناسٌ لم يُشاهدوا تُحفة مورناو"، مُكمِلاً تعليقه بسخرية مبطّنة: "ذات يوم، سيُقيّم أفلامنا (مُغرّدون) (على "تويتر") لم يُشاهدوا (عرّاب) كوبولا".

نجوم وفن
التحديثات الحية

إزاء لحظةٍ كهذه، يرى متابعون غربيّون أنّ الحاصل ليس خَطِراً، فإعادة إطلاق العروض التجارية لـ"العرّاب"، بنسخته المُرمّمة، تسمح للسينفيليين الشباب، والأقلّ شباباً، بتناول "القربانة الأولى" (طقس كنسي مسيحي) مع هذه التُحفة التي "لا يخبو وهجها"، والتي تتناول بالضبط الحالة المذكورة أعلاه: العلاقة المُعقّدة بين الأجيال، أو ما يُسمّيه البعض بـ"صعوبة التسليم بينها". في المقابل، هناك من يُعبِّر عن قلقه، بسبب قرب موعد بثّ سلسلة "العرض (The Offer)"، المؤلّفة من 10 حلقات بإدارة المخرج البريطاني دكستر فلاتْشر، وكتابة الأميركي مايكل توكن (تُعرض على شاشة المنصّة الأميركية "باراماونت بلاس" بدءاً من 28 أبريل/نيسان 2022): "مهرجان مليء بالشَعر المستعار سمة السبعينيات، وشهوات جنسية محنّطة تُهدِّد (عرّابنا) المحبوب بالتحنيط النهائيّ"، كما يُردّد أباطرة الدفاع عن تُحفة كوبولا.

تتناول السلسلة، المأخوذ عنوانها من جملة مشهورة يقولها دون فيتو كورليوني وابنه مايكل بعده (سأقدّم له عرضاً لن يتمكّن من رفضه)، مرحلة التحضيرات المختلفة لـ"العرّاب"، من بدايته مشروعاً حتى إنجازه فيلماً، خاصّة "المعارك" الحاصلة بين أحد منتجيه، الكندي ألبرت أس رَدِي، والمافيا. سلسلة يُتوقّع أن تكشف بعض المخبّأ، عبر سرد وقائع ومرويّات وشهادات.

المساهمون