المسلسلات السورية في قبضة القنوات المشفرة

29 يونيو 2020
شاركت كاريس بشار في بطولة مسلسل "قيد الحياة" (فيسبوك)
+ الخط -
تتجه شركات الإنتاج السورية إلى محاولة فك طوق الحصار المفروض عليها من قبل المحطات العربية منذ مدة طويلة، في محاولة لخلق منافذ عبر القنوات تبث فيها أفكارها ومسلسلاتها. ولا شك في أن الأعمال الدرامية السورية لم تخرج من المنافسة رغم كل سنوات الحرب الطويلة، لكنها ضعفت في انتشارها وقصصها المطروحة بسبب غياب النجوم والكتّاب عن الساحة، وأدلجة بعض الأعمال فيما لا يتوافق مع سياسات المحطات العارضة، إذْ لعبت العلاقات السياسية والدبلوماسية مع سورية دوراً في ذلك. فمثلاً بقي لبنان يشتري المسلسلات السورية، في حين اختفت الأعمال عن القنوات الخليجية بشكل شبه تام. وتأتي القنوات المشفرة كنوع من الملاذ والملجأ الآمن الذي ينقذ الدراما السورية في كثير من الأحيان، ويُلاحَظ في السنوات الأخيرة اتجاه شركات الإنتاج للقنوات المشفرة التي تعرض العمل حصرياً على شاشتها قبل الجميع. 

حكاية عرض الأعمال السورية على القنوات المشفرة ليست بجديدة، ففي أعوام سابقة وتحديداً بين 2006 و2010 قامت شبكة "أوربت" باحتكار عدة أعمال مهمة جداً. لكن للأسف لم تلقَ هذه الأعمال عرضاً على القنوات المفتوحة، وهي إلى اليوم حبيسة هذه الشبكة، ولا يمكن مشاهدتها سوى مسربةً عبر الإنترنت. ومن هذه الأعمال مسلسل "الحصرم الشامي" الذي كتب أجزاءه الثلاثة فؤاد حميرة، ولعب أدواره أهم نجوم سورية. وكان العمل جريئاً لدرجة أنه أظهر تاريخ دمشق الحقيقي دون زور أو تجميل أو بهتان. أيضاً كانت للمخرجة إيناس حقي الحصة الكبرى في هذه الأعمال، مثل "زمن الخوف" الذي يناقش قضايا تأثير الحرب الأهلية في لبنان على سورية في الثمانينيات، و"أناشيد المطر" الذي كان عبارة عن عُشاريات بقصص مختلفة، و"أصوات خافتة" الذي يتحدث عن أهمية الصحافة ودورها في المجتمع. كما أخرج رامي حنا عمله الثاني بعنوان "على قيد الحياة" من بطولة كاريس بشار وقصي خولي، وكان محتكراً لـ"أوربت" أيضاً، فضلاً عن "أولاد القيمرية" بجزأيه والذي كتبته عنود الخالد، ولعب بطولته زوجها الفنان عباس النوري مع كوكبة من النجوم السوريين، إلا أن كل هذه الأعمال، وللأسف حتى لحظة كتابة هذا المقال، بقيت في أرشيف "أوربت"، ولم تنل شهرةً واسعة أو عرضاً على القنوات المفتوحة رغم أهميتها وجماليتها شكلاً ومضموناً. وربما العديد من السوريين لا يعلمون بأسماء هذه الأعمال أو وجودها حتى.

لكن يختلف الأمس عن اليوم، فبعد أن كانت هذه الشبكة تسعى نحو الدراما السورية وتحتكر عدة أعمال في محاولة لاستقطاب شريحة أكبر من الجمهور العربي الواسع الشَّغوف بالمسلسل السوري كي يشترك في سلسلة القنوات المدفوعة، باتت شركات الإنتاج السورية هي من تسعى بكل ما أوتيت من محاولات لتبيع أعمالها لها، باعتبار أن العمل يربح مادياً إجمالاً في حال بيعه لهذه القنوات.

ولا يهم القنوات المشفرة اليوم نوعٌ معيّن من الدراما السورية، بل هي متنوعة في الاختيار بين الشامي والاجتماعي والكوميدي، إذْ عُرضَت فيها مسلسلات عدة مثل "وردة شامية" و"شبابيك" و"ببساطة 2" و"فرصة أخيرة" و"ميادة وولادا" و"جرح الورد"، وغيرها. كذلك أنقذت قناةٌ مشفرة أعمال المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في موسم 2019 لتشتري عملَيْن منها، في سابقة لم تحدث قبلاً، وهما: "غفوة القلوب" و"شوارع الشام العتيقة".

لكن يبقى الفرق في أن هذه الأعمال الجديدة عكس ما سبقها من أعمال، إذْ لم يتم احتكارها ومنعها عن القنوات العربية المفتوحة كما ذي قبل، لكن ما قد يسيء لهذه المسلسلات حديثاً هو العرض نفسه. فبمجرد عرضه يصبح متاحاً على الإنترنت بسهولة ليصل للجميع، أي لا داعي للاشتراك في القناة المشفرة ودفع مبالغ طائلة لمشاهدة أي عمل، فبكبسة زر يستطيع أي شخص تحميله عبر المواقع التي تسرّبه، ليشاهده كاملاً مجاناً. وحقيقةً هذا ما أفقد القنوات المشفرة أهميتها وبريقها، وأيضاً أفقد المسلسل لذة الانتظار. فشهر رمضان هو كالكرنفال الموسمي الذي تُعرَض فيه كافة الأعمال التي ينتظرها الجميع. وفي حين تشتدّ المنافسة، يفقد المسلسل الذي سبق عرضه على شاشة مشفرة أهميته، ويبقى مهمشاً لأن العديد من الصفحات والمواقع سرّبت قصته، وعرفت الناس نهايته وذهب الشغف للمتابعة.
المساهمون