على العكس من ليالي حظر التجول الليلية بحسب ما يحدث لنا هذه الأيّام بسبب كورونا، إذ يتوجب علينا أن ندخل بيوتنا قبل أن يحلّ الظلام، ولا نخرج إلا صباحاً ولو وقتا محدودا، صُنعت سلسلة أفلام عربية تبدأ حكايتها وتنتهي خلال ليلة واحدة. تحصل القصة بداية الليل، وتنتهي مع ظهور خيوط الفجر الأولى أي خلال أقل من 12 ساعة.
إنها نوعية من الأعمال التي تعتمد، لو جاز التعبير، على تقنية المتواليات التي تحصل من حدث واحد طارئ غير محسوب لتأتي التطورات من بعده سائرة على المنوال ذاته. كل حدث يجلب الذي يليه وتكبر كرة الثلج على إثره بشكل غير متوقع غالباً.
وبما أن الليل هو قلب هذه الأعمال، فلهذا الوقت مصادفاته وألاعيبه غير المنتظرة. لليل قانونه الخاص. لا تعرف ما سيحصل فيه. إشارة خاطئة من ضابط أمن قد تقلب القصة من أولها إلى آخرها. وحيث الأحداث تمر في الليل، يوجد فتيات ليل يخرجْن لطلب رزقهن. النظرة الأولى لهن تكون اتهامية خالصة. لا مجال لتبرير أو جدال أو فرصة لأخذ حق منهوب. وعلى وجه الخصوص في ليلة رأس السنة. في فيلم "ليلة ساخنة" (1995) من إخراج عاطف الطيّب، تقول البطلة "حوريّة" (لبلبة) إن "ولاد الكلب" سرقوا فلوسها. تقولها لسائق التاكسي سيّد (نور الشريف) الذي خرج كي يلقى مالاً لعلاج مريض له في المستشفى، قبل أن تبدأ أحداث الفيلم بالتسارع وتنقلب الأمور، ويصبح كل من سائق التاكسي ولبلبة في سباق مع الزمن لتحقيق هدفيهما والتغلب على المشاكل التي صادفتهما. لكن ستحدث مسألة الفلوس الكثيرة التي عثر عليها سيّد، وسقطت من يد جماعة خارجة على القانون ويعتقد بأنه لا بد من عودتها إلى جيب الدولة. هذا سيضاعف المشكلة. كل هذا يحدث سريعاً.
نفس حالة السرعة هنا تعيدنا لنمط اشتغال مخرج العمل عاطف الطيّب مع نور الشريف نفسه خصوصاً في شريط "سوّاق الأتوبيس" (1982). وإن كان هذا الأخير قد جرت أحداثه نهاراً، وعلى فترة زمنية امتدت على أكثر من يوم. لكن هناك مسألة التسارع والجري واللهاث الدائم. لعلها مسألة التناغم الواضحة في أداء هذين النجمين الراحلين، عاطف الطيّب ونور الشريف.
نفس حالة اللهاث هذه سنجدها في فيلم "ليل/خارجي" (2018) من إنجاز المخرج الشاب أحمد عبد الله، وتأليف شريف الألفي. يحكي الشريط عن مخرج شاب متعثر في إكمال فيلمه السينمائي. وفي الوقت نفسه مشغول في قصة الروائي المصري المسجون بتهمة كتابة رواية "خادشة للحياء". تبدو الإشارة واضحة هنا باتجاه الصحافي والكاتب أحمد ناجي الذي دخل السجن بسبب روايته "استخدام الحياة"، وترك مصر من بعد خروجه من السجن، وذهب للعيش في أميركا.
يمكن اعتبار هذا المشهد الافتتاحي بمثابة مدخل غير مرتبط تماماً بالأحداث التالية، والتي ستحصل عبر متواليات شبيهة بما صار في فيلم "ليلة ساخنة". سيظهر التاكسي وكأنه علامة مشتركة بينهما. هناك ستطلب لبلبة التاكسي وتدور الأحداث عبره بعد سرقة فلوسها. في "ليل/خارجي" سيطلب "مو" (كريم قاسم) من سائق التاكسي الذي يرافقه دائماً "مصطفى" (شريف دسوقي) إيصاله، قبل أن يجد مصيره مرتبطا بسائق التاكسي وفتاة ليل تتهم الأخير بسرقة فلوس شغلها (نفس الفلوس المسروقة من لبلبلة في "ليلة ساخنة"). مسألة العنف ضد النساء ستبدو ظاهرة أيضاً في الحالتين. فتاة الليل كائن جسده مُعرّض طوال الوقت للإهانة والتعنيف، جسد مُتاحٌ للجميع لينهش في لحمه. في حين تظهر أقسام الشرطة حاضرة بدورها، ولا تعمل على إنصاف الضحايا المنهوبات. لكن الإشكالية الكبرى ستظهر حين تقبّل فتاة الليل "توتو" (منى هلال)، حين تتعرّض للعنف من جهة سائق التاكسي "مصطفى"، وهو الموقف الذي يجعل من بطل العمل "مو" يقف محتاراً حول ذلك السبب الذي يجعل "توتو" تتقبل العنف الذي تتعرّض له من غير سبب. صفعة لأنها طلبت وجبة تأكلها ليست موجودة في بال "مصطفى"، هو من يريد أن يفرض رأيه واختياره للأصناف الموجودة على الطاولة. لكن الأمر يمر ببساطة بعد قليل من الوقت، كأنها اعتادت وتأقلمت مع كل ذلك العنف اليومي الذي تلاقيه، كأن هذا العنف والصفع جزء من حياتها، وقد تربت معه، وصار جزءاً من يوميات حياتها.
اقــرأ أيضاً
إنها نوعية من الأعمال التي تعتمد، لو جاز التعبير، على تقنية المتواليات التي تحصل من حدث واحد طارئ غير محسوب لتأتي التطورات من بعده سائرة على المنوال ذاته. كل حدث يجلب الذي يليه وتكبر كرة الثلج على إثره بشكل غير متوقع غالباً.
وبما أن الليل هو قلب هذه الأعمال، فلهذا الوقت مصادفاته وألاعيبه غير المنتظرة. لليل قانونه الخاص. لا تعرف ما سيحصل فيه. إشارة خاطئة من ضابط أمن قد تقلب القصة من أولها إلى آخرها. وحيث الأحداث تمر في الليل، يوجد فتيات ليل يخرجْن لطلب رزقهن. النظرة الأولى لهن تكون اتهامية خالصة. لا مجال لتبرير أو جدال أو فرصة لأخذ حق منهوب. وعلى وجه الخصوص في ليلة رأس السنة. في فيلم "ليلة ساخنة" (1995) من إخراج عاطف الطيّب، تقول البطلة "حوريّة" (لبلبة) إن "ولاد الكلب" سرقوا فلوسها. تقولها لسائق التاكسي سيّد (نور الشريف) الذي خرج كي يلقى مالاً لعلاج مريض له في المستشفى، قبل أن تبدأ أحداث الفيلم بالتسارع وتنقلب الأمور، ويصبح كل من سائق التاكسي ولبلبة في سباق مع الزمن لتحقيق هدفيهما والتغلب على المشاكل التي صادفتهما. لكن ستحدث مسألة الفلوس الكثيرة التي عثر عليها سيّد، وسقطت من يد جماعة خارجة على القانون ويعتقد بأنه لا بد من عودتها إلى جيب الدولة. هذا سيضاعف المشكلة. كل هذا يحدث سريعاً.
نفس حالة السرعة هنا تعيدنا لنمط اشتغال مخرج العمل عاطف الطيّب مع نور الشريف نفسه خصوصاً في شريط "سوّاق الأتوبيس" (1982). وإن كان هذا الأخير قد جرت أحداثه نهاراً، وعلى فترة زمنية امتدت على أكثر من يوم. لكن هناك مسألة التسارع والجري واللهاث الدائم. لعلها مسألة التناغم الواضحة في أداء هذين النجمين الراحلين، عاطف الطيّب ونور الشريف.
نفس حالة اللهاث هذه سنجدها في فيلم "ليل/خارجي" (2018) من إنجاز المخرج الشاب أحمد عبد الله، وتأليف شريف الألفي. يحكي الشريط عن مخرج شاب متعثر في إكمال فيلمه السينمائي. وفي الوقت نفسه مشغول في قصة الروائي المصري المسجون بتهمة كتابة رواية "خادشة للحياء". تبدو الإشارة واضحة هنا باتجاه الصحافي والكاتب أحمد ناجي الذي دخل السجن بسبب روايته "استخدام الحياة"، وترك مصر من بعد خروجه من السجن، وذهب للعيش في أميركا.
يمكن اعتبار هذا المشهد الافتتاحي بمثابة مدخل غير مرتبط تماماً بالأحداث التالية، والتي ستحصل عبر متواليات شبيهة بما صار في فيلم "ليلة ساخنة". سيظهر التاكسي وكأنه علامة مشتركة بينهما. هناك ستطلب لبلبة التاكسي وتدور الأحداث عبره بعد سرقة فلوسها. في "ليل/خارجي" سيطلب "مو" (كريم قاسم) من سائق التاكسي الذي يرافقه دائماً "مصطفى" (شريف دسوقي) إيصاله، قبل أن يجد مصيره مرتبطا بسائق التاكسي وفتاة ليل تتهم الأخير بسرقة فلوس شغلها (نفس الفلوس المسروقة من لبلبلة في "ليلة ساخنة"). مسألة العنف ضد النساء ستبدو ظاهرة أيضاً في الحالتين. فتاة الليل كائن جسده مُعرّض طوال الوقت للإهانة والتعنيف، جسد مُتاحٌ للجميع لينهش في لحمه. في حين تظهر أقسام الشرطة حاضرة بدورها، ولا تعمل على إنصاف الضحايا المنهوبات. لكن الإشكالية الكبرى ستظهر حين تقبّل فتاة الليل "توتو" (منى هلال)، حين تتعرّض للعنف من جهة سائق التاكسي "مصطفى"، وهو الموقف الذي يجعل من بطل العمل "مو" يقف محتاراً حول ذلك السبب الذي يجعل "توتو" تتقبل العنف الذي تتعرّض له من غير سبب. صفعة لأنها طلبت وجبة تأكلها ليست موجودة في بال "مصطفى"، هو من يريد أن يفرض رأيه واختياره للأصناف الموجودة على الطاولة. لكن الأمر يمر ببساطة بعد قليل من الوقت، كأنها اعتادت وتأقلمت مع كل ذلك العنف اليومي الذي تلاقيه، كأن هذا العنف والصفع جزء من حياتها، وقد تربت معه، وصار جزءاً من يوميات حياتها.
يمكن استدراك هذه الحالة أيضاً في فيلم "أرض الأحلام" (1993) لداوود عبد السيّد وبطولة فاتن حمامة (نرجس) ويحيى الفخراني (رؤوف) وهو فيلم يمر في ليلة واحدة أيضاً. خلال رأس السنة يرتبط مصير الطرفين بمسألة ضياع جواز السفر. تعتقد السيدة بأن الشخص الذي يشتغل ساحراً في أحد الملاهي، هو من قام بإخفاء ذلك الجواز الذي هي بحاجة إليه من أجل تلبية رغبة ولدها الوحيد الذي حصل على تأشيرة هجرة إلى "أرض الأحلام"، لكن من كل قلبها لا تود الذهاب معه. تبقى ضائعة طوال الفيلم بين مسألة العثور على جواز السفر الضائع، وبين نقد حالة البلاد بالمشاركة مع رفيقها الإجباري يحيى الفخراني. لا ترغب في العثور على الجواز وفي الوقت نفسه تخشى خسارة ولدها. وخلال ليلة الفيلم ستكون الحوارات والأحداث مفتوحة كما الصورة مركزّة حول الناس الذين يعيشون في القاهرة لكن يبدو أنهم لا يعيشون فيها، كائنات ليلية لا غير، لا يعرفون بمشاكل العالم البسيط الذي لا يدركون وجوده من الأساس. كأنهم في حالة حَجر أبدية.