دخلت الحملة الانتخابية التي يخوضها مرشحو الأحزاب السياسية المغربية للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، المقررة اليوم الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول 2021، مراحلها الحاسمة، في ظل إقبال متزايد لتلك الأحزاب على مواقع التواصل الاجتماعي في حملاتها الانتخابية لاستقطاب واستمالة الناخبين للتصويت لصالحها.
في وقت فرض فيه فيروس كورونا سطوته على الحملات الانتخابية المغربية 2021، من خلال اشتراط السلطات العديد من الإجراءات الاحترازية، كان لافتًا لجوء العديد من الأحزاب المشاركة في الانتخابات المغربية 2021 إلى الاستثمار في الحملات الرقمية، سواء بوسائلها الخاصة أو عبر اللجوء لخدمات شركات متخصصة. وكانت وزارة الداخلية المغربية قد اشترطت على المرشحين للانتخابات عدم تجاوز عدد 25 شخصاً في التجمعات العمومية بالفضاءات المغلقة والمفتوحة، وعدم تنظيم تجمعات انتخابية بالفضاءات المفتوحة التي تعرف الاكتظاظ. كما منعت نصب خيام بالفضاءات العامة وتنظيم الولائم، وعدم تجاوز عدد 10 أشخاص كحد أقصى خلال الجولات الميدانية، و5 سيارات بالنسبة للقوافل مع ضرورة إشعار السلطة المحلية بتوقيت ومسار هذه الجولات والقوافل. وفي السياق ذاته، قررت الوزارة منع توزيع المنشورات على الناخبين بالشارع والفضاء العموميين وكذا بمقرات السكن، غير أنها أشارت إلى أنه يجوز للمرشحين وضع المناشير بأماكن تمكن رؤيتها والاطلاع على مضمونها مع تجنب توزيعها مباشرة بالأيدي.
ولمواجهة هذا الوضع الاستثنائي، كان لافتاً استثمار الأحزاب السياسية مواقع التواصل الاجتماعي في حملاتها الانتخابية لاستقطاب واستمالة الناخبين، بالرغم من تأكيد بعض المراقبين أن مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن الرهان عليها بشكل كبير، وتبقى وسيلة مكملة لأن الأحزاب المغربية لا تزال تعتمد على تأثير الصورة (التلفزيون والملصق الدعائي) والتواصل عن قرب بطرق الأبواب وأماكن العمل والشارع والمقاهي والأماكن العمومية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في المحمدية محمد زين الدين أن "الجائحة سرعت من لجوء الأحزاب مضطرة إلى الحملات الرقمية، ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، واتساب)، وأجبرتها على التعامل معها، والتقليل، بالمقابل، من التواصل الكلاسيكي الذي كان معتمداً في الحملات الانتخابية المغربية قبل الجائحة. كما كان للإجراءات الاحترازية التي فرضتها السلطات بخصوص تنظيم الحملات الانتخابية وتخوف المواطنين من الاتصال المباشر دور في دفع الأحزاب السياسية إلى اعتماد حملات رقمية".
وبحسب رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية جواد الشفدي، فإن "اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي في الدعاية الانتخابية في المغرب توجه عام بدأ ما قبل جائحة كورونا، إذ سجل وجود للأحزاب منذ فترة في تلك المواقع بهدف الوصول إلى فئات مهمة من الشباب الذين ينشطون على هذه الوسائط، وخاصة الفئة العمرية بين 18 و24 سنة"، لافتا إلى أن "أزمة كورونا أكدت هذا التوجه سواء في استهداف الشباب أو باقي فئات المواطنين". ويرى الشفدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في ظل الوضع الوبائي ستكون الوسائط الرقمية مرجحة لكفة الأحزاب السياسية التي ستوظف وجودها الرقمي بشكل جيد، لا سيما أن هذه الوسائط، خصوصاً "فيسبوك"، تتيح جملة من الإمكانيات من قبيل الإشهار (الإعلانات) وخاصية الاستهداف لفئات معينة من خلال معرفة اهتماماتها، وكذا تحديد الحيز الجغرافي التي توجد به الفئات المستهدفة".
ويشير إلى أن "الأحزاب التي تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي تنطلق من مقاربتين، الأولى ترتكز على الإعلان والثانية على المحتوى"، موضحًا أن "مقاربة هذا الاخير تقتضي من الحزب السياسي الذي يعتمدها أن يحقق تراكما مهما على مدى سنوات سابقة، وأن ينتج محتوى سياسيا جيدا، وهو أمر قد يعطي ترجيحا لمثل هذه الأحزاب التي تتوفر على قاعدة جماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي".
ولئن كانت الأحزاب المغربية المتنافسة قد اعتمدت في حملاتها الانتخابية على التواصل عن بعد أكثر من التواصل المادي المباشر عن طريق التجمعات الجماهيرية والجولات الميدانية وتوزيع المنشورات، إلا أن المتابعين للدعاية الانتخابية الممهدة لاقتراع الثامن من سبتمبر/ أيلول، ومن بينهم أستاذ العلوم السياسية محمد زين الدين، يرون أنّ "الحملات الرقمية طرحت إشكالات كبيرة بخصوص تمويل تلك الحملات، وعدم تناسبها بين أحزاب كبرى تمتلك إمكانيات مالية ضخمة وتستعين بشركات متخصصة وتخصص أموالا لحملات دعائية على المواقع الإلكترونية، وبين أحزاب صغرى لا تمتلك تلك الإمكانيات". ويلفت إلى أن "الإمكانيات المادية تلعب دورا هاما في مساعدة الأحزاب على استهداف شريحة هامة من الناخبين المتمثلة في فئة الشباب الذين يوجدون بكثرة على المنصات الرقمية، على خلاف الأحزاب السياسية التي لا تتوفر عليها، حيث يبقى انفتاحها على مواقع التواصل محدودا عبر ملصقات رقمية فقط".
ويبدو عدم تناسب الأحزاب في ما يخص الحملات الرقمية لافتاً من خلال المبالغ المخصصة لإعلانات الصفحات الرسمية للأحزاب السياسية منذ مارس/آذار الماضي. إلى حد الساعة، حيث تكشف الأرقام عن تخصيص حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الساعي إلى قيادة الحكومة القادمة، 252633 دولاراً، متبوعاً بحزب "الاستقلال" (أعرق الأحزاب المغربية) في المرتبة الثانية بمبلغ 26356 دولاراً، وصفحة رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش بـ10010 دولارات.
وبينما تظهر الإحصائيات إنفاق الفدرالية الوطنية للشبيبة التابعة لحزب "الأحرار" 8486 دولاراً، وحزب "الأصالة والمعاصرة"، أكبر حزب معارض وأحد المرشحين لتصدر الانتخابات المغربية 2021، 5377 دولاراً، وحزب "التقدم والاشتراكية 5080 دولاراً، اكتفى حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، بصرف 851 دولاراً على صفحته الرسمية، وأمين الحزب ورئيس الحكومة الحالية سعد الدين العثماني 138 دولاراً.
وفي ظل اختلاف نفقات الحملة الرقمية، يرى رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية أن "هناك حاجة إلى تحيين (تعديل) آليات المراقبة والضبط الخاصة بطرق وتبرير صرف التمويل المتعلق بالانتخابات المغربية 2021"، معتبرًا أن "هذا التحيين لا بد أن يشمل النصوص القانونية المنظمة حتى يتم تدارك هذه المتغيرات، لا سيما أن آليات المراقبة والضبط تقتصر على طرق التمويل الكلاسيكية مثل مصاريف البنزين، والطباعة وغيرها".
ويشدد رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية على "ضرورة وضع آليات جديدة لضبط تمويل الحملات الإشهارية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يفرض تحيين آليات الرقابة وتحيين دفتر التحملات المتعلق بطرق صرف أموال الحملات الانتخابية المغربية".