وعلى واجهة مبنى الجمعية الوطنية الذي يمثّل البرلمان في باريس، يمكن قراءة شعار الجمهورية الفرنسية "حرية، مساواة، أخوة" بالخط العريض، لكن أسفل هذه العبارة مباشرة يبدو تمثال جان باتيست كولبير نقيضاً صارخاً لذلك الشعار، نظراً للدور الذي اضطلع به كولبير في القرن السابع عشر.
كولبير، الذي كان وزير الملك لويس الرابع عشر، ومؤلف ما يسمى "الكود الأسود"، وهي مجموعة من النصوص القانونية التي صدرت كمرسوم عن لويس الرابع عشر لتنظيم العبودية في المستعمرات الفرنسية، تعرّض تمثاله، يوم أمس الثلاثاء، إلى "اعتداء"، وفق إعلان حرس الجمعية الوطنية.
وألقي الطلاء الأحمر على التمثال، وكتب عليه "دولة رهاب السود"، في إشارة إلى التمييز الذي يشهده السود في فرنسا، في تحرُّكٍ، تقول جماعات مناهضة للعنصرية في فرنسا، إنه لفضح تماثيل الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ الاستعمار والرقّ.
ونشرت مجموعة "مناهضة كراهية الأجانب" على "فيسبوك" مقطع فيديو يظهر شخصاً يقوم بالكتابة على التمثال، ما أدى إلى اعتقاله من قبل الشرطة.
وفي الحوار الذي دار بينه وبين عناصر الشرطة، يقول الشاب "نحن نفعل ذلك بوجوه مكشوفة، لأن المحاكمة القادمة ستكون في محكمتنا"، في حين أعلنت الشرطة اعتقال شخص آخر، قالت إنه المتحدث باسم جمعية "لواء مكافحة رهاب السود"، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادثة.
وتقول هذه الجماعة، إنها تقاتل "ضد عنصرية الدولة بشكل عام ورهاب السود بشكل خاص". وللجماعة مواقف كثيرة حول هذا التمثال تحديداً، أحدها يعود إلى إبريل/نيسان عام 2015، قالت فيه إن "تمثال كولبرت أمام الجمعية الوطنية الفرنسية يثبت أننا لسنا ولم نكن أبداً مواطنين فرنسيين كاملين".
وكان يوم الاثنين الماضي قد شهد حادثة مماثلة في مدينة ليل، حيث تعرّض تمثال الجنرال لويس ليون فيديرب إلى فعلٍ مماثل، إذْ كتب على واجهة تمثاله بالطلاء الأحمر "مستعمر، قاتل"، كما كتبت أسماء دول "السنغال والجزائر"، وعبارة "القبائل" على أحد أطراف التمثال، في إشارة إلى المسؤولية الكبيرة التي كان يتولاها الجنرال فيديرب خلال الحقبة الاستعمارية.
وتأتي هذه الحوادث وسط تصاعد الغضب ضد الشرطة والعنصرية، حيث نظّمت، أخيرًا، تظاهرات حاشدة دعت إلى محاسبة الشرطة على انتهاكاتها ضد الفرنسيين من أصول أجنبية أو في الأحياء الفقيرة.
في هذا السياق، كشفت وسائل إعلام فرنسية عن قيام مجموعة من عائلات "ضحايا عنف الشرطة" بكتابة رسالة جماعية إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يحثّونه فيها على التدخل ووضع حد لسلوك الشرطة وتصاعد الخطاب العنصري في البلاد.
وجاء في الرسالة "لقد خاطبنا أسلافك ولم يكن هناك أي رد فعل من جهتهم. هل أنت الشخص الذي سيكسر هذه الصورة ويجرؤ على مواجهة حقائق الإفلات من العقاب؟".
وقالت صحيفة "لوباريزيان"، إن هذه الرسالة هي جزء من حملة تسمى "مليون صوت ضد العنصرية وعنف الشرطة"، والتي قدمت 16 التماساً ضد "العنصرية وعنف الشرطة"، وتطالب بشكل رئيسي بحظر تقنيات الخنق التي أدت إلى مقتل عشرات الأشخاص في فرنسا خلال عمليات فحص عادية قامت بها الشرطة بحق أشخاص في الشارع.
ودعت الرسالة ماكرون إلى تشكيل هيئة مستقلة للتحقيق في الشكاوى المقدمة ضد الشرطة، خصوصاً وأن معظم القضايا تنتهي ببقاء بتبرئة عناصر الشرطة المتهمين على رأس عملهم، بعد إرجاع وفاة الضحايا إلى أسباب أخرى غير تلك المتعلقة بعملية اعتقالهم.
وفي أعقاب التظاهرات الحاشدة التي شهدتها فرنسا مؤخراً ضد الشرطة، أعلن وزير الداخلية كريستوف كاستانير، مطلع شهر يونيو/حزيران الحالي، حظر تقنية الخنق، لكن هذه التقنية ما يزال مصرحا بها ريثما يتم تحديد طريقة بديلة.