أمير نادري: أفلام اليوم سمٌّ يحثّ الجمهور على الكسل

29 ابريل 2018
أمير نادري (العربي الجديد)
+ الخط -
"تعلمت الكثير عني وعن أفلامي في الأسبوعين الأخرين اللذين قضيتهما في باريس مع هذه الاستعادة لأفلامي. هذا الحدث المفاجئ ترك أثراً قوياً لديّ، كنت أتمنى فقط لو كان قد حدث قبلاً". هنا، التفت نحو المسؤولة عن تنظيم الاستعادة، وضمها بقوة كادت معها أن تقع. هكذا تكلّم المخرج الإيراني، أمير نادري، في مركز جورج بومبيدو الثقافي بباريس، قبل وبعد عرض آخر أفلامه "الجبل" المصور في إيطاليا. تمّ عرض الأفلام في فعاليَّة "أمير نادري والسينما الإيرانية الحديثة"، إذْ عُرِضت أفلامٌ لم يسبق لها العرض في أي مكان آخر. كنز يكشفه المركز لأول مرة في فرنسا على مدى أكثر من شهرين، بدءاً من 5 نيسان/ إبريل إلى 17 حزيران/ يونيو. إذ يتمّ إعادة اكتشاف لنادري، يرافقها كذلك إبراز لأهمية جيله في السينما الإيرانية الحديثة، من خلال عرض بانوراما لأفلام هؤلاء الذين تركوا بصمات، أي عباس كيارستمي وسهراب شهيد ثالث وفروغ فروخزاد وبارفيز كيميائي.

مسيرة حياته الشخصية والسينمائية فريدة من نوعها، ولطفولته أكبر الأثر عليها. أمير نادري الذي ولد عام 1945 في عبادان، غادر إيران نهائياً نهاية الثمانينيات إلى الولايات المتحدة الأميركية. عاش طفولة متشردة شاقّة وحيداً في الحياة بدون أسرة ولا مأوى. تعلم الكفاح وبذل الجهد وتحمل الصعاب ومارس كل المهن، ومنها بيع المرطبات في دور العرض. هناك كان يشاهد الأفلام، وهناك كانت البداية. لقد لامست السينما في الفتى هوساً موجوداً نحو الحرية والانطلاق إلى عوالم أخرى جديدة. كان في الرابعة والعشرين حين حقق "وداعاً يا صديق" وهو أول فيلم له في إيران، ثم تابع مع أربعة أفلام عن الطفولة، منها "هارمونيكا" و"الانتظار". أخرج فيلم "العداء" عام 1985 المستوحى من سيرته، ويدور الفيلم حول الطفولة والعطاء والجهد الشخصي من خلال شخصيَّة "أميرو" وطفولته المشردة. وفي عام 1988، أخرج نادري فيلم "ماء، ريح، أرض"، وفيه شخصيَّة طفلٍ صغير يبحث عن والديه المفقودين.
تميل أفلام نادري التي حققها في إيران قبل الثورة إلى الواقعية السوداء، ثم آثر إظهار تجربته الشخصية، كما حصل في أفلامه عن الطفولة. بعد هجرته للولايات المتحدة، أنجز أفلاماً أميركية مثل "مانهاتن بالأرقام" و"مانهاتن ABC" و"حواجز الصمت" و"فيغاس". ثم انتقل إلى اليابان عام 2011، وصور فيلما باليابانية " قطع". قطع نادري بالكامل مع إيران التي غادرها منذ 34 سنة، ولم يعد إليها لغاية اليوم، وهو يعيش حالياً بين نيويورك وطوكيو.
خلال تقديمه للجمهور في مركز بومبيدو، بمناسبة عرض فيلمه الإيطالي الأخير "الجبل" 2016 ، قال نادري أن كل ما يعرفه من الحياة والسينما وضعه في هذا الفيلم، "قد يكون قاسياً ولكنه فيلمٌ مهم جدًا لي كمخرج، واستخدمت فيه ثلاث كاميرات وهذا أمر تعلمته من كيروساوا". وأضاف مبتسماً "لقد جننت فريق العمل". فنادري يظل على عهده مهما تغير موقع العمل، يدفع بكل فرد من أفراد الفريق، وهو أولهم، إلى أقصى الحدود في البذل والعطاء.


ثلاثة أشهر من المعاناة لتصوير قصة عائلة إيطالية معدمة في القرون الوسطى، تقطن سفح جبال وعرة قاحلة، يسكن رب العائلة اعتقادٌ بوجود لعنة تمنع الشمس من الوصول لأرضه، فيقرر تنفيذ فكرة مجنونة: تكسير الجبال! الفيلم هو طفولة المخرج المتشردة، و"أغوستينو" البطل هو نادري ذاته! نادري الذي كسّر الجبال. إنها قصته وهذا ما أكده لي حين سألته عن أسلوبه في معظم أفلامه بدفع شخصياته إلى الحالة القصوى في كل شيء مضيفاً "أفلامي عملية بحث، ويجب دفع الثمن! أفلام اليوم سامة وتحثّ الجمهور على الكسل، ما يهمني هو السباق نفسه، أي الماراثون وليس النتيجة، فالاختلاف بين الإنسان والحيوان يكمن في التحدي! الإنسان هو الذي يتحدى ويقوم بالثورات، وأنا أريد نقل تجربة الجهد والتعب إلى الجمهور، أريد لها أن تتحول إليه، أن يشعر بها!".
المساهمون