الكوميديا السورية: محاولات نسائية لانتزاع المشهد من الرجال

16 فبراير 2019
الممثلة السورية أمل عرفة (فيسبوك)
+ الخط -
حاولت الدراما السورية خلال الأعوام الأخيرة، والتي تأزمت فيها الأحداث، أن تثابر على تقديم وجوهٍ جديدة على الدوام، في محاولة لضخ دماء جديدة تنعشها. ومن خلال الأسماء التي برزت في الأعوام الماضية، يبدو واضحاً أن معظم الممثلين الجدد يحاولون قدر الإمكان أن يقدموا أنفسهم بتجاربهم الأولى بصورة رزينة. فلم يتمكَّن الممثلون الجدد من فرض أنفسهم على الساحة الكوميدية السورية، الأمر الذي جعل عدد نجوم الكوميديا السورية محدوداً اليوم، ومقتصراً على أسماءٍ اشتهرت قبل الثورة السورية.

وبالإضافة لهذه المشكلة، فإن الكوميديا السورية يغلب عليها الطابع الذكوري. وغالباً ما يتم تسليط الضوء على النجوم الرجال في الأعمال الكوميدية السورية. ويقتصر حضور المرأة في معظم الأحيان على شخصيات ثانوية ومهمشة. وهذه العوامل معاً تضافرت لتقلص عدد ممثلات الكوميديا النساء في سورية. فضمن قائمة نجوم الصف الأول في الكوميديا السورية، لا نجد اليوم سوى ثلاثة أسماء نسائية، وهنّ: سامية الجزائري وأمل عرفة وشكران مرتجى، اللواتي لم يتوقَّفن عن تقديم أعمال كوميدية، وسط بيئة درامية ذكورية، تهمّش دور النساء فعلياً.

ورغم أن أزمة الممثلات السوريات المختصات بالأعمال الكوميدية تبدو اليوم واضحة وضوحاً جلياً، ولا سيما أن أصغر نجمات الكوميديا الثلاث، وصلت إلى مشارف الخمسين من العمر، إلا أن مشكلة العنصر النسائي في الكوميديا السورية لا تعتبر أمراً جديداً، بل هي مشكلة رافقت الدراما السورية عبر تاريخها. إذْ إنّ الممثلات السوريات كافحن في العقود الماضية، ليتركن بصمة واضحة في الكوميديا السورية، والتي بقيت لفترة طويلة حكراً على الرجال. فعندما بدأت الدراما السورية في الستينيات، كانت الكوميديا حكراً على الرجال، إذْ كان الرجال يتنكرون بملابس النساء، ويقدمون أنماطاً كوميدية نسائية. ومن بين الممثلين الذين اشتهروا بتقديم الشخصيات النسائية: أنور البابا، والذي اشتهر بتنكّره بالزي النسائي، وتقديمه شخصية "أم كامل" التي حققت له شهرة واسعة.



وكانت أول ممثلة سورية تمكنت من كسر الطابع الذكوري للكوميديا السورية، هي الممثلة الراحلة نجاح حفيظ، والتي بدأت مسيرتها بالكوميديا السورية عام 1969، في مسلسل "غوار الطوشة"، عندما أطلت فيه بشخصية "فطوم حيص بيص" لأول مرة. وتمكنت حفيظ من تحقيق نجومية وانتشار واسعين بسبب ملازمتها للثنائي الكوميدي الأبرز حينها، دريد لحام ونهاد قلعي، فقدمت برفقتهما العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية، أشهرها مسلسل "صح النوم". ومع توقف الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي عن العمل، اختفت شخصية "فطوم حيص بيص" بشكل نهائي، على الرغم من أن جميع الشخصيات التي خلقت بمسلسل "صح النوم" استطاعت أن تستمر في أعمال منفصلة خاصة بها، كشخصية "أبو عنتر"، و"أبو صياح" و"ياسينو".

ورغم أن حفيظ بقيت النجمة السورية الكوميدية الأبرز لما يزيد عن عقدين من الزمن، إلا أن ذلك لم يؤهلها لتلعب دور البطولة الأولى إلا في مسلسل واحد، وهو "أهلاً حماتي" (1996)، وكان ذلك بعدما سبقتها لهذا الإنجاز سامية الجزائري، من خلال مسلسل "عيلة 5 نجوم" (1994)، ولكن تجربة حفيظ لم تتمكن من حصد النجاح الجماهيري الذي حصدته تجربة الجزائري، والتي أسفرت عن إنتاج ثلاثة أجزاء أخرى من المسلسل.

وفي الأجزاء الأربعة، كان اسم الجزائري أول اسم في الشارة، ويمثل ذلك اعترافاً حقيقياً بأنها نجمة كوميديا من الصف الأول، بعدما كانت أسماء الذكور تسبق أسماء الإناث دائماً في شارات المسلسلات التلفزيونية. واستطاعت الجزائري أن تحصد لقب "سيدة الكوميديا". وإلى اليوم، لا تزال الجزائري مستمرة بتقديم أعمال كوميدية من بطولتها، آخرها كان مسلسل "فتنة زمانها" (عام 2015). وكذلك ساهمت سلسلة "عيلة النجوم" بصناعة الجيل الأخير من نجمات الكوميديا السورية، إذْ قدمت لنا السلسلة أمل عرفة، كاريس بشار، رولا ذبيان، نورمان أسعد، وشكران مرتجى.

لم تتمكن رولا ذبيان من تحقيق النجاح بعد "عيلة 6 نجوم"، فكان أول وآخر دور بطولة لها. وأما كاريس بشار، ففضلت أن تقدم نفسها بعدها بعيداً عن الكوميديا، واتجهت إلى الدراما الاجتماعية بشكل خاص، ولم تقدم خلال مسيرتها الممتدة على 23 سنة سوى ثلاثة أعمال كوميدية.

وبالنسبة لنورمان أسعد، فإن شهرتها تسبق سلسلة "عيلة النجوم"، إلا أن السلسلة قدمتها كنجمة كوميدية في عام 1997، وفي العام نفسه، شاركت نورمان الفنان أيمن زيدان بطولة مسلسل "يوميات جميل وهناء"، الذي حقق لها شهرة عربية بوصفها نجمة كوميديا. إلا أنها اتجهت إلى مشاركة زيدان بتقديم أعمال اجتماعية، ولم تحصر نفسها بالأعمال الكوميدية. كما أن مسيرتها توقفت سريعاً لتنهي أحد أبرز التجارب النسائية في عالم الكوميديا. وأما أمل عرفة، فإن بدايتها الحقيقية كانت بمسلسل "عيلة 5 نجوم" (1994)، ومن بعدها شاركت عرفة بأدوار رئيسية في العديد من مسلسلات الدراما الاجتماعية أو الدمشقية. لكن التجربة التي حولتها إلى نجمة صف أول بامتياز فكانت مسلسل "دنيا" في عام 1999، والذي لعبت فيه دور البطولة المطلقة، لتكون أصغر ممثلة سورية يوضع اسمها كأول اسم في شارة مسلسل آنذاك. وعلى الرغم من أن عرفة حرصت على المشاركة بجميع الأعمال الدرامية، وعدم حصر نفسها بالكوميديا، إلا أن الأعمال المميزة والمحبوبة جماهيرياً لها هي أعمال كوميدية. وهذا ما دفعها إلى تقديم جزء ثان من مسلسلها "دنيا" بعد مرور 16 عاما على الجزء الأول.
دلالات
المساهمون