اللؤلؤ بمتحف قطر... حكاية خليجية اختتمت في اليابان

الدوحة

محمد هديب

محمد هديب
محمد هديب
كاتب وصحافي أردني
18 يونيو 2019
83F61C2D-AAD5-4363-89EA-8EF94FCBB12E
+ الخط -
يخصص متحف قطر الوطني معرضاً دائماً لتاريخ اللؤلؤ الخليجي في الفترة الممتدة من العصر الروماني منذ أكثر من ألفي عام حتى العصر الحديث، إذ افتتنت بقيمته العالية مختلف الحضارات، وتزينت به التيجان والقلائد.. وتفنن في ترصيعه أمهر الصاغة، إلى أن انهارت تجارته في الثلث الأول من القرن العشرين.

ففي 29 أكتوبر/ تشرين الثاني، سقط سوق وول ستريت في نيويورك، فيما عرف بالثلاثاء الأسود، إذ خسر الكثير من الناس ممتلكاتهم ومدخراتهم، وتجاوزت الخسائر ما صرفه العالم في الحرب العالمية الأولى. وعرف العالم الصناعي كساداً استمر عدة سنوات، ما أثر على تجارة اللؤلؤ في الخليج، فبدأت أسعاره تنخفض سريعاً لتراجع الطلب عليه.

وفي عام 1930، تلقت أسواق اللؤلؤ الضربة القاضية، مع بدء اليابانيين إنتاج اللؤلؤ المستزرع بكلفة أقل بكثير، وبزمن أسرع وإنتاجية أكبر. كان ذلك على يد كوكيشي ميكوموتو، الأخ الأكبر لتسعة أطفال من أسرة متواضعة، كانت تنتج النودلز الصينية. استزرع اللؤلؤ ونسبت إليه مقولة "أرغب في تزيين أعناق كل نساء العالم باللؤلؤ".


وقد كان بالفعل. انهارت تجارة اللؤلؤ الطبيعي الذي نافسه لؤلؤ مستزرع، لا يختلف في الشكل والقيمة إلا لدى عين خبيرة.

شاعت البطالة والفقر بين سكان سواحل الخليج، حيث أنهت طريقة إنتاج اللؤلؤ الحديثة تجارة استمرت مئات السنين، وبقي على السكان البحث عن طريقة أخرى للعيش.

اللؤلؤ إحدى أقدم الجواهر النفيسة في العالم، واستخدم منذ آلاف السنين في صياغة الحلي والتجارة والطب. يعود تاريخ أقدم لؤلؤة إلى سبعة آلاف سنة، وعثر عليها في الكويت.

 واعتبر اللؤلؤ أحد الرموز الدينية مع ظهور الديانة المسيحية، واكتسب لاحقاً أهمية خاصة بوصفه رمز الثراء والمكانة الاجتماعية في الإمبراطوريات الهندية والأوروبية المتعاقبة.

يقدم المعرض لآلئ تعود إلى ما بين القرنين 200 و300، للميلاد، ضمن مجوهرات عرفتها بلاطات الإمبراطورية الرومانية واستخدم فيها لؤلؤ الخليج العربي، وكان امتلاك المجوهرات التي يدخل فيها اللؤلؤ دليلاً على الثراء، والقوة، والذوق الرفيع.

ومنذ القرن الرابع ميلادي تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية، ازداد اللجوء إلى اللؤلؤ الخليجي، لاستخدامه رمزاً لطهارة مريم العذراء وجنة الخلد. وفي جناح اللؤلؤ تعرض قلادة تمزج بين الصلبان الذهبية واللآلئ الخليجية الطبيعية.

وضمن مجموعات المعرض لآلئ من آسيا الوسطى وإيران بعد وصول الإسلام إليهما، حيث ذكر اللؤلؤ في القرآن الكريم رمزاً للجمال والنقاء.

تركت الحضارة الإسلامية أثرها على تصاميم المجوهرات، مثل القلادة التي يعرضها المتحف، وهي ذهبية مرصعة باللؤلؤ تحمل كلمات تعبر عن نعم الله الواسعة. كانت الهند مركز تجارته خلال حكم المغول أواسط القرن السادس عشر.

ومع حلول عصر النهضة الأوروبية ما بين 1300 و1700، للميلاد، ترسخت قيمة اللؤلؤ وزادت شعبيته.

يتعرف جمهور المتحف إلى مجموعة من اللآلئ الخليجية التي شاع استخدامها إبان عصر النهضة، ومنها قلادة ألمانية يتوسطها تجسيد لكيوبيد، إله الحب في الميثولوجيا الرومانية، والحجر الهولندي المنقوش.

وشهدت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ازدهار اللؤلؤ الخليجي وريادته في الأسواق العالمية، بما فيها الهند، وروسيا، وأوروبا الغربية، ومصر، ولاحقاً أميركا.

ولا يكتفي المعرض بتوثيق مجوهرات اللؤلؤ، بل يقدم عبر شاشات عملاقة السيرة الاجتماعية والاقتصادية التي نشأت على سواحل قطر المحاطة بالماء من جهاتها الثلاث، وتحديداً في مغاصات اللؤلؤ التي يسافر إليها البحارة، لصيد المحار في رحلات تمتد أطولها من نهاية شهر مايو/ أيار حتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول.

لم يكن لؤلؤ الخليج الوحيد في العالم، إلا أنه الأوفر حظاً لجودته وتوافره بكثرة على السواحل العربية من الخليج، بسبب قلة عمق المياه وتوافر الشعب المرجانية، الأمر الذي يوفر بيئة مثالية لتكاثر المحار، عكس سواحل إيران الأكثر عمقاً، وقد يفسر هذا التراث الأقل أهمية لصيد اللؤلؤ في هذه السواحل من الخليج، بحسب ما يذكره الكتاب المرجع "اللؤلؤ" لهوبير باري وديفيد لام، من إصدار هيئة متاحف قطر، وترجمه عن الفرنسية عبد الودود العمراني.

تظهر في المعرض مجموعة لآلئ خليجية متفاوتة الأحجام والأشكال والألوان، تعود لفترة ازدهار اللؤلؤ وزيادة الطلب العالمي عليه بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

وكان اللؤلؤ يصنف تبعاً لصفاته. فالكبيرة نصف الكروية المسطحة تسمى "بطن"، وهي قادمة من الكلمة الإنكليزية "زر" Button، وكان التجار يسعون وراء اللآلئ المتماثلة ويضطرون أحياناً لتخزينها فترات طويلة إلى أن يعثروا على قطع تماثلها حجماً وصفات، حتى تكتمل المجموعة لديهم فتدر عليهم أرباحاً أوفر.

وبين المجموعات التي تقدم منتجات اللؤلؤ في بدايات القرن التاسع عشر، وتعكس دقة الصنع والمهارة في صياغة المجوهرات المرصعة باللؤلؤ الخليجي. وتشمل المجموعة ساعة جيب من صنع وليام أنتوني في لندن، صممت خصيصاً للإمبراطور الصيني حوالي العام 1800، وخاتما أزرق عليه نقش دقيق رصع قلبه ببذور اللؤلؤ الصغيرة.

كما تعرض مجموعة مجوهرات تعود لمنتصف القرن التاسع عشر، ومنها ممتلكات الإمبراطورة أوجيني (1826- 1920) زوجة نابليون الثالث، ومنها قلادة مرصعة بأربع لآلئ خليجية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، حيث حظي اللؤلؤ الخليجي بشعبية واسعة بين النبلاء الأوروبيين، تعرض مجموعة مقتنيات لأبرز الأسر الأوروبية. فهنا القلادة متعددة الأدوار العائدة لعائلة كينسكي، إحدى العائلات التشيكية النبيلة المنحدرة من مملكة بوهيميا، والتي ترجع أصولها إلى القرن الثالث عشر. وثمة بروش مصنوع من اللؤلؤ على شكل زهرة من ممتلكات ماريا تيريزا، إمبراطورة بوهيميا، والمجر.

وهنا مجموعة مجوهرات تمثل حقبة لابيل ايبوك (1871- 1914)، وهي الفترة التي انتعش فيها اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.

شكلت هذه الفترة أوج ازدهار تجارة اللؤلؤ الخليجي، وامتازت بالثراء والأمل في مستقبل مشرق، وظهر ذلك في التصاميم التي تعكس التفاؤل، معتمدة على الأحجار الكريمة الزاهية، واللؤلؤ والألماس. واستخدمت في صناعة المجوهرات لآلئ كبيرة متماثلة وفائقة الجودة. يشهد على ذلك عقد اللؤلؤ متعدد الأدوار والأقراط الماسية.

حقبة الآرت نوفو (1880- 1910) لها حصة من المعرض. تعود القطع المعروضة إلى أوروبا والولايات المتحدة، ومن ذلك خاتم اللؤلؤ وبروش ثمرة البلوط، من صناعة رينيه لاليك، حوالي 1880، ومشط اللؤلؤ من صناعة لوسيان غايلارد. أما العقد المسمى "المخنقة" لإحاطته بالعنق، من الذهب المطعم باللؤلؤ فقد صممه هنري فيفر عام 1900.

وينتقل المتابع إلى مجوهرات حقبة الآرت ديكو بين 1920 و1930، وتعتبر القلادتان المعروضتان في المتحف خير مثال على تصميماتها، وهما من صناعة كارتييه للمجوهرات، وتعكسان البساطة والتماثل والتوزيع المتناسق لحبات اللؤلؤ.

كما تعرض أقراط اللؤلؤ الخليجي من تصميم بولغري، وكانت تقتنيها الممثلة الشهيرة إليزابيث تايلور.

تتوسط مساحة المعرض سجادة بارودا الشهيرة المرصعة باللؤلؤ التي تعكس العلاقات المزدهرة بين بلدان شبه القارة الهندية والخليج العربي في تجارة اللؤلؤ. وقد أمر مهراجا ولاية بارودا بصنعها عام 1865، ولطالما اعتبرت هذه السجادة تحفة فنية. وقد كان التطريز فناً شائعاً في بارودا، وبلاط المهراجا يرحب بالفنانين المتخصصين في فن النسيج، وكان الأمر أيضاً ينطبق على صنّاع الجواهر والأحجار الكريمة.

وخلال السنوات الماضية، تولّى فريق من الخبراء المتخصصين ترميم هذه السجادة بدقة متناهية، وتتكون السجادة من أكثر من 1.5 مليون لؤلؤة خليجية، وياقوت، وزمرد، وزفير، وماس.

لم يكن ميكوموتو الياباني ولا رفاقه أول من تدخل في آلية خلق اللؤلؤة بمحفز، فقد سبقه الصينيون. إلا أن كتاب "اللؤلؤ" يفصل كثيراً في مثابرة ميكوموتو بعد فشله مرات ليصبح سيد اللؤلؤ المسترزع، ولتحسم المعركة حول هوية اللؤلؤ الجديد. إنه ليس صناعياً وإنما مستزرع، يشبه أن تأكل فاكهة مطعّمة، لا يمكنك القول إنها فاكهة صناعية.

يحتفظ اللؤلؤ الطبيعي بروحه الأبدية، رغم التحول الحاسم الذي لحق به من خارج الهيرات (مواطن تكاثر المحار اللؤلؤي) وعلاقاته الإنتاجية والمجتمعية التاريخية في الخليج، ومن داخله مع بروز النفط.

بات اللؤلؤ الطبيعي الذي كان هبة المحارة وأنفاس الصيادين، حكايات شعبية متوارثة، بما فيها من واقع وخيال، وفنوناً من الرقص والغناء والموسيقى، والمراكب الشراعية، عابرة للزمان، محمولة على سردية هي من القدم، حتى أنها تظل سيدة الجواهر.

ذات صلة

الصورة
	 في طوكيو: "أوقفوا العدوان على غزة" (ديفيد موروي/ الأناضول)

منوعات

"وحيدا وبصمت"، هكذا يصف الياباني فوروساوا يوسوكي احتجاجه المتواصل على العدوان الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
الصورة
بشار رسن العراق لا يخشى اليابان وهذه المباراة الأهم في كأس آسيا

رياضة

حلّ بشار رسن نجم منتخب العراق ضيفاً في "العربي الجديد"، من أجل الحديث عن استعدادات "أسود الرافدين" لبطولة كأس آسيا في قطر، ومواجهة منتخب اليابان القوية.

الصورة

مجتمع

وصلت موجات تسونامي خفيفة، الخميس، إلى أجزاء من سلسلة جزر إيزو اليابانية في أعقاب زلزال بلغت قوّته 6.5 درجات ضرب المحيط الهادئ.
الصورة

سياسة

قبل 22 عاما، عاش الأميركيون صدمة مرعبة إثر ارتطام طائرتي ركاب بمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، في أول هجوم على الأراضي الأميركية منذ هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر قبل 60 عاما.
المساهمون