أصدرت المغنية الفلسطينية، كاميليا جبران، أخيراً، ألبومها الرسمي السادس، والذي حمل عنوان "وَ". وأعطت جبران لمجلة "معازف" العربية المتخصصة بالموسيقى السبق، من خلال إتاحة الألبوم على منصتها قبل أيام من إصداره بشكل رسمي.
في الألبوم الجديد، تعاونت جبران مع عازف الترومبيت السويسري والمنتج الموسيقي الإلكتروني، فرنر هاسلر، فتشاركا معاً بتأليف وصناعة موسيقى الألبوم، الذي قامت كاميليا بتأليف كلمات أغانيه الإحدى عشرة، باستثناء أغنية "القرن الحادي عشر، التي أخذتها عن الشاعر أبو عبد الله الحميدي.
وجدير بالذكر أن جبران وهاسلر قد شكلا شراكة فنية فريدة من نوعها مطلع الألفية الجديدة، أي منذ أن انفصلت جبران عن فرقة "صابرين" الفلسطينية ورحلت إلى أوروبا حيث أثقلت شخصيتها الموسيقية؛ فكان مشروع "محطات" (2002) الذي كان أول تجربة تجمع بين الثنائي فنياً، وهو مشروع اكتسب أهميته من الجذور الثقافية والفنية المتباينة للثنائي. واستمرت الشراكة بعدها ليطلقا معاً عدة ألبومات، وهي: "وميض" (2004)، وألبوم "ونبني" (2010)، وألبوم "وصل" (2016)، الذي شاركت به عازفة الكونتيرباص الفرنسية سارة موريسيا.
وبالنسبة للألبوم الجديد، فله بنية الوصلة. إذ على مدار 45 دقيقة (مدة الألبوم)، تسير الموسيقى وكأنها في عمل واحد؛ نعم، هو مقسم لأحد عشر مساراً، وتتباين الموسيقى من مسار لآخر ــ ما بين الاعتماد على الموسيقى الشرقية الصرفة ببعض المسارات، والاعتماد على الترومبيت أو الموسيقى الإلكترونية بمسارات أخرى ــ لكن كل مسار يبدأ وكأنه امتداد للمسار الذي يخلفه، فيتناغم معه في البداية، ويتمرد عليه بعد ذلك، لتتيح آلية العمل هذه، التي يغلب عليها الطابع الارتجالي، الانتقال من الموسيقى الشرقية الصرفة في المسار الأول إلى الموسيقى الإلكترونية بالمسار الثالث، من دون أن تبدو هذه النقلة قد تمت بشكل عشوائي، أو أن الغرض منها لا يعدو استخدام أنماط موسيقية متعددة في الألبوم الواحد.
وعلى مستوى الكلمات واللغة المستخدمة في الألبوم، فهي رغم فصاحتها تبدو مفككة وارتجالية، وكأنها قد كتبت بطريقة التداعي الحر؛ فالمسار الأول من الألبوم، يتكون من مجموعة من الكلمات الأحادية التي تتردد بالتتابع من دون أن تكوّن أي جملة، وهي بغالبيتها كلمات وصفية، ترافقها الوتريات الشرقية بجمل قصيرة ورتيبة، فلا يكسر الجمود في الأغنية سوى أداء جبران.
وذات الأسلوب المفكك لغوياً نراه يتطور من مسار لآخر، فتتحول اللغة بالمسار الثالث من الألبوم، من لغة وصفية، إلى لغة يغلب عليها الطابع الوظيفي، فتسرد جبران جملة مفككة من الأفعال: "كتب جلس درس قرأ"، وتلقيها بتتابع دون أن تسعى لتكوين جملة مترابطة على أنغام الموسيقى الإلكترونية سريعة الإيقاع. وتحاول خلال هذا المسار أن تتلاعب بالقوالب اللغوية لتخلق المعنى، أو توحي بوجوده، حيث تقوم بتكرار ذات الأفعال على مقاطع متعددة.
وهنا يبدو أن اختيار جبران لحرف العطف "وَ" كعنوان للألبوم، هو تعبير، لا يخلو من السخرية، عن علاقتنا المضطربة باللغة، وميلنا الإنساني لتكوين المعاني والروابط بين الكلمات والمفاهيم المتتابعة. وهذا الميل هو ربما ما يجعلنا نشعر بأن الألبوم بالمجمل ليس سوى تعبير فني عن العلاقة المضطربة مع اللغة أيضاً، ولا سيما بعد أن نصل للمسارات الأخيرة في الألبوم، والتي تعتمد جبران بكلماتها على جمل اسمية مفككة، بدلاً من اعتمادها على الكلمات المفككة.