هكذا وصل الطاهي التركي نصرت إلى مهرجان كان

27 مايو 2019
مهرجان كان يمنح نصرت جائزة أفضل مدون شهير (Getty)
+ الخط -
يجمع الأتراك، وأصحاب المطاعم، على أن الطاهي نصرت غوكشيه "ذكي وطامح"، فمنذ وضع فاصلة بين اسمه "نصر" و"ايت" أي لحم باللغة التركية، كان يقصد أنه "نصر اللحم" ليوصله طموحه قبل أيام، لحصد جائزة أفضل مدون شهير في العالم، في إطار مهرجان كان السينمائي الدولي.

ومن خلال تذكير العالم بحركته الشهيرة "رش الملح" خلال عرض فيلم "الخائن" الافتتاحي في مهرجان كان السينمائي الدولي، عاد للأضواء من جديد، ليتوج بجائزة مسابقة أفضل مدون والتي تُنظم على هامش مهرجان كان. وشارك فيها 22 مدوناً من مختلف دول العالم.

وولد نصرت غوكشيه عام 1983 في مدينة أرضروم شمال شرق تركيا، لأب فقير يعمل في أحد مناجم التعدين وله خمسة إخوة، ويقول في مقابلات نشرت له مع صحف تركية "عشت حياة فقر مدقع. كان والدي يعمل في أحد مناجم التعدين وكنا لا نراه سوى مرة واحدة كل أربعة أو خمسة أسابيع".

وبعد تركه مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، حصل نصرت على فرصة للعمل في سوق اللحوم وعمل متدرباً وجزاراً مبتدئاً عند أحد الجزارين، وقال إنه كان مرهقاً جداً في العمل بتلك المرحلة، إلا أنه حاول دوماً تعلم أسرار المهنة.

وفي عام 2007 حصلت نقطة تحول في مسيرة نصرت نحو هدفه، حيث انتقل إلى العمل في مطعم للحوم في أحد أشهر المراكز التجارية الراقية في الجانب الأوروبي من إسطنبول، واستمر في العمل هناك حتى عام 2009 براتب 1800 ليرة تركية (قرابة 480 دولاراً حينها، ونحو 300 دولار اليوم).


وبعد فترة قرر الذهاب إلى إحدى الدول المشهورة بتصدير اللحوم، لاكتساب خبرات جديدة، ورغم أنه لا يعرف أي لغة أجنبية ولا يتحدث سوى اللغة التركية تمكن من التواصل مع أحد زبائن المطعم الذي كان يعمل به وهو فرنسي الجنسية وقد شجعه على الارتحال إلى الأرجنتين واكتشاف أسرار جديدة عن المهنة، ومن ثم محاولة افتتاح مشروع خاص به.

وفي نهاية عام 2009 استلف قرضاً من أحد البنوك ليكون مجموع ما لديه سبعة آلاف ليرة تركية ما كان يعادل آنذاك (قرابة 3500 دولار أميركي) ومن ثم توجه فوراً إلى الأرجنتين لاكتشاف عالم المزارع ومطاعم اللحوم هناك.

وخلال ثلاثة أشهر قضاها في الأرجنتين، قام بجولة عمل مكثفة جال فيها على عدد كبير جداً من مطاعم اللحوم ومزارع الأبقار والخراف وتعرف على طرق طهي بعض أنواع اللحوم النادرة، قبل أن يعود مجدداً إلى تركيا وفي جعبته معلومات، ومهارات، وأفكار جديدة.

بعد عودته من الأرجنتين عاد للعمل في المطعم نفسه الذي كان يعمل به قبل ذهابه، حيث بدأ يطبق هنا ما اكتسبه من مهارات، مبيناً أن السفر إلى الأرجنتين غيّر تفكيره وجعله يفكر بطريقة مختلفة.

وفي عام 2010 سعى نصرت للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وقام بتقديم طلب رسمي للسفارة الأميركية في تركيا للحصول على فيزا للسفر، لكنه لم يكن يملك في حسابه البنكي المبلغ المطلوب ضمانةً للحصول على الفيزا "لم يكن لدي نقود في حسابي البنكي ولم يكن لدي منزل لأرهنه أو أي أملاك أخرى ولم أكن متزوجاً لذلك تم رفض طلبي أربع مرات متتالية".

ويضيف في تصريحات صحافية سابقة "في هذه المرحلة عقب عودتي من الأرجنتين أجرت بعض الصحف والمجلات مقابلات معي حول خبرتي في طهي اللحوم، ولاحقاً استعنت بهذه الكتابات في محاولة أخيرة للحصول على تأشيرة دخول لأميركا وبالفعل حصلت أخيراً على فيزا لمدة ثلاثة أشهر إلى الولايات المتحدة" ليستفيد حسب قوله من سفره ويكتسب خبرة إضافية "عملت في واحد من أكبر وأشهر أربعة مطاعم في نيويورك بشكل غير قانوني وبدون الحصول على المال وكان هدفي اكتساب مزيد من الخبرة".

ولم تقتصر أحلامه على الوصول إلى الولايات المتحدة والبقاء هناك، فقد كان يخطط لحلمه الأكبر وهو افتتاح مطعمه الخاص في تركيا. وبالفعل عاد ووافق صديق مقرب له أن يقرضه مبلغاً من المال يكفي لافتتاح المشروع، يقول "سألني ماذا ستسمي المشروع الذي سوف أدفع فيه المال؟ كتبت على ورقة (NUSRET نصرت) وجعلت فراغاً بين نصر وات لتصبح (NUSR ET) حيث تعني ET بالتركية اللحمة". مؤكداً لصديقه الذي أعطاه النقود "أعطني النقود وأنا سوف أجلب لك بعد مدة قصيرة آلة لعد النقود، لأنك لن تستطيع عد النقود التي سأعود لك بها، وبالفعل بعد أقل من ستة أشهر أعدت له جميع الأموال التي دفعناها سابقاً في التأسيس".

ويقول الطاهي التركي نصرت بعد تأسيس أول مطعم باسمه بإسطنبول "كنت كل يوم أقف مقابل المطعم وانظر إلى اللوحة الإعلانية التي تحمل اسمي وأدعو الله وأشكره وما زلت أشكره حتى اليوم".

وخلال مدة قصيرة سجل المطعم نجاحاً دفعه للتفكير بافتتاح فروع أخرى بأمواله ومن خلال شراكات عقدها مع رجال أعمال بارزين، وافتتح فروعاً ضخمة وراقية ومكلفة جداً في إسطنبول وأنقرة وبودروم وولايات تركية أخرى، بالإضافة إلى فروع في العالم العربي كدبي وأبو ظبي، وفي ميامي بالولايات المتحدة الأميركية.

ويقول نصرت "كنت أحصل على راتب متواضع جداً والآن يعمل تحت يدي 400 شخص. سعيت للنجاح بقوة. أنا الآن في نقطة رائعة ولكن ما زلت أبحث عن الأفضل وأسعى للتوسع".

وكان صاحب سلسلة مطاعم "ستيك هاوس" قد نشر في 18 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، صورة للمنزل الذي ولد فيه، وعلق على الصورة "أمر محفز، هذا المنزل الذي ولدت فيه".

وكان قبلها قد افتتح مجمعاً في منطقة أرضروم، وشارك بالافتتاح نواب في حزب العدالة والتنمية ورئيس البلدية ومحافظ شنكايا، إضافة إلى والده ووالدته، وأطلق نصرت على المجمع اسم "فاطمة وفايك غوكشيه" مؤكداً سعادته "اليوم هو يوم سعيد للغاية. أعيش فرح مساعدة أهالي قريتي بهذا المجمع. أنا أريد أن يحيا اسم أبي وأمي لسنوات عديدة هنا. وأريد أن أستمر في الاستثمار في أرضروم بمشاريع أكثر".

ويقول صاحب سلسلة مطاعم "طربوش" بتركيا، محمد نزار البيطار: بلغ نصرت العالمية بسبب الدعاية القوية التي أتقنها بمفرده أولاً، ومن ثم وظف لها كبريات الشركات المتخصصة العالمية التي جذبت له زعماء ومشاهير العالم بالفن والرياضة، إضافة إلى أن ذهنية نصرت بالعمل تختلف عن معظم الأتراك، فهو مجدد.

وحول مهنية نصرت وخبرته، يضيف البيطار خلال حديث سابق  لـ"العربي الجديد أن لديه خبرة واسعة "يعرف تفاصيل توزع اللحم والعظم لدى الشاة والبقرة كما جراح متخصص" فهو مذ كان طفلا عمل بمطاعم وأحب المهنة "بدأ صبياً يوصل الطلبات ثم مساعد لحام فلحام وبعدها طاه".

ويلفت البيطار إلى أن العرب، ساهموا بشكل كبير بشهرة الطاهي نصرت، ففضلاً عن أنه اختار الإمارات ليفتتح بها فرعين لمطاعمه، كأول بلد بعد تركيا، أتت الدراما التركية و "هوس" الزعماء العرب بالإنفاق والشهرة، لتزيد من شهرة نصرت "يأتي الوليد بن طلال لتركيا فيطلب نصرت ويحضره بطائرة خاصة، وملك الأردن وحاكم دبي من أوائل الزعماء الذين تصوروا معه".

ولفت البيطار إلى أن الأعمال الإنسانية ووفاء نصرت زاد من شعبيته، وخاصة بتركيا، وأبعدت المسافة بينه وبين منافسيه، مثل الشيف التركي الشهير بوراك، الذي بدأ يسطع نجمه أخيراً وخاصة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصهره وزير المال، براءت البيرق، مطعمه "المدينة" الشهير بإسطنبول.

دلالات
المساهمون