باسل زايد: الكثير من التجارب العربية لا تعبّر عن واقع حياتنا

08 ابريل 2018
(فيسبوك)
+ الخط -
بعد غياب دام قرابة ثلاث سنوات، يعود الفنان الفلسطيني باسل زايد، ليطلّ على جمهوره بعمل جديد يصدر قريباً. سيكون العمل مختلفاً، إذ يضم ثلاثة عازفين، ليشكّلوا "ثلاثي أين"، الذي يتوزّع على آلات وترية فقط. هنا، حديث مع زايد، حول تجربته وجديده.

• كُنتَ أسّستَ فرقة "تُراب"، وأصدرت معها ألبومًا بعنوان "هذا ليل". أين الفرقة؟ ماذا حدث؟
أنا فخور بفرقة تراب وما أسّست له في فلسطين والعالم العربي، وربما العالم ككل أيضًا. "تراب" بدأت بمجموعة من العازفين عام 2004، وعلى مر السنين، حتى عام 2015 تقريبًا. كانت "تراب" تقدم ألحاني وموسيقاي وصوتي، وقد عمل معي في هذا المشروع كثير من الأسماء المهمة اليوم في الساحة الفنية. أرى في هذا نجاحًا كبيرًا للفكرة، وأظن أن الجغرافيا هي العامل الرئيسي لانتهاء وجود الفرقة، لكن تسجيلاتها موجودة وهي جزء من أعمالي الكثيرة، وجزء من الإرث الموسيقي العربي الكبير الذي لا ينضب.


• يُقال إنّ الفِرق لا تعمّر طويلًا. هل تتفق أم لا؟ ولماذا؟
الانتماء للقبيلة/الفرقة هو احتياج بشري، ولعلّ الموسيقيين هم أكثر الناس احتياجًا للعمل في إطار اجتماعي. لكن هذا لا يعني أن الفرقة يجب أن تكون بمثابة التزام طويل الأمد؛ فهذا شبه مستحيل. الناس بالعادة يتطورون ويمتلكون من الخبرات والأدوات التي تؤهلهم للخروج إلى أطر أخرى لبناء مشاريعهم الخاصة.


• ما هي قصة ألبوم "آدم" الذي صادره الاحتلال عام 2010؟
السيد كريم كيلاني هو المنتج لهذا العمل، وقد سجّلنا المشروع في مدينة رام الله، وبعدها أخذ السيد كيلاني العمل للنسخ والطباعة والتغليف، وعندما كان يعبر أحد الحواجز الإسرائيلية، اكتشف أحد الجنود وجود كمية كبيرة مما يشبه جوازات سفر (غلاف العمل)، يبدو أنه استُفز من وجود جواز سفر فلسطيني. فتحه وبدأ بقراءة المحتوى، واحدة من القطع كانت أغنية تسخر من جيش الاحتلال، عنوانها "انتصر جيش الدفاع". بعد ذلك، صادر الجندي الكمية كاملة؛ 1000 نسخة مهيئة للإطلاق؛ ما اضطر السيد كيلاني للعودة لطباعة المزيد قبل المؤتمر الصحافي الذي كان متوقعًا في اليوم التالي.


• بدأت بتعلّم البيانو، ثم انتقلت إلى العود. لماذا؟ 
أحببت العود لعدة أسباب، أهمها ارتباطه بالكثير من الأسماء المهمة في الموسيقى العربية، مثل زكريا أحمد، ومحمد القصبجي، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، والشيخ إمام، وغيرهم. كما أن العود هو آلة التلحين في الموسيقى العربية بسبب قدرتها على إصدار الأصوات والمقامات العربية التي تعجز عن إصدارها الآلات الغربية كالبيانو.



• كيف ترى المشهد الموسيقي العربي؟ ما هي ملاحظاتك، السلبية والإيجابية؟
لست متابعًا بشكل كبير، وقد تكون شهادتي مجروحة، لكن ضمن الكثير من التجارب المتواضعة من حيث النوعية والعمق؛ نجد، بالمقابل، تجارب عميقة وعالية الجودة الفنية. يبدو المشهد الموسيقي العربي غير واقعي أحيانًا؛ فهناك كثير من التجارب التي لا تعبّر عن واقع حياتنا لا من قريب ولا من بعيد. لا أريد هنا أن أفهم بشكل خاطئ ولا أعني أن كل ما يُنتَج يجب أن يكون بإطار سياسي ملتزم بقضايا الشعوب العربية السياسية، وإنما أرى حاجتنا الماسة إلى أن نعبّر عن تجاربنا وعن واقعنا بشكل أكثر مسؤولية. وعليه، فأنا أرى أن التعبير الصادق هو الذي قد يوصلنا إلى فن جيد، ليس بهدف إنتاج موسيقى وحسب؛ لأنها قد تجذب المستمعين والمروجين، لكن هذه ليست أفضل وسيلة. فالصدق بتقديم الموسيقى سيكون نابعًا من الواقع، حتى لو كان للخيال دور كبير في رحلة الإنتاج.


• ماذا عن المشهد الموسيقي الفلسطيني؟ هل يمكننا الحديث عن موسيقى فلسطينية؟ أم أنّها مجرّد تجارب مترامية الأطراف ولم تصبح مشهدًا واضح الملامح؟
لا أرى المشهد الموسيقي والسياسي والاجتماعي الموسيقي منعزلًا عن بيئته وحالته العربية وحتى الشرق أوسطية. أظن أن ما يُنتَج اليوم في فلسطين لا يعني الكثير إذا لم يؤخذ في سياق الحالة الفنية العربية العالمية. أظن أن الفنون كالسياسة، إذا خرجت من الكل إلى الجزء تفقد الكثير من معناها. تجربتي الفنية الشخصية على مدار الفترة التي مرّت كانت مع جمهور عريض في العالم العربي والعرب وغير العرب أيضًا.


• نستمع كثيرًا إلى عبارات من قبيل: مزج الموسيقى العربية بالغربية / جاز عربي / روك عربي / إلخ... كيف تفسّر هذه الرغبة بالمزج؟ وهل هو مزيج ذات قوام واضح ومدروس؟ أم مجرّد خليط يبدو ليس مفهومًا؟
ليس هذا جديدًا. المزج في الثقافات هو بناء تجارب مختلفة ومحاولة إبداع أنواع موسيقية جديدة. المزج في الموسيقى العربية كان موجودًا منذ القدم. مثلاً، كان محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وغيرهما مطلعين على الموسيقى الغربية الكلاسيكية والجاز. لكن اليوم، كما ذكرت سابقًا، يكمن السرّ في سبب ومبرّر الدمج. هذا، بنظري، يجب ألا يكون سببًا موسيقيًا أو جماليًا بحتًا، كأن نقول إن هذا المقام أو هذا النص يمكن أن يعزف بشكل محدد من ثقافة معينة. هذا ليس خطأ، لكن إذا لم يكن هناك مبرر معين غير فني، يعتبر هذا فنًا ساذجًا بغضّ النظر عن قيمته الموسيقية.


• أسّست أيضًا "رباعي باسل زايد". حدّثنا أكثر عن هذه التجربة. في وصف هذا الرباعي على موقع، تقول إنها موسيقى "تجمع بين المقام والأوزان والجاز بطريقة معاصرة". حقيقةً، هذه العبارة نسمعها كثيرًا من كثير من الفرق، وأصبحت عامّة نوعًا ما ومطّاطة وضبابية. نرجو التوضيح.
قد يكون هذا الوصف ضبابيًا حين يستخدمه بعض الموسيقيين؛ إذ يتم اقتباس جملة وصفية كهذه لبيع موسيقاهم وترويجها بشكل مناسب. تُستخدم هذه العبارات أحيانًا لتشتيت المُستمع وإقناعه بأن الموسيقى التي يُصغي إليها هي موسيقى تحوي إبداعًا وعمقًا في التقديم. نصيحتي لكل من يقرأ فكرة كهذه أن يسأل السؤال بشكل آخر؛ هل هناك بعد آخر؟ وهل لهذه التجربة الموسيقية سبب فلسفي، نفسي، اجتماعي، مجتمعي، تربوي أو حتى أكاديمي؟ بالنسبة لي، الدمج ليس هدفًا، وإنما يتأتّى نتيجة تفكير عميق لمعنى أن تقدم موسيقى ذات قيمة وارتباط بمعايير إنسانية واجتماعية وثقافية قبل ارتباطها بالمعايير الموسيقية الرمزية التي قد لا تعني شيئًا من دون محتوى فكري يدعمها. في عملي مع عازفين موسيقى الجاز، أرى ربطًا وتواصلًا مع نشأة تجربة الجاز والتمييز العنصري ضد السود مع تجارب الاحتلال والانتداب والهيمنة والقمع للشعوب في العالم العربي. فدمج هاتين الحالتين، على الرغم من صعوبتها لاختلافهما القواعدي والجوهري الكبير، وعلى الرغم من وجود محاولات تقنية غير عميقة وأحيانًا بائسة، إلا أنها بالنسبة لي تعني الكثير وفيها مقولة إنسانية وسياسية عميقة تتخطى حدود المكان والزمان.



• إلى جانب ذلك، هناك فرق ظهرت تروّج لخطاب ليبرالي إلى حدّ كبير، يتلمّس قضايا "الطبقة الوسطى" مثل المثلية وما إلى ذلك. حتى أننا لا نفهم شيئًا على المغنّي وهو يغني لأنه يؤدي الكلمات العربية بطريقة أميركية. ونقع على فرق أخرى تتخذ من الموسيقى الشعبية والتراثية مادة لها لتعرضها في شوارع العواصم الغربية. ما تعليقك؟ 
مع انهيار سوق بيع الأسطوانات وسهولة إيجاد الموسيقى على الإنترنت، اتجه المنتجون إلى سوق الموسيقى الحية والحفلات والترويج لأفكار موسيقية وفرق. لذلك أصبح الاهتمام بأنواع موسيقية معينة مبني على الجمهور واحتياجاته، والمهرجان ورؤيته، والمسرح ومتطلباته. هذا جعل الكثير من التجارب الفنية قادرة على الانتشار. أما المجموعات والأفكار التي تعبر عن فئات معينة وعن أقليات؛ فأرى إنها مهمة وتشكّل بداية جيدة لتوسيع الأفق للتعبير عن حقوق الإنسان وتسليط الضوء على الحالة الإنسانية. ما تقوله في السؤال مهم، ليس من السهل أن تفهم على المغني، وأضيف أنه أحيانًا لا يمكن أن تفهم الاتجاه الموسيقي، وربما هذا أيضًا هو أحد الأهداف غير المقصودة؛ أي أن تمنح المستمع شعورًا بالضياع ربما؛ لأن الفرقة وأعضاءها ضائعين. وكوننا اليوم فقدنا بوصلتنا الثقافية وبتنا نجاري التمويل ورغبات الممولين والمحطات الفضائية والأجندات المتنوعة، ضاعت قدرتنا على تقييم الفن الجيد والرديء.


• سنترك الغناء، ولنذهب إلى الموسيقى الآلية. ألّفت مقطوعات عدّة.. لماذا لا تُصدر ألبومًا فقط يضم موسيقى آلية من دون غناء؟ برأيك، لم تعد الموسيقى الآلية مطلبًا جماهيريًا؟
بالعكس، أرى أن أهم أخطائي هي أنني لم أصدر الألحان الآلية. قريبًا، سيتم نشر الكثير من الأعمال الموسيقية الآلية من تأليفي. أظن أن المطالب الجماهيرية ليست محددة بشكل موسيقي أو فني معين، بل إن الجميع يبحث عن الجمال والتعبير العميق الخالي من التزييف.


• ما هي إمكانيات الموسيقى العربية اليوم؟ هل توقّفت في مكانٍ محدّد لم تستطع تجاوزه؟ أم أنك ترى أنها ذاهبة إلى مكانٍ ما أو تملك أفقًا ما في سياق تطورها؟
مهم النظر إلى تاريخ الموسيقى العربية أولا ودراسته جيدًا؛ لأن عدم الوعي لما في الموسيقى العربية من تفاصيل وإمكانيات وجماليات قد يوصلنا إلى نتائج فنية بلا هوية ولا جذور لها. أدرك كم هو صعب الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالموسيقى العربية لقلة المصادر والأبحاث الإثنية والموسيقية ولقلة التسجيلات مقارنةً مع تسجيلات لفنانين وشعوب أخرى معاصرة لنفس الفترات. لذلك، نجد ارتباطًا وتواصلًا بين الموسيقات العالمية وتاريخها، ونجد شبه فجوة بين تاريخ الموسيقى العربية ووضعها المعاصر. أيضًا، أظن أن اهتمام الموسيقيين بالبحث وابراز جماليات الموسيقى العربية ونشرها من منظور علمي بحت، لا استشراقي، وإنما موضوعي وعلمي، قد يثري المكتبات العالمية والمستمعين ومتذوقي الموسيقى.



• نسمع أحيانًا من بعض المستمعين لتجربتك: إنّ باسل في الموسيقى أفضل منه في الغناء. ما رأيك؟
يحق للمستمعين تقييم أي تجربة كما يرغبون، ولست في موقع تقييم رأي الجمهور الذي أحترمه، حتى ولو كان جمهورًا ناقدًا. أستخدم صوتي وعزفي وتلحيني للتعبير الصادق عما يدور في نفسي وتفكيري، وما على المتلقي إلا الاستماع لما يجذبه ويستهويه.


• ماذا تفعل في الولايات المتحدة الآن؟ وكيف يؤثر وجودك على تجربتك؟ ما هي الأنماط الموسيقية التي اقتربت منها ووجدتَ فيها شيئًا؟
أحضّر للكثير من الأعمال الموسيقية التي سترى النور قريبًا جدًا. وجودي هنا ساعدني على التعرف على أطر فنية وموسيقية وتجارب رائعة أعطتني الكثير من الأدوات والمساحات للتعبير عن الموسيقى العربية بشكل مختلف. تعرفت على الموسيقى التقليدية الأميركية وعلى نشأة موسيقى الجاز بشكل أعمق، وأمارس هذه الموسيقى الآن بشكل احترافي وفعلي مع عازفين من هذه الثقافة. كما أحضّر للكثير من الاعمال الموسيقية مع أوركسترات ومجموعات مختلفة في موسيقى الصالة، وأستخدم العود بشكل يحافظ على شخصيته العربية من دون أن يطرأ أي تحول أو تحوير في شخصية الآلة أو الموسيقى العربية التي عرف بها.


• كان منير بشير ينهل، أيضًا، من الموسيقى الهندية، والشرق أوروبية، بعيدًا عن مركزية الغرب. لماذا نفتقد إلى تجارب مثل هذه؟ لماذا لا نقترب أكثر من موسيقى شعوب أخرى بعيدًا عن الغرب ومركزيته؟ مثل الموسيقى اليابانية والهندية وتلك البلاد.. هل لديك تجربة (أو تفكّر في واحدة) تذهب أكثر إلى التقاء ومقاربة هذه الأنواع الموسيقية؟
التنوع الموجود حولي من موسيقيين من كل العالم يتيح لي العمل مع ثقافات موسيقية رائعة. بينما أحمل هم نشر الموسيقى العربية وأصالتها وإيصالها؛ فإن واحدة من هذه الأدوات تكون بالتعاون مع عازفين من ثقافات اخرى. أخطط لذلك وسيكون هناك تجارب كثيرة قريبًا أقدم من خلالها ألحانًا وأعمالًا تنهل من ثقافات أخرى.


• هل تتفق مع مقولة إنّ الموسيقى "لغة كونية/إنسانية/ لغة سلام"؟ أم تجدها مقولة ذات محمول سياسي نوعًا ما يحاول انتزاع خصوصية الشعوب وثقافتها مقابل جعلها مفهومًا "كونيًا" (بالمعنى السلبي)
يعتمد ذلك على كيفية النظر لمعنى الجملة. إذا نزعنا الصبغة السياسية ومحاولة استخدام الفن لتطبيع ما هو غير طبيعي، نكون بصدد إهانة الضعيف وتعزيز ظلم القوي. لكن أظن ان الفنون والموسيقى بشكل خاص لديها القدرة على بناء جسور للتواصل بين الأشخاص والشعوب عندما لا تستطيع اللغة ذلك. منذ كنا أطفالًا، كنا نسمع مصطلح التطبيع والوطنية وربط مصطلحات غريبة مع بعضها بعضًا. فمثلًا، ارتبط التطبيع مع التعاون مع الآخر، التطبيع ليس شيئًا سيئًا، ولكن التطبيع مع العدو الظالم يعتبر سيئًا. لذلك، بالمعنى العام، الموسيقى لغة كونية في مخيلتي، قبل أن يستخدم البشر اللغة للتواصل والتعبير، استخدموا الأصوات للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم، وأظن أيضًا أن استخدام الأصوات والألوان والروائح بشكل إبداعي للتعبير، هو الذي أوصلنا لاستكشاف إمكانيات استخدام التعبير اللغوي.


• إلى ماذا تحضّر الآن؟ حدّثنا بتفصيل أكثر حول عملك القادم. مع من تشتغل؟ من الشعراء؟ ما هي النصوص؟ 
أعمل حاليًا على التعاون مع أصدقاء موسيقيين كثر في مشاريع مختلفة. أعمل على بناء فرقة من عازفين محترفين من ثقافات متنوعة ومختلفة لتقديم أعمالي الآلية والغنائية. أعمل أيضًا على بناء ثلاثي موسيقي، اسمه "ثلاثي أين" لتقديم أعمال موسيقية كتبت لهذا الغرض. من خلال هذا الثلاثي، أقدّم نصوصًا صوفية للحلاج، ورابعة العدوية، ونصوصًا صوفية حديثة لعامر بدران وآخرين. كما أعمل على تسجيلات منفصلة (singles) بالتعاون مع العديد من الشعراء مثل عامر بدران، طاهر رياض، وغيرهما. وسأقدّم أعمالًا جديدة من شعر محمود درويش وحسين البرغوثي. كما أسجّل العديد من الأعمال في أسطوانة مدمجة على شكل عزف منفرد على العود مع الغناء. هذا مخططي للعامين القادمين.

دلالات
المساهمون