تحاول منصة "نتفليكس" أن تبني جسراً جديداً للتواصل مع الجمهور العربي، في ثاني المسلسلات المصرية التي تنتجها، وذلك من خلال الاعتماد على شعبية شخصية "علا عبد الصبور" التي قدمتها الفنانة هند صبري في مسلسل "عايزة أتجوز" قبل 12 سنة، ليكون مسلسل "البحث عن علا" هو أكثر إنتاجاتها العربية قرباً من الجمهور العربي وأكثرها اتصالاً به.
تلقّى المتابعون العمل بشكل مختلف عن باقي المسلسلات والأفلام العربية التي أنتجتها المنصة، والتي قوبلت بهجوم لاذع ودعوات بمنع عرضها، كما حدث في فيلم "أصحاب... ولا أعز"، ومسلسلي "جن" و"مدرسة الروابي للبنات". الأمر لا يتعلق بمحتوى العمل، إذ إن "نتفليكس" لم تنتج مسلسلاً مهادناً يتوافق مع الأفكار الاجتماعية السائدة التي تعكسها معظم الأعمال الدرامية المنتجة محلياً، وإنما يتعلق بتاريخ شخصية "علا عبد الصبور" التي يشعر الجمهور بأنها تنتمي إلى بيئته الثقافية وبأنه يمتلكها، حتى بعد تغريبها عنه.
وعلى الرغم من ذلك، وكما هي العادة في كل الأعمال الدرامية العربية التي تنتجها "نتفليكس"، انقسمت ردود الفعل حول المسلسل ما بين التعليقات الذكورية التي تنتقد المسلسل باعتباره يهدم قيم المجتمع والأسرة ويشجع النساء على الطلاق، وبين من دافع عن العمل كونه يقدم رسائل مهمة تدعم تمكين المرأة.
بالنسبة للمسلسل القديم، "عايزة أتجوز"، فهو عمل كوميدي اقتُبس عن تدوينات تحمل العنوان نفسه، للكاتبة غادة عبد العال. يحكي قصة صيدلانية في أواخر العشرينات من عمرها، تتعرض إلى الكثير من الضغوطات الاجتماعية لأنها تأخرت عن الزواج، فتحاول البحث عن عريس بأي طريقة ممكنة. وينتهي المسلسل كما تنتهي معظم الأفلام والمسلسلات السعيدة، بزواج البطلة، وكأن حياة المرأة تنتهي مع هذا الحدث.
وإذا كان الكاتب الفرنسي، غي دو موباسان، قد تمرّد على هذا النوع من الروايات الرومانسية التي تنتهي بالزواج الذي يضع حداً لحياة البطلات النسائية الافتراضية؛ فإن ما حدث في مسلسل "البحث عن علا" يبدو مشابهاً إلى حدٍ ما، حيث تبدأ أحداث المسلسل بعد 13 سنة من نهاية الجزء الماضي، مع طلاق "عُلا"، وفتح باب الحياة لشخصية تعتبر صورة نمطية عن الشخصيات النسائية التي تموت درامياً حين تتزوج.
هكذا، يأتي المسلسل الجديد بفكر مختلف ومتطور، يحمل بخفة بذور التغيير، مع الحفاظ على غالبية مكونات النجاح التي تضمنها "عايزة أتجوز"؛ إذ يحافظ صناع العمل على أسلوب "عُلا" في كسر للجدار الرابع، لمخاطبة الجمهور مباشرة، والتعليق على الأحداث التي تعيشها بطريقة ساخرة.
الأمر الذي يبدو مثيراً للإعجاب هنا أن هند صبري تتمكن من المحافظة على إيقاع شخصيتها، رغم كل التغيرات التي تطرأ على أفكارها بشكل مفاجئ، ورغم كل التغييرات التي طرأت على بيئة العمل، وتأثرت بغياب جميع شخصيات الذكور في العائلة، وذابت تفاصيلها البارزة، بعد أن سُحبت الشخصيات المتبقية من البيئة الشعبية التي كانت تعيش فيها، ووضعت في بيوت فارهة لا يعيش بها إلّا طبقة الأغنياء والذوات في مصر؛ فلم يترك لهند صبري أي عوامل درامية تساعدها على إعادة إنتاج شخصيتها بذات الروح، إلا وجود شخصية أمها سهير (سوسن بدر) التي تجد نفسها أمام مهمة أسهل، إذ تحافظ الشخصية على ذات المقولات والأفكار الرجعية، ولا يتغير خطابها.
ومن خلال هذه الحكاية، وما تحمله من مرجعيات درامية، يسلط "البحث عن علا" الضوء على الصعوبات التي تمر بها النساء المطلقات في مجتمعاتنا، وعلى التناقضات بين حياة الرجل والمرأة بعد الطلاق، من خلال الاختلافات بتعاطي المجتمع مع "علا" وزوجها السابق "هشام" (هاني عادل)؛ إذ يتقبل المجتمع دخول "هشام" بعلاقة عاطفية جديدة مع فتاة تصغره بسنوات كثيرة، ويحرّم على "علا" الدخول بأي علاقة عاطفية في ذات الوقت، ليضغط المجتمع عليها، ويحصر دورها في تريبة الأطفال فقط؛ فمعظم الشخصيات المؤثرة والقريبة من علا، تطالبها بأن تكون الأم المثالية، التي تنهي حياتها بعد الطلاق في سبيل تربية أطفالها، ضمن لوحة درامية مميزة تبين التواطؤ الاجتماعي الذي يعطي الرجل حرية الاختيار والانعتاق، ولا تقيده سوى بدفع المصاريف التي تكفل حياة كريمة لأبنائه ومربيتهم (أي مطلقته). هذا النقاش يمتد إلى مكان أبعد، عندما تضع شخصية "هشام" في لوحة متناظرة مع شخصية أم "علا" التي يتم انتقادها ووسمها بالمتصابية بعد مشاركتها في حملة ترويجية لمنتجات طبية، لتسأل "علا" عن معنى كلمة التصابي. هذا الخطاب، بالتأكيد، لا يشبه "علا عبد الصبور" في مسلسل "عايزة أتجوز"، لكن هند صبري تمكنت من تطويعه لصالح شخصيتها التي أصبحت في المسلسل الجديد أكثر جمالاً ونضجاً.
المنطق القديم لشخصية "علا عبد الصبور"، والذي يتحكم ببعض ردود الفعل، يجعلنا نعتقد لوهلة أن النهاية ستكون بزواج البطلة من رجل أفضل، أو بالعودة إلى زوجها الأول. إلا أن المفاجأة تتم على قارب النجاة الأخير، حين تبحر "علا" وحيدةً، بعد أن بدأت تعثر على ذاتها مجدداً، في رحلة عشناها عبر ست حلقات، ظن فيها الجميع أن "علا" تبحث عن حب آخر يعطي حياتها قيمة، قبل أن نكتشف، معها، أنها كانت في حقيقة الأمر تبحث عن نفسها... عن "عُلا".