"المهرجان الدولي للفيلم بمراكش"... النقد ليس مدعوّاً

28 يناير 2020
يحرص الإعلام على السجادة الحمراء وبهرجتها (Getty)
+ الخط -
تلعب الصحافة والنقد دوراً كبيراً في الترويج لأنشطة المهرجانات السينمائية العربية، والدفع بها إلى حدود قصوى، لطرح مزيدٍ من الأسئلة حول واقع الفيلموغرافيا العربية، ومدى تميّزها وتقدّمها وانحسارها الإبداعي، بالتوقّف عند نماذج من التجارب السينمائية المعروضة فيها، ومحاولة طرح سؤال السينما أيضاً. كما يُعرّفان بأنشطة المهرجانات، من لقاءات وندوات وعروض سينمائية، باعتبار أنّهما يُقرّبان بين قارئ/ مُشاهد والأفلام، ويُبيّنان مدى أهمية المنتوج السينمائي ونضجه، مقارنة مع تجارب أخرى.

في هذا السياق، يُعتبر "المهرجان الدولي للفيلم بمراكش" أحد المهرجانات الدولية والعربية المهمّة، لمساهمته في صوغ معالم مشاريع سينمائية. يصبو المهرجان، في أجنداته، إلى بلوغ مكانة مرموقة تحتلها مهرجانات عديدة، كـ برلين و"كانّ"، وما تلعبه من دور كبير في تنشيط الحياة اليومية على هامش دوراتها السنوية، في المطاعم والفنادق والمكتبات وأمكنة التسوّق والمقاهي وصالات المُشاهدة وأمكنة اللقاءات السينمائية، بالإضافة إلى فقرات النجوم وطوابير عشّاق الفن السابع الذين ينتظرون لساعات مديدة لحظة لقاء النجم/ النجمة المفضّل، وهذا يصنع أجواء حميمة للمهرجان، وأحياناً تزداد "هستيرية" الجمهور بين نجم وآخر، ما يخلق صدمة لدى بعضهم.

لا يطمح "مهرجان مرّاكش" إلى هذه المكانة، التي يُمكن أن يحتلها، وينْفُذ من خلالها إلى الجمهور المغربي، بمن فيهم من كتّاب ومثقفين، لا يحضرون، وغالباً بسبب عدم توجيه الدعوة إليهم، ما يحبس أخبار المهرجان ويومياته بين جدران الصالات، وربما لا تتسرّب إلى المقاهي، بسبب عدم وجود "سينيفيليين" حقيقيين، يناقشون الأفلام المعروضة بحساسية فنية ونقدية مدفوعة بهاجس المعرفة والبحث، وعشق السينما وعوالمها.
كشفت الدورة الـ 18 (29 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش" عن مأزق حقيقي للجهاز الإعلامي، المكلّف بتغطية المهرجان، يتمثّل بغياب القراءات النقدية للأفلام الأجنبية المشاركة، باستثناء قلّة اضطلعت بهذا الدور، لأسماء مكرّرة تنتقل من مهرجان إلى آخر؛ وبغياب الحوارات التي يُمكنها إضاءة معالم التجربة السينمائية عند المخرجين، باستثناء مقالات صحافية هي، بمجملها، تغطيات مشوّهة لما قيل في الفقرات الفنية، تغلب عليها العمومية، وتتناقلها مواقع إلكترونية مغربية من دون إجراء قراءات نقدية، ومن دون التدقيق، ومن دون تسليط الضوء على إنتاجات سابقة للمخرجين أو الممثلين الذين تُجرى معهم الحوارات. هناك اكتفاء بجمل قصيرة للممثلة الفرنسية ماريون كوتيار مثلاً، تتضمّن بعض آرائها السينمائية، انطلاقاً من تجربتها واشتغالها مع مخرجين عديدين. الجمل القصيرة هذه تتكرّر في مواقع كثيرة، وأحياناً بأخطاء في الترجمة، ونقلٍ مفضوح للمضمون الفرنسي إلى العربية.




من جهة أخرى، فإنّ الفقر الإعلامي المتخصّص بالسينما، حتّى من له اهتمام بالشأن السينمائي وثقافته، بدا واضحاً أمام تغطيات كهذه، لا أساس نقدياً لها. ما يدفع إلى إعادة طرح أسئلة تتعلّق بمعايير اختيار الضيوف، وبسبب غياب النقّاد العرب. المشكلة كامنةٌ في حرص مسؤولي المهرجان على البهرجة والنجوم والسجادة الحمراء والصُوَر المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، مقابل غياب أو تغييب النقاد، الذين كانوا سيعطون للمهرجان صبغة معرفية وسجالية أخرى، إلى جانب زملاء ونقاد من المغرب ومصر ولبنان والجزائر وتونس.

فالمشاهدة الـ"سينيفيلية" وحدها لا تكفي، وعلى منظّمي هذا المهرجان تأجيج النقد وصناعة فكره، والتنبّه إلى مدى ضرورته، وحرصه على متابعة الإنتاج السينمائي العالمي، أمام التطورات التي باتت تعرفها هذه الصناعة مؤخّراً في العالم العربي، بخصوص وضعها. وأيضاً ضرورة إصدار كتب سينمائية، تتناول سِيَر المخرجين والممثلين والنقّاد، والعاملين في السينما.
لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش" إمكانية دعوة نقاد عرب، وإصدار كتب سينمائية تعتني بالذاكرة السينمائية المغربية وبالعاملين فيها، قبل أن يطويهم النسيان.
دلالات
المساهمون