"أبشرك يا سالم"... نزاع الملكية

01 ديسمبر 2019
المغني اليمني أحمد فتحي (Getty)
+ الخط -
على رغم استمرار دوي القنابل والمدافع منذ خمس سنوات، لا يزال صوت الموسيقى حاضراً في اليمن، يحظى بحقه في الاهتمام والمتابعة، غير أنه، كحال السياسة، صوت اختلاف ونزاع وادعاء ملكية واتهامات.

أخيرًا، أثارت أغنية الموسيقار اليمني، أحمد فتحي، "أبشرك يا سالم" التي نشر ألبومها، بعد عام من نشر تسجيلها الصوتي، جدلاً واسعاً، على خلفية ملكيتها الفكرية، بعد أن برز لها أكثر من شاعر يحمل كلاً منهم أدلة تثبت أحقيته بنسبها إليه.

يقول فتحي: "ما إن رأت الأغنية النور، حتى وجدت نفسي أمام من يتحامل عليها بحجة أن كلماتها نسبت إلى غير صاحبها الحقيقي، صالح الأحمدي، من محافظة البيضاء". ويضيف فتحي في حديث إلى "العربي الجديد"، أنه واجه اعتراضاً "من قبل ورثة الشاعر، محمد عوض باكر (من محافظة شبوة)، قبل نشر الفيديو كليب، كون والدهم هو مؤلفها وليس الأحمدي؛ ما جعلني أطلب إثباتاً معمداً من الجهة الرسمية، وقد فعل الطرفان". وكان الشاعر صالح الأحمدي، سمع قصيدته بصوت فتحي، قبل عام، في إحدى القنوات التلفزيونية ما دفعه للتواصل بالفنان الذي طلب منه تنازلاً "عن الحق المادي المعمّد من وزارة الثقافة، مقابل الاحتفاظ بالحق الفكري"، على حد قوله. ويضيف لـ "العربي الجديد": " في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2018، أرسلت له وثيقتين: الأولى، سجل تعميد القصيدة في قسم التوثيق في دائرة الحقوق والممتلكات الفكرية بالوزارة (في صنعاء ويديرها أنصار الله)، والثانية تحمل التنازل".

من جانبه، يقول محمد الأحمدي، مدير مكتب الثقافة في محافظة شبوة، إن "القصيدة للشاعر الشبواني الراحل محمد عوض باكر، وقد كتبها قبل أكثر من خمسين عاماً، بعد أن شب حريق في منزله، فكانت رسالة طمأنة لابنه سالم، عن حالهم بعد الحريق". لكن الشاعر الأحمدي يقول إنه كتبها في العام 2008، بعد مشاركته في مسابقة شاعر الشعراء بسورية، وهي رسالة للشاعر سالم البركاني (رفيقه في المسابقة)، الذي كان "على اتصال دائم بي وفي كل مكالمة يقول لي: بشرني عنك! فكانت الفكرة أن "أبشرك يا سالم الحال سالم، وابتدأ مشروع القصيدة، التي لخصت فيها بعض ما تعرضت له من ظلم في المسابقة ومواقف بعض الأصدقاء" على حد قوله. ويردف لـ "العربي الجديد"، أردت أن أثبت لزميلي أن النتيجة والمؤامرة لم تؤثرا على معنوياتي، وأني انتصرت بإيصال رسالتي، ولن أيأس مهما كانت النتيجة، وخسارة الجائزة أو المال ليست بقدر خسارة القيم والأخلاق، خصوصاً أن أسرة البرنامج والقائمين عليه سعوديون".

وعلى الرغم من إحضار توثيق حديث للقصيدة باسم محمد عوض باكر، مسجّل بتاريخ العام الجاري، يقول محمد الأحمدي إن "القصيدة متداولة على ألسنة أبناء شبوة، ويحفظها كبار السن، رغم أنهم لا يجيدون القراءة أو الكتابة ولا يعرفون مواقع التواصل الاجتماعي"، ويضيف لـ "العربي الجديد": "لقد نشرت على الإنترنت بتاريخ 15 آذار/ مارس 2008 باسم باكر، بينما لا وجود لنشرها باسم صالح الأحمدي إلا في العام 2012، أي بعد نشرها باسم شاعرها بأربع سنوات". هذا اللبس، دفع فتحي لإحالة القصيدة إلى وزير الثقافة، في حكومة الرئيس هادي المقيمة خارج اليمن، مروان دمّاج، "والذي حسم الأمر باعتماد نسبة نص الأغنية للشاعر محمد باكر" على حد قوله. عن ذلك، يضيف صالح الأحمدي: "كلها أمور تزوير وطبخات سياسية، وهذا ثمن موقفي مع الوطن"، إذ يعتبر أحد الشعراء الرافضين لعمليات التحالف والممارسات السعودية الإماراتية، وواحد من كتاب قصيدة الزامل (الأغنية الشعبية اليمنية) التي يشتهر بها الحوثيون. لكنّ أحمد فتحي، يؤكد في حديثه إلى "العربي الجديد"، "أن ليست لي مصلحة من وراء هذا الاسم أو ذاك تماماً كما هي انتفاء المصلحة المادية في ظل توقف الشركات المنتجة وانتهاء زمن الكاسيت".

من جهته، يقول رئيس بيت الموسيقى اليمني، فؤاد الشرجبي، إن "فتحي سلك مساراً قانونياً، نفى عنه أي تهمة تنسب إليه سلب حق فكري لأي طرف؛ فالجهة المسؤولة عن اعتمادها هي الوزارة التي تتعامل مع الدولة التي أنتجت الأغنية فيها"، ويضيف لـ "العربي الجديد": "لو خالف الفنان قرار الوزارة، فقد ترفع عليه قضية من قبل أولاد باكر في القاهرة التي لا تتعامل إلا مع وزارة دمّاج، لكن إن كانت للأحمدي إثباتات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها له فحينها يجب نسبها له".

ويعتقد الشرجبي أن "ضعف الوعي لدى المبدعين بأهمية توثيق الحق الأدبي والملكية الفكرية في وزارة الثقافة، إلى جانب عدم اهتمام الوزارة بتوعية المجتمع الإبداعي بهذا السلوك، يجعل من العمل الفني عرضة للضياع". ويرى أن الوضع الحالي للبلاد بحاجة إلى اتفاق النخبة المثقفة في المجتمع من شعراء وأدباء وفنانين وغيرهم، بدلاً من الاختلاف الحاصل بينهم، خاصة أن كلمات القصيدة بالنسبة له ليست بالمستوى الذي وصل إليه الشاعر الأحمدي في السنوات الأخيرة، كما ليست بالمستوى الذي يستحق الجدل. وتمتلك اليمن تنوعاً كبيراً في موروثها التراثي اللامادي، يختلف بين منطقة وأخرى مع الاحتفاظ بهويته المكانية وتطوره الزماني، لكنه أصبح عرضة للسطو من قبل فنانين سعوديين وإماراتيين، نسبوا جزءاً من ذلك التراث إليهم، في ظل غياب الدور الرسمي للسلطات المنشغلة بالقتال.
المساهمون