"ذا ويتشر"... نقطة التنافس بين "نتفليكس" و"إتش بي أو"

20 يناير 2020
تلقّى "ذا ويتشر" ردود فعل متباينة وتقييمات متنوعة (فيسبوك)
+ الخط -
تسعى العديد من شركات الإنتاج وعلى رأسهم "نتفليكس"، إلى إصدار أعمال تلفزيونية تضاهي حجم النجاحات التي حققتها شبكة HBO بمسلسلها الشهير "صراع العروش" GAME OF THRONES. وإن قدمت "نتفليكس" عددا كبيرا من الأعمال التلفزيونية الناجحة، إلا أن عملها الأخير THE WITCHER شكل بطبيعته الإنتاجية ملامح المنافسة الأقرب قلبًا وقالبًا.

ردود فعل متباينة وتقييمات متنوعة، تلقاها "ذا ويتشر". ولكن تبقى التعليقات الأبرز حول حجم التقارب والتشابه بينه وبين "لعبة العروش". كأن العمل بهيكليّته وخطوطه العريضة والمتشابكة التي تخدم السياق القصصي، وترسم محاور العمل بكليته، تتجه نحو خلق نسخة طامحة تسعى إلى توجيه شعبية "صراع العروش" نحو نسخة "نتفليكس" الشبيهة في "ذا ويتشر"، وذلك باستخدام مشاهد وسياقات متداخلة تتّوجها حبكات متفرعة، تسير وفق زمنين بعيدين للأحداث التي يمر بها "جيرالت" بطل المسلسل، إلى جانب شخصيتين أخريين، وهما الأميرة "سيريلا" المحتوم قدرها بلقاء "الويتشر" بحسب قانون متعارف لديهم وهو "قانون المفاجئة" لحمايتها، وإعادتها إلى موطنها "سينترا" التي احتلها "النيلفجارديين" بعد أن قتلوا الملكة "كالانثي"، جدة الأميرة وجميع من في المملكة. فتمضي الأميرة بعد أن استطاعت الإفلات من قبضة "النيلفجارديين"، في رحلة البحث عن قدرها. الشخصية الأساسية الثالثة هي الساحرة "ينيفر" والتي تسعى إلى القوة المطلقة من أجل تحقيق غايتها في استعادة قدرتها الطبيعية على الإنجاب، بعد أن ضحت بها مقابل تحولها من فتاة مشوهة جسديًا إلى ساحرة باهرة الجمال، تخدم في البلاط الملكي لإحدى الممالك العظيمة بحسب قانون "آرتوزا". قد يكون هناك نقاط جذب مختلفة في العمل، أهمها تقديم البطل "جيرالت" كصائد للوحوش، يمتلك قوة قتالية وسحرية تخوله خوض المغامرات الأسطورية الشكل.

هناك خطوط وسياقات كثيرة في "غيم أوف ثرونز" يمكن ملاحظة مدى تقاربها بشكل جلي في "ذا ويتشر". تعدد الممالك، وجيش "نيلفجارد" العدو البارز والوحيد في وجه جميع تلك الممالك، تمامًا مثل "الوايت وولكرز". الساحرات (المستشارات)، لقاء الويتشر بالأميرة سيريلا (يذكرنا بلقاء الأخوة ستارك في وينتر فيل في الموسم السابع قبل الأخير)، إضافة إلى وجود التنانين ومشاهد العري، والأغاني التبجيلية. إلا أن هناك نقطة مهمة تجول في رحاب هذا المسلسل، وهي أسطورة قديمة تتعلق بحكايات الخلق والتكوين، تتقاطع في صلبها مع عمل آخر قدمته "إتش بي أو" على منصتها حمل عنوان "أدواته المظلمة" HIS DARK MATERIALS الذي انتهى الموسم الأول منه قبل فترة وجيزة من انتهاء "ذا ويتشر".

يحكي هذا المسلسل باختصار عن فتاة صغيرة بعمر الثانية عشرة تدعى "ليرا" تمتلك بالفطرة القدرة على قراءة "الليثيوميتر"، وهو جهاز تستطيع من خلاله الفتاة أن تكشف الأسرار وتتوقع المستقبل. تمضي الفتاة إلى مغامرة طويلة من أجل البحث عن والدها عالم الجزئيات "أزرييل" الذي سبق أن مضى في رحلة نحو الشمال للبحث عن معنى الغبار dust في منطقة القطب الشمالي المتجمد، حيث توجد هناك ظاهرة طبيعية تسمى في عالمنا الحقيقي "أورورا"، وهي عبارة عن أطياف وأضواء ملونة تسمى "الشفق القطبي". يحاول هذا المسلسل تفسير هذه الظاهرة من خلال الغبار الذي يعتقد بأنه بوابة سحرية تخفي وراءها مدنا مقدسة، لها، بطريقة أو أخرى، صلة بالعالم السماوي. وإن كانت فكرة العمل قائمة على اتخاذ أرواح البشر المنفصلة عنهم، هيئة حيوانات "دايمون" بأشكال مختلفة ترافق صاحبها، تفكر معه وتخاطبه وتموت حين تتعرض الأجساد للقتل، إنما يعود ذلك إلى مفهوم الخلق الأولي، إذ تستند حبكة المسلسل على قصة التفاحة المحرمة التي أذنب كل من "آدم" و"حواء" حين أكلاها، بعد أن أغوتهما "ليليث" التي تجسدت على شكل أفعى، مما أغضب السلطة الإلهية، فكانت الخطيئة المادية الأصلية. هنا تشير الحكاية، بحسب وجهة نظر كاتب الرواية الأصلية، فيليب بولمان، المستوحاة عن بعض ما جاء في الأساطير العبرية والإغريقية والمسيحية، والتي تشير إلى أن "ليليث" هي زوجة آدم الأولى، الحسناء المتمردة التي أبت الخضوع لزوجها فهربت بعيدًا عن الأرض المقدسة وتزوجت من الشيطان وأنجبت منه 100 طفل. فكانت الأفعى ترمز لـ"دايمون" حواء، وبعد أن عوقبت الأخيرة وزوجها بجعلهما فانيين، هما وأولادهما الذين سيدفعون ثمن خطيئتهما، صورت شخصيات العمل على هذا الشكل (كل شخص له دايمون خاص به) مما دفع "كولتر" والدة "ليرا" إلى خطف الأطفال من أجل فصلهم عن "ديموناتهم" كتجربة للتكفير عن خطايا البشرية التي كانت حواء السبب فيها، الأمر الذي يجعل مستقبل البشر في سكينة مطلقة في حال نجاح التجربة.

أسطورة ليليث نجدها كذلك في "ذا ويتشر"، إذ تعتبر قصتها واحدة من المحاور الدرامية الأساسية في هذا العمل. فباعتبار أن ليليث كائن ليلي تسعى للانتقام من النساء الحوامل بقتل أطفالهن أو تشويههم، وذلك إثر قيام الملائكة بقتل 100 طفل من أطفالها كل يوم، ثمن تعنتها بعدم العودة إلى آدم بعد هجرانها له (بحسب تتمة المرويات الأسطورية السالفة الذكر)، فإن المسلسل يستشف من هذه الميثولوجيا حبكته من خلال نبوءة يؤمن بها سحرة "سينترا"، والتي مفادها أنه بقي لليليث 60 فتاة متحولة، ولدن عند حدوث ظاهرة الكسوف. أولئك الفتيات ولدن وهن يملكن قدرات سحرية هائلة، المراد منهن بحسب النبوءة الانتقام لليليث من الجنس البشري قبل بعثها من جديد. ولكن المسلسل يطرح فرضية أخرى، وهو تسخير هذه القدرات لخدمة الممالك والملوك، ليصبحن ناضجات وقادرات على ممارسة السحر عليهنّ التخلي عن أرحامهنّ، مما يحرمهن من قدرتهنَّ على الإنجاب.
المساهمون