السودان يستعيد مشهده الفني والثقافي

27 نوفمبر 2019
هناك أكثر من فعالية فنية وثقافية تقام أسبوعياً(Getty)
+ الخط -
في عام 2012، فكرت جماعات ثقافية، في الخرطوم، بإقامة معرض للكتاب في الشارع العام باسم "معرض مفروش"، يتم فيه بيع الكتب بأسعار زهيدة، وتبادلها بين الزوار، وذلك لمقابلة ارتفاع أسعار الكتب. حازت الفكرة رواجاً كبيراً بين القراء وعموم المثقفين، إذ كان يقام المعرض كل يوم ثلاثاء في أول الشهر، ولم يكن الحدث مجرد معرض، بل تظاهرة ثقافية بعيدة عن الرسميات.
لكن سلطات نظام المعزول عمر البشير، الذي يرتاب من أي نشاط أو فاعلية ثقافية لا تقع تحت سيطرته، أصدر قراراً في عام 2016، بوقف نشاط المعرض لأسباب أمنية، وفشلت كل محاولات القائمين على أمر التظاهرة في إقناع السلطات بالتراجع عن قرارها.
وبمجرد سقوط نظام البشير في إبريل/نيسان الماضي، واكتمال بناء السلطة المدنية، عاد "معرض مفروش" أكثر قوة، وبدلاً من تنظيمه في الشارع العام، سمح وزير الثقافة والإعلام الجديد، فيصل محمد صالح، بتنظيمه داخل مقر المتحف القومي.
لا يرى مأمون التلب، أحد منظمي المعرض، أن المكاسب الثقافية بعد الثورة، تنحصر فقط في السماح بعودة "معرض مفروش"، بل اعتبر الأمر انفتاحاً ثقافياً عاماً شمل كل ضروب الأدب والفنون، مبيناً أن كثيراً من المنتديات والمراكز الثقافية التي حظرها النظام السابق، عاد بعد الثورة أكثر نشاطاً وفاعلية، مثل مركز الخاتم عدلان للاستنارة، ومركز الدراسات السودانية، اللذين أُغلقا بحجة تهديد الأمن القومي في عام 2012، مشيراً إلى وجود نهضة سينمائية تشهدها البلاد هذه الأيام، مستدلاً بفوز عدد من الأفلام السودانية بجوائز عالمية، وقيام عدد من الأسابيع السينمائية.
يضيف التلب، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنه حتى الهيئات الحكومية التي كانت بعيدة عن النشاط الثقافي طوال 30 عاماً من عمر النظام السابق، ضُخت فيها دماء جديدة، وبدأت التخطيط لعمل ثقافي واسع، وإشراك الجماعات الثقافية في ذلك، مثل المركز القومي للآداب والفنون، مؤكداً أن ما تقوم به الحركة الثقافية والفنية بعد الثورة يفوق بكثير ما تقوم به الحركة السياسية، وأن الغرض من كل هذا الحراك الثقافي هو نشر الوعي، وهو أكثر ما يحتاجه الناس في مسيرة التغيير الطويلة التي أسست لها الثورة.
يلفت التلب الانتباه إلى أن الحراك الثقافي الواسع لم يكن حكراً على الخرطوم العاصمة، بل تعداه ليبلغ بقية الولايات، وهو أمر لم يحدث من قبل، حسب تقديره.
من جهته، يقول الشاعر حاتم الكناني، إنه بات واضحاً بعد سقوط نظام البشير تزايد النشاط الثقافي والفني الذي ظل طوال ثلاثين عاما مكبلاً بقيود أمنية لا مبرر لها سوى عداء النظام البائد للفعل الثقافي الحر، مشيراً إلى أن الاستثناء الوحيد من فترة ثلاثين عاماً، هو الست سنوات التي سبقت انفصال جنوب السودان، كانت البلاد فيها محكومة بشراكة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، أتاحت ما سمته هامش الحريات.
يضيف الكناني، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنه بات بإمكان المهتمين بالثقافة في السودان في الآونة الأخيرة أن يحضروا فعالية ثقافية على الأقل في الأسبوع، سواء كانت تدشيناً لكتاب، أو ليلة شعرية بكل رحابة وحرية.
يوضّح، من واقع تجربته الشخصية، كواحد من القائمين على عدد من الفعاليات والمشاركين فيها، أنه يجد الفرق واضحاً في المشهد، فمن الصعوبة في نظام البشير أن تقيم فعالية من دون أن تطلب تصريحاً من جهاز الأمن، رغم أن الفعاليات الثقافية حسب القانون والدستور متاحة، مشيراً إلى أن تعيين الشاعر عالم عباس، أميناً عاماً للمجلس القومي للآداب والفنون، أمر ذو دلالة كبيرة؛ إذ كان هذا المنصب في عهد البشير. منصباً أمنياً بامتياز.
يرى الكناني أن مستقبل العمل الثقافي والفني واعد جدّاً، وهناك مشاريع ثقافية دؤوبة: "أتوقع أن تغير كثيراً في المشهد الثقافي والاجتماعي، وأن يكون للثقافة والمثقفين دور كبير في انتقال السودان نحو الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة".
المساهمون