يعمل المخرج التلفزيوني المغربي الشاب، محمّد أمين مونة، في مسلسله "السر القديم" (2021) الذي يُعرض حالياً على القناة الأولى في المغرب، على استخدام صورٍ تبدو منذ مُنطلقاتها الأولى مُتصدّعة، ولا علاقة تربطها بجماليّات النصّ.
ثمّة آلاف المسلسلات تناولت موضوع الأسرة، من زوايا نظرٍ مختلفة ومُتباينة على مستوى المُعالجة. إنّ التهافت الكبير على المواضيع الاجتماعية، تتحكّم فيه شروط بعيدة عن كلّ ما هو جماليّ، لصالح أبعادٍ تجارية محضة، تكمن في استهداف نوعية المُشاهد الذي يقبل بشراهة عليها.
لا جديد يُذكر في المسلسل، كباقي الأعمال الفنّية التي يعرضها التلفزيون الرسميّ؛ إذْ رغم إنتاجاته الغزيرة، لم يعُد هذا الجهاز يقوى على إنتاج عملٍ تلفزيوني واحدٍ ناجحٍ في السنة؛ لأنّ أغلب لجان قراءة المسلسلات والأفلام التلفزيونية، تدخل في عملية تواطؤ مع بعض المخرجين، فيكون قبول المشروع أشبه بغنيمةٍ يتقاسمها الطرفان.
غير أنّ التأثير الذي مارسته الدراما التركية على التلفزيون المغربي، جعلته يبدو أمامها بمظهر الضعيف، في مواجهة ما تنضح به من جماليّات صورة وقصص وحكايات. لذلك، فإنّ المُتابع يجد المنتوج المغربي مُتأرجحاً بين عدم قدرته على اجتراح واقعي متخيّل، وأنماط صور مُستلبة من الدراما التركية؛ ما يجعل النصوص هشّة وغير قادرة على اختراق الواقع بكل مَشاكله ومطبّاته وأعطابه. رغم كثرة إكسيسوارات أجنبية وموسيقى طافحة بقوّة على سطح مَشاهد هذه المسلسلات، التي تُفاقم الترفيه والاستهلاك أكثر ممّا تمنح المُشاهد من فسحة عيشِ ولذة تأمّلٍ.
بيد أنّ "السر القديم" لمحمّد أمين مونة، لا يُمكن اعتباره نسخة عن الدراما التركية، لأنّ منطلقاته مغايرة وتُحاول في كل مشهدٍ خلق تواشجٍ بصريّ مع واقع مغربي محض. على خلفية حكاية رجلٍ (عبد الإله عاجل) يُساعد امرأة (فاطمة الزهراء بناصر) غريبة أرادت التخلّص من طفلها حتّى لا يُنقل خبر ذلك إلى عائلتها. لكنّها سرعان ما قرّرت الهرب وترك الطفل. ومع الحلقات المتتالية بدأت معالم النصّ تختلف وتتلوّن بموضوعاتٍ كثيرة متشعّبة. إلاّ أنّ مدارها يبقَ مُتّصلاً بالأسرة المغربيّة. إذْ رغم جماليّات الفكرة وقوّة دلالاتها داخل الاجتماع المغربي، إلاّ أنّ الإمساك بتلابيبها بقي ضعيفاً لسبب واحدٍ، يتمثّل في اندثار "الفكرة الأصل"، حيث بدت وكأنّها غائبة وتتلاطم في منتصف المسلسل مع أحداثٍ أخرى لا علاقة لها بالحلقة الأولى.
مفهوم الحكاية في "السر القديم"، أشبه بأخطبوطٍ يكتسح كل ما هو بصريّ
الحقيقة أنّ جودة نصّ "السر القديم" الذي اختارته القناة ليكون مدخلاً لبرمجتها السنوية، ظلّت حكايته تُوجّه عنصر الصورة، وتجعلها تابعة لها على مستوى الموضوع والنسق والتخييل، بطريقة تجعل عمل المخرج سهلاً، وغير قادرٍ على التجديد أو حتّى التصنّع.
إنّ مفهوم الحكاية في "السر القديم"، أشبه بأخطبوطٍ يكتسح كل ما هو بصريّ. لأنّ قوةّ النصّ ودلالته، ومدى تأثيرها في ذهنية مجتمعٍ مُركّبٍ كالمغرب؛ تجعل الصورة التلفزيونية تُحاكي النصّ، وتنقل نتوءاته الواقعية، من دون أيّ ابتكارٍ أو تجديد. كل شيء بسيط في "السر القديم"، من كاستينغ وتصوير وإكسسوار. ذلك أنّ نسبة المُشاهدات العالية التي حقّقها المسلسل، جعلت القناة الأولى تروم إلى تكثيف عرضه (4 حلقات) أسبوعياً. كما أنّ حضور وجوه معروفة داخل العمل، ساهم في ذيوعه وتأثيره على مخيّلة المُشاهد المغربي. لذلك، فإنّ اعتماد محمّد أمين مونة على الدراما الاجتماعية سبيلاً "للتخييل"، راجع بالأساس إلى عامل الإقبال على هذا اللون الدراميّ؛ إذ يتجمهر المغاربة كل مساء أمام شاشاتهم لمُتابعة هذا النوع من المسلسلات.
رغم أنّ هذا الأمر، لا تتحكّم في صناعته عوامل جماليّة، بل حدس المخرج بضرورة تمويه المُشاهد عن طريقة تسلسل الحكاية وعنصر التشويق داخل الأحداث. وإنْ كان ذلك يبدو كلاسيكياً، مقارنة بما نُعاينه داخل مسلسلاتٍ إسبانية وفرنسيّة أميركيّة.