كما هو مُتوقّع، تصّدرت أغنية "البخت" للمغني المصري الشّهير بـ ويجز (أحمد علي، 23 عاماً) قائمة الأغاني المتداولة مباشرةً، كما تحوّلَ الحديث عنها إلى "ترند" لدى روّاد مواقع التّواصل الاجتماعي. لم يلعب ويجز هذه المرّة على وتر تحدّي الجمهور، ولا اعتماد أسلوب المخاطَب بكلّ استفزازيّته المعهودة، إنّما شهدنا عليه مدفوعاً بقوّة صوب نبرة الانكسار. وكأنّه ودّعَ تلك الأنا النّرجسيّة المُتشاوِفة، لصالح أنا جريحة. هل وقعَ نرسيس في البُحيرة فعلاً؟ وأيّ بُحيرة.. بحيرة الحبّ.
جرأة ويجز، التي ظلّت تسِم أعمالَه في السنوات السّابقة، أكثر ما تشبهُ الطّلقة العنيفة التي تمزّق وجه الرّكود. جُرأة مُتورّمة مُخادعة، لا تُقارب الصّدق إلا من باب "أعذبُهُ أكذبُه". هنا، لا يمكن تقديم ويجز جيليّاً، إلا بالقول إنّه مُحيِّر بين ما هو مراهق يستعجلُ زمانه، وشاب يطلبُ تأبيد القوة وديمومتها. لكنْ يبدو أن بُحيرة "البخت" فيها عوامل جذبٍ أقوى من هذا وذاك.
تتكلم الأغنية عن قصة حب غير واضحة ومشوهة المعالم، تُلامس مرحلة شرخ الشّباب، وتركز على الحالة العاطفية المُتقلّبة عندهم. أمّا من الناحية الموسيقية، فهي مُقتصدة، تحمل صيغة بوب مألوفة، في حين آثر صاحبُها أن يترك لمخيّلة الجمهور تصوّر القصة من خلف الكلمات، لذا لم يلجأ إلى تصويرها "كليباً". ما ذُكر، لا يكفي لتحليل أسباب انتشار أغنية "البخت"، أو حتى صعود ويجز كظاهرة كاريزماتيّة، في ظل تنافس محموم.
منذ بداية مشواره الفني، استغلّ ويجز عامل امتلاكه صوتاً يسبح بهدوء بين طبقات متوسطة، ويهبط في بعض الأحيان. يُفلت بعض النغمات بإرادته مع تدفّقات لجُمل "راب" متينة من حيث البناء اللّغوي الشوارعي، ومع أوتوتيون (مؤثر صوتي) لتحقيق حالة جمالية أكبر خلال الأداء. وفي ذات السّياق، فإنّ "ميكروسكوب" (الفرقة التي بدأ معها) والتعاون مع أعضائها، ساهم أيضاً بدفعه وإظهارِه بوصفه ظاهرة. علاوة على ذلك، تمسُّكه بثيمة الشّلة والأصدقاء المقرّبين، الذين يُشكّلون حوله نوعاً من أنواع "العَصبيّة". كذلك الإطار البيئي الذي ينتمي إليه، أي مدينة الإسكندرية، حي ورديان تحديداً، الذي سمى ألبومه الأول على اسمه. هذه الثنائية بين الحي والشلة تحضر عفوياً في أحاديثه ومقابلاته التي يُجريها.
شارك ويجز في عروض حية كثيرة حضرها الآلاف، وبين الاستراحات الإنتاجية كان يعيد تسجيل أغنية ناجحة كحالة "ساليني" للمحافظة على الاستمرار. كما أنّه دخل بقوة وثقة في مجال الإعلانات، وكذلك التمثيل، كمسلسل "بيمبو" والغناء في الأفلام، مُميّزاً كليباته بألوان مُلفتة مستخدمة في الإعلانات، مثل "كيفي كده"، أو الإعلانات نفسها مع أحمد مكي، وفي كليبات أُخرى تحمل ألوانا نيونية مهلوسة، وتلك محاولات لترضية جميع الأذواق، وإرضاء للهفة التجريب عنده. وهذه محاولة للغناء خارج إطار الراب لعلّها توسّع له طريق النجومية الذي شقه.
أدى التّحوّل السريع في الموسيقى، إلى انشقاقات كبيرة وظهور أشكال استماع متطرفة من كل الجهات، ابتداءً من المتمسكين بالتراث وصولاً إلى الرافضين له من جهة أُخرى، وما يعتمل بينهما من وطيف واسع. وبين هذين العالمين، تتموضعُ "البخت" متوجّهة إلى جمهور عام، بعد ضمان الجمهور الخاص.
ويجز سريع لا يهدأ، ويصحّ وصفه بأنّه محشو بالطاقة، كما تباهى بنفسه في أغنية "الغسّالة". لذا، سرعان ما أطلق أغنية فيلم "كباتن الزعتري"، الذي يتناول قصة شابين لاجئين في مخيم الزعتري. ويُظهِر الفيديو الدّعائي لقطات نجاح الشابين في كرة القدم، ومعهم المغني يلعب بالكرة، ويؤدي رقصته التي تطورت مع كاريزمته المُحبّبة خلال مشواره.
من المهم ذكر أن ويجز من الداعمين بشكل مباشر للقضية الفلسطينية، ويتحدث عنها بوضوح وصدق، كما يتحدث عن قضاياه الشخصية. من دون فلاتر وبشكل شخصي، يخاطب جمهوره عبر حسابه على "إنستغرام".
هذا وحده يضمن وفاء جمهوره؛ فأساساً هذه كانت الصيغة الأولى للراب في بداياته، أي رفض ومقاومة الظلم والانطلاق من وإلى الناس.
تطور جانر المهرجانات من رحم التطور الإلكتروني الحاصل على المنصات السحابية، ودمجها مع الشعبي المصري تحت ثيمة الهيب هوب، كما تغير شكل الإنتاج والأعضاء الأساسيين، فأصبح المغني هو كاتب الكلمات، وظهر المنتج الموسيقي كشريك أساسي، يعود الفضل إليه في إنتاج ثيمات صوتية جديدة خاصّة به، أو بمغنٍّ ما. هذا التشكل يفرض تحدياً جديداً على النقاد، يتمثّل في تطوير أدواتهم النقدية، وليس تجاهُل هذا الشكل الفنّي أو نفيه.