كوميديات عيد الفطر المصري: تناقضات أداء وإيرادات

25 يونيو 2019
لم يقدّم حلمي فيلماً كوميدياً منذ 3سنوات (إبراهيم رمضان/الأناضول)
+ الخط -
قبل نحو عقدٍ، لم يكن يُصدِّق أحدٌ أنّ الأفلام الكوميدية ستصبح، خلال أعوام قليلة "عملة نادرة" في السينما المصرية، وأن الـ"كوميديانات" الذين ذاع صيتهم، وتناوبوا على احتلال قمّة الإيرادات، منذ أواخر تسعينيات القرن الـ20 والعقد الأول من الألفية الثالثة، سيخفت تواجدهم تمامًا. أحمد حلمي (النجم الأول في زمن سابق) لم يقدّم فيلمًا واحدًا منذ 3 أعوام. أحمد مكي أسوأ حالاً، فهو مختفٍ سينمائيًا منذ عام 2013، كما محمد هنيدي، المتوجّه إلى المسرح.

طبعًا، هناك آخرون أيضًا. لهذا التغيير الحاد في طبيعة ومزاج الجمهور المصري ومزاجه أسباب كثيرة، اجتماعية وسياسية واقتصادية، خصوصًا في ظلّ اقترانه بأعوام ما بعد "ثورة 25 يناير" (2011)، مع سيادة أفلام الحركة، وارتباط النجومية بعضلات الممثل قبل حضوره أو تمثيله، وتباري الأفلام في عدد القتالات والسيارات المتفجّرة. في وضعٍ كهذا، لم يكن غريبًا أن يتوزّع موسمٌ، كعيد الفطر، على 3 أفلام حركة (واحدٌ منها فيلم "حربي")، وفيلمان كوميديان قليلا الكلفة، أوّلهما "محمد حسين" لمحمد علي، مع أحد أبرز نجوم الألفية الثالثة، محمد سعد، الذي يُعتبر "اللمبي" (2002) لوائل إحسان "حدثًا ضخمًا" في نجاحه الجماهيري، قبل أنّ يتكرّر النجاح لاحقًا، مع أفلام احتلّ سعد، بفضلها، قمّة شباك التذاكر. وهذا كلّه قبل انهيار نجوميته فجأة، مع فشل "كركر" (2007) لعلي رجب. عندها، بدأ سعد رحلة "سيزيفية" لا تنتهي، لتحقيق ولو جزءا من ألقه ونجاحه القديمين، لكنه كان يفشل في كلّ مرة، وآخر فشل له يتمثّل بـ"محمد حسين". رغم محاولته في أنْ يكون مختلفًا في "محمد حسين"، بتعاونه مع مخرج جيّد كمحمد علي، للخروج من عباءة الـ"كاراكتر"، كما اقترح كثيرون عليه، أعوامًا مديدة؛ إلا أنّ محمد سعد ظلّ في آخر قائمة إيرادات أفلام العيد، بفارق ضخم جدًا، يتجاوز 10 ملايين جنيه مصري عن الفيلم السابق، ربما بسبب قصّة الفيلم: موت فنان مصري "عالمي"، بعد رسمه آخر لوحة له على ظهر بطل الفيلم، وسعي جهات خارجية إلى الحصول عليها. 
تبدو القصة غير قابلة للتفاعل أو التصديق، وغير مضحكة، مع فقدان محمد سعد للياقته الكوميدية القديمة، ولعدم وجود ممثلين تمكنهم مساعدته على جعل الفيلم أخفّ ثقلاً، وأكثر إضحاكًا. في المقابل، تلافى الفيلم الكوميدي الثاني الأخطاء المتكرّرة كلّها لمحمد سعد، إذْ فاجأ "سبع البرمبة" لمحمود كريم الجميع، باحتلاله المركز الثالث في الإيرادات، بجمعه 15 مليون جنيه مصري في أسبوع العيد، متجاوزًا "حملة فرعون" لرؤوف عبد العزيز، علمًا أنّ "كازابلانكا" لبيتر ميمي و"الممر" لشريف عرفة يسبقانه.

لهذا النجاح، أكثر من سبب، بدايةً مع الفكرة الحاملة قدرًا لا بأس به من الجاذبية، ومساحة مقبولة من الـ"بارودي" (أو السخرية من أعمال أخرى)، مع تقمّص الزوج (رامز جلال) شخصيات مشهورة تمثّل في أفلام ومسلسلات، لعلاج زوجته (جميلة عوض)، المُصابة بمرض نفسي. هذه معالجة مختلفة لـ"عفريت مراتي" (1968) لفطين عبد الوهاب (مع شادية وصلاح ذو الفقار). من تلك الفكرة، استعان الفيلم بـ"ضيوف شرف" لهم ثقل تجاري كبير، كأحمد السقا وأمير كرارة وياسر جلال (شقيق رامز)، بالإضافة إلى خلق مواقف أو تتابعات تعتمد على إعادة تجسيد شخصيات لهم، وهو أمر مُضحكٌ أحيانًا، ومُسلٍّ عمومًا، بالنسبة إلى فيلم كوميدي.

الأمر الثالث المهم، الذي أدّى إلى نجاح الفيلم، يكمن في أن رامز جلال، على نقيض محمد سعد، يعطي مساحة كبيرة للـ"كوميديانات" الذين إلى جانبه. فثنائيته مع بيومي فؤاد ناجحة جدًا، كما المساحة الممنوحة لمحمد عبد الرحمن. هذا كلّه يؤدّي إلى عدم تمركز الفيلم حول بطله فقط، بل جعله فيلمًا مقبولاً جدًا على مستوى الضحك. حتّى مَشَاهد الحركة موظَّفة ومنفّذة جيّدًا في خدمة الكوميديا. أما المفاجأة، فمتمثّلة بكون الإيرادات التي حقّقها منطقية، ما يجعله نموذجًا تجاريًا مقبولاً للفيلم الكوميدي في مصر، في هذه اللحظة.
المساهمون